حصار السويداء... سياسة ممنهجة للتجويع والإبادة
منذ الثالث عشر من تموز/يوليو وحتى يومنا هذا، تتعرض مدينة السويداء السورية لحصار اقتصادي وإنساني شامل، يقوده جهاديي هيئة تحرير الشام بمسمياتها المختلفة.

روشيل جونيور
السويداء ـ يهدف حصار مدينة السويداء السورية إلى خنق المدينة اقتصادياً ومعيشياً عبر منع دخول المحروقات التي تساعد في ضخ المياه والمواد الغذائية، في محاولة للضغط على الأهالي أو معاقبتهم على رفضهم الخضوع للسلطة.
في ظل هذا الحصار، تقاوم السويداء وريفها العطش والجوع والدمار بينما تبقى آثار المجازر والحرائق وتدمير الممتلكات شاهدة على حجم الإجرام المرتكب بحق المدنيين، وسط صمت دولي مريب وتواطؤ داخلي متعمد.
"نتعرض للإبادة"
تقول الدكتورة شريفة الصالح من مدينة السويداء "نتعرض للإبادة، بنينا هذا الوطن وضحينا، ولم نفكر يوماً بالانفصال عن سوريا. ذرة تراب بمدينة قامشلو تعادل ذرة تراب في السويداء. منذ ٢١ يوماً ونحن نعاني من حصار شديد من شركائنا في الوطن ولا نعلم لماذا".
وأضافت "المساعدات لا تصل، الخدج ماتوا في المشافي بعد أن قطعت الكهرباء عنها. المحروقات وصلت إلى الأفران ولكنها لم تكن كافية، وحين انتهت، أدخل بعض الطحين، وكأنهم يتظاهرون بإدخال الأساسيات، بينما يمنعون تشغيل الكهرباء لإتمام العمل".
وأوضحت أن "حاضنات الأطفال توقفت عن العمل بسبب نقص الوقود، والجثث تفسخت لأن البرادات تعطلت، والمياه شحت لدرجة أن الأهالي باتوا يتقاسمون سطل ماء واحد، في المشفى لدينا 1500 مريض سرطان يحتاجون إلى جرعات، وطريق دمشق مقطوع، وهو الشريان الأبهر للسويداء".
وأشارت شريفة الصالح إلى أن الحواجز تمنع دخول المساعدات بحجة انتظار موافقة رئيس الأمن العام أحمد دلاتي، الذي لا يجيب على هاتفه، مما يستخدم كذريعة لحرمان الأهالي من الدواء والغذاء.
وأكدت أن أهالي السويداء يتعرضون لحرب ممنهجة "نتعرض للإبادة، ويمنع الإعلام من رؤية الحقيقة. لماذا؟ لأنهم يخشون انكشاف جرائمهم. ذبحت طفلة رضيعة على صدر أمها، وقالوا لها لن نقتلك، بل سنتركك تتعذبين. ثم قلبوا الحقائق، واتهمونا بارتكاب المجازر".
وطالبت الدكتورة شريفة الصالح بفتح معبر إنساني عبر الأردن يسمح بخروج المرضى لتلقي العلاج، وبدخول الوقود والطحين والمواد الغذائية.
حصار اقتصادي وتداعيات خطيرة
من جهتها قالت المهندسة غادة الشعراني أنه مع تصاعد الانتهاكات، اضطرت آلاف العائلات للنزوح من قرى الريف الغربي والجنوبي نحو مدينة السويداء، هرباً من القصف والحرائق والنهب، لكن هذا النزوح تم في ظروف مأساوية، حيث خرجت العائلات دون أن تحمل معها أي مونة أو حتى حبة قمح واحدة بعد أن أُحرقت الصوامع والمخازن، وسلبت الممتلكات.
وبينت أن هذا النزوح المفاجئ "فاقم الوضع داخل المدينة، التي باتت عاجزة عن تأمين الغذاء والمأوى للوافدين ومن المعروف أن أهالي القرى يدخرون مونة كافية لسنة كاملة فقامت هذه المجموعات بإحراقها مما زاد الضغط على المدينة".
ولفتت إلى ما تعرضت له المشفى الوطني في السويداء من انتهاكات مباشرة، شملت "قصف بقذائف الهاون والأسلحة الثقيلة، وقتل عدد من المرضى والمصابين والكادر الطبي، وتراكم الجثث نتيجة توقف البرادات بسبب انقطاع الكهرباء، ما أدى إلى تحللها وانبعاث روائح كريهة، أثارت مخاوف من انتشار الأوبئة".
وأكدت أنه تأثرت كذلك مشافي شهبا وصلخد وسط شح حاد في الأدوية والمواد الطبية نتيجة منع دخول المساعدات من دمشق، محذرةً من الحصار الاقتصادي وتداعياته الخطيرة.
وأشارت إلى أن "منع وصول المحروقات والمواد الأساسية، أدى إلى تعطيل مضخات المياه وشح المياه في المنازل والمرافق العامة، وشلل في الاتصالات حتى أهل البيت لا يعلمون عن بعضهم شلل في قطاع النقل والتوزيع الغذائي انهيار القدرة التشغيلية للمشافي والمخابز".
الوضع كارثي
وأكدت على حديث الدكتورة شريفة الصالح بأنه "رغم السماح بدخول كميات محدودة من الطحين إلى المخابز إلا أن السلطات منعت دخول مادة المازوت اللازمة لتشغيل الأفران، مما أدى إلى شلل شبه كامل في إنتاج الخبز، وأنه تم إحراق صوامع القمح في أم الزيتون ومتونة، التي كانت تغذي المدينة، في خطوة تهدف إلى تجويع الأهالي بشكل ممنهج".
وأكدت غادة الشعراني إن الوضع في السويداء بات كارثياً، ويحتاج إلى تدخل دولي وإقليمي عاجل "من الضروري أن يتم الإعلان عن مدينة السويداء كمنطقة منكوبة بشكل رسمي، والسماح بفتح معبر إنساني لإدخال المساعدات اللازمة للتخفيف من معاناة السكان. الحل الوحيد أمام المجتمع الدولي هو الضغط على الأطراف المعنية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية وإعادة الحياة الطبيعية إلى المنطقة".
وطالبت بتضافر الجهود المحلية والدولية لإيقاف الحصار الذي أدى إلى معاناة غير مسبوقة للمدنيين في السويداء "على المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم من أجل حماية المدنيين وتأمين حقوقهم الأساسية في الغذاء والدواء والمأوى".