'في السجون الإيرانية يمارس القتل بلا مشانق'

أكدت الناشطة والسجينة السابقة مرسدة قائدي أن النظام الإيراني يستخدم الإعدام والحرمان من الرعاية الطبية كأدوات انتقام ممنهجة ضد السجناء السياسيين، وأن المقاومة داخل السجون مستمرة، وأن مسؤولية فضح هذه الجرائم تقع على عاتق كل من يؤمن بالحرية.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، يُحيي العالم اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، حيث تنشط المنظمات الحقوقية والناشطون في الدعوة إلى إنهاء هذه العقوبة التي تُعد من أشد أشكال العقوبات اللاإنسانية، ومع ذلك لا تزال إيران تستخدم الإعدام كأداة قمع سياسي واجتماعي، بل وتُمعن في توسيع نطاقه.

على مدار أكثر من أربعة عقود، اعتمدت إيران على الإعدام، إلى جانب التعذيب وظروف السجون القاسية، كوسائل لترهيب المجتمع وإخماد أي صوت معارض، وفي الأسابيع الأخيرة وخصوصاً بعد الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل، ازدادت الأوضاع سوءاً داخل السجون، وارتفعت وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام بشكل ملحوظ.

وبحسب حملة "الثلاثاء لا للإعدام"، فقد تم تنفيذ 1695 حكماً بالإعدام خلال عام واحد فقط، من الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2024 حتى يوم الثلاثاء السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، كما بلغ عدد الإعدامات منذ بداية العام الحالي وحتى منتصفه 957 حالة، وأكدت الحملة أن هذه الأرقام تمثل فقط ما تم توثيقه، بينما يُرجّح أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

وأشارت الحملة إلى تقرير حديث صادر عن منظمة العفو الدولية، يفيد بأن 113 دولة حول العالم ألغت عقوبة الإعدام بالكامل من قوانينها حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر 2024، فيما أوقفت 145 دولة تنفيذ هذه العقوبة إما قانونياً أو فعلياً، ومع ذلك لا تزال إيران تسبح عكس التيار العالمي، حيث تتسع رقعة الإعدامات يوماً بعد يوم، وتخيم "سحابة الموت" على المجتمع الإيراني.

وفي هذا السياق، سلطت مرسدة قائدي، السجينة السياسية السابقة والناشطة في مجال العدالة، الضوء على معاناة السجناء والانتهاكات المستمرة بحقهم في ظل النظام الإيراني.

 

"سجن قرتشك ورامين مقبرة للسجناء"

في مستهل حديثها، أكدت مرسدة قائدي، أن السجون الإيرانية لطالما اتسمت بظروف قاسية وغير إنسانية، إلا أن الأوضاع ازدادت سوءاً بعد الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل، حيث تم نقل عدد من السجناء إلى سجن قرتشك ورامين، الذي وصفته بـ "مسلخ بشري".

وأوضحت أن هذا السجن يعاني من انهيار شامل في الخدمات الأساسية، سواء من الناحية الطبية أو التغذوية أو البيئية، مما يجعله بيئة قاتلة للسجناء، مضيفةً أن وفاة السجينة سميه رشیدي، التي اضطر النظام إلى الإعلان عنها، لم تكن حالة فردية بل سبقتها وفاة نحو ثلاثين سجيناً آخرين بسبب غياب الرعاية الطبية في سجن قرتشك ورامين، هذا الوضع المأساوي أثار احتجاجات حتى في قسم الرجال داخل السجن، في ظل استمرار فقدان الأرواح يوماً بعد يوم.

وشددت على أن الأرقام الرسمية التي تُنشر حول الوفيات والإعدامات لا تعكس الحقيقة، مؤكدةً أن النظام الإيراني يتعمد إخفاء الإحصاءات عند ارتكاب الجرائم "يُعدم البعض شنقاً، ويُترك آخرون ليموتوا نتيجة الإهمال الطبي والظروف المروعة داخل السجون"، لافتةً إلى أن سجن قرتشك ورامين وسجن لاكان في مدينة رشت يُعدّان من أبرز الأمثلة على هذه الانتهاكات المستمرة.

 

"الحرمان من الرعاية الطبية هو قتل عمد"

وسلّطت مرسدة قائدي، الضوء على الوضع المأساوي الذي تعاني منه زينب جلