من الألم إلى المقاومة... النساء الإيزيديات بعد إبادة شنكال

أكدت سارا بركات أن الفرمان الذي نفذ بحق المجتمع الإيزيدي غير حياتهم بشكل جذري، خصوصاً النساء، اللواتي تحوّلن بعده إلى قوة منظمة وواعية قادرة على الدفاع عن نفسها ومجتمعها.

جيلان روج

شنكال ـ في الثالث من آب/أغسطس 2014، تعرّض الإيزيديين في شنكال لهجوم مروّع شنّه داعش، في واحدة من أبشع الإبادات الجماعية في القرن الحادي والعشرين، حيث تم قتلهم وسبي نسائهم وأطفالهم وحرق قراهم وسرقة ممتلكاتهم.

بموجب اتفاق بين قوات دولية ومحلية، هاجم داعش شنكال في الثالث من آب/أغسطس عام 2014، ما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص بوحشية معظمهم من النساء وخطف آلاف آخرين، كما تعرضت النساء للاغتصاب والبيع ولا يزال مصير آلاف النساء مجهولاً، وما تسبب في هذه المأساة الكبيرة هو الشائعات التي انتشرت عمداً بين الإيزيديين قبل حدوث الفرمان، فقبل أشهر من هجوم داعش قامت قوات من بينها البيشمركة وأنصارها بالاستيلاء على أسلحة الإيزيديين، ثم قالوا "لا تقلقوا داعش لن تهاجم، سنحميكم، وحتى لو جاء داعش، فلن يصمد إلا ليوم واحد"، بهذه الطريقة تُرك الإيزيديين دون حماية، وواجهوا الفرمان الأكبر في القرن الواحد والعشرين، من خلال انتشار هذه الشائعة، اتضح المخطط الذي دبرته القوى الدولية والإقليمية ضد الإيزيديين.

الأمر الأكثر إيلاماً في شنكال هو أنه إذا سألتَ أي شخص "أنت تعرف الفرمانات السابقة وهل تحدث عنها شيوخنا فسيجيب لا نعرف، ولم يتحدث عنها شيوخنا قط، باستثناء قلة من كبار السن لا أحد يعرف عن الفرمانات السابقة، أسمائها موجودة لكن لا يُعرف الكثير عن أسبابها ونتائجها، لهذا السبب حتى فرمان الثالث من آب/أغسطس، لم يتوقع أحد أن تكون عواقبه وخيمة إلى هذه الدرجة".

 

"فر البيشمركة من شنكال في الليلة التي سبقت الهجوم"

كانت سارا بركات من بين شهود الفرمان، وهي امرأة عاشت في تلعزير مع أسرتها في ذلك الوقت، مثل العديد من العائلات، لم تكن سارا قد سمعت من قبل عن الفرمانات السابقة، لذا عندما اقترب داعش لم يخطر ببالهم أنهم سيكونون هدفاً للهجوم وقالت "لم نكن نعلم ما هو الفرمان، ولم يحدث أن حدثنا الشيوخ عنه، لذلك لم نكن مدركين لما تعرض له مجتمعنا الإيزيدي في الماضي".

وأوضحت أنه عندما انتشرت أنباء عن فرمان جديد، لم يصدقها أحد لأنهم لم يسمعوا بذلك من قبل، حين هاجم داعش منطقة كرزرك، قيل لهم إن المرتزقة سيغادرون في المساء، وكان ذلك جزءاً من إشاعة مقصودة لمنع الناس من الهرب، البعض حاول المغادرة لكن مؤيدو البيشمركة منعوهم من الخروج، قبل الهجوم تم نزع الأسلحة من الإيزيديين ما جعلهم يشعرون وكأن هناك نية مبيتة للقضاء عليهم.

أشاعت الجهات المسيطرة معلومات مضللة بهدف طمأنة المجتمع ومنعهم من اتخاذ الاحتياطات اللازمة، قيل لهم إنهم سيعودون لمنازلهم مساءً، فصدق الجميع تلك الأقوال، مما دفع كثيرين للبقاء على أمل أن الحماية ستأتي، ومع حلول صباح اليوم التالي، اكتشفوا أن قوات البيشمركة قد انسحبت من شنكال، ولم يكن هناك من يدافع عنهم.

 

ذهبت إلى الجبال مع ابنتها البالغة من العمر شهراً واحداً

بعد هجوم داعش وسماع خبر اختطاف الفتيات والنساء، توجهت سارا بركات وعائلتها في البداية إلى قرية جيدال وبعدها إلى قرية قنديل حيث مكثوا هناك ثلاثة أيام، بعد ذلك توجهوا إلى قرية شبيل قاسم ومن هناك ساروا تسعة أيام إلى الجبال وصولاً إلى وادي كرس "كانت ابنتي تبلغ من العمر شهراً واحداً وعندما سمعنا أنهم يخطفون النساء غادرنا القرية على الفور، مكثنا في الجبال تسعة أيام مات الكثير من الناس عطشاً وجوعاً واضطر الكثيرون إلى ترك أطفالهم خلفهم".

 

"قُتل وخُطف جميع سكان قرية سيبا تقريباً"

ونقلاً عن شقيق زوجها قالت سارا بركات إن داعش اقترب من منطقتهم، ولكن نظراً لعدم معرفتهم بطبيعة المرتزقة الذين رافقوا التنظيم، فوجئوا بهجوم من قبل تلك المجموعات المسلحة، التي فتحت نيرانها على الأهالي بشكل وحشي، وذكر شقيق زوجها أن جميع عائلات قرية سيبا تم قتلهم، وأن كل من حاول الوصول إلى خزان المياه قُتل أيضاً".

وفي حديث جارتها التي تُسلّط قصتها الضوء على وحشية داعش لفتت إلى أنه  "كان لدينا جارة وقع أكثر من 20 شخصاً من عائلتها في قبضة داعش وقُتل الباقون، لم يبقَ أحد من تلك العائلة من بين من وقعوا في قبضتهم، لم يعد سوى اثنتين من زوجات أبناء تلك العائلة ولم ينجُ أحد من تلك العائلة، أنقذت هاتين الامرأتين من قبل عائلتيهما بعد دفع فدية مالية مقابل الإفراج عنهم، حتى والدة زوجي وقعت أسيرة في أيدي داعش، وقد أُطلق سراحها بعد أن قضت عاماً كاملاً في الأسر".

 

قصة فرمان

وعن السبب الذي دفعها لإطلاق اسم "فرمان" على ابنتها قالت "عندما حدث الفرمان كانت ابنتي تبلغ من العمر شهراً واحداً، لم نكن قد أسميناها بعد لأنه قبل الفرمان كانت هناك شائعات عن هجوم داعش وكان هناك قلق وخوف لذلك لم نُسمِّها، أثناء الفرمان وعلى طريق الممر الإنساني كان الطقس حاراً جداً، وكانت ابنتي تزرق من الحرارة، أخذت المرشدة التي كانت تأخذنا إلى روج آفا ابنتي مني وقالت أعطني فرمان، وهكذا سُمّيت ابنتي ذات الشهر الواحد فرمان".

بعد أربعة أشهر من إقامتهم في إقليم شمال وشرق سوريا عادت سارا بركات وعائلتها فوراً إلى موطنهم وديارهم عند فتح طريق شنكال، لكنهم لم يعودوا إلى قريتهم تلعزير بل استقروا في وادي كرس "بعد الفرمان لم أذهب أنا شخصياً إلى تلعزير، لأن أثار النهب والدمار والركام تقطع الأنفاس وتضيق بها الصدور، قبل الفرمان كانت قريتنا جميلة جداً وكان فيها الكثير من الناس، لكن بعد الفرمان نُهبت القرية ولم يبقَ أحد في الشوارع، الآن هناك عودة لكنها لن تعود كما كانت في السابق، لأن جميع المنازل دُمرت وهناك آثار مجازر في كل مكان، منذ يوم عودتنا وحتى الآن لم يزر زوجي منزلنا في تلعزير إلا مرة واحدة".

 

وضع المرأة الإيزيدية قبل الفرمان وبعده

قبل الفرمان لم تكن للنساء في المجتمع الإيزيدي أي حقوق، بل كنّ بلا إرادة أو تنظيم، حُرمان حتى من أبسط مقومات الحياة، ولذلك في الثالث من آب/أغسطس، كانت النساء الأكثر تأثراً بالفرمان، أما بعد الفرمان فكانت النساء هم أكثر من نظمن أنفسهن في جميع المجالات حتى لا يواجهوا الفرمان مرة أخرى.

فيما يتعلق بوضع النساء الإيزيديات قبل الفرمان وبعده أشارت إلى أنه "قبل الفرمان لم يكن للنساء الحق في الخروج من منازلهن، لم تكن تعلمن بوجود قرية أخرى عدا قريتهن، مُنعن من الحديث والخروج من المنزل كان عملهن الوحيد هو الأعمال المنزلية، إنجاب وتربية الأطفال، الخضوع وخدمة الرجال، كانت النساء سجينات في المنزل كان الرجال يشترون احتياجات المنزل، ولم تكن النساء تذهبن إلا مرة واحدة فقط في العام إلى متجر واحد مُخصص لشراء ملابسهن، لو كانت النساء قادرات على قيادة المركبات قبل الفرمان لنجا الكثيرات منهن لأنه خلال الفرمان تُركت العديد من المركبات واقفة في الشوارع لعدم وجود من يقودها، فذهب الجميع إلى الجبال سيراً على الأقدام".

وأكدت أنه لو كانت النساء قادرات على الدفاع عن أنفسهن واستخدام السلاح لما استطاع مرتزقان من داعش من أسر مئة امرأة ورجل واقتيادهم، لكن الآن تغير كل شيء، لم تعد شنكال كما كانت في السابق، ولم تعد النساء كما كنّ قبل الفرمان، الآن تتمتع النساء بالإرادة والتصميم والتنظيم، الآن تستطيع امرأة إدارة مجتمع، مشيرةً إلى أنهن أصبحن تتمتعن بالقوة والتنظيم، والأهم من ذلك أنهن تعرفن أعداءهن جيداً، وأنهن تؤمن بقواتهن وبقوة المرأة المتقدمة والمنظمة حتى النهاية.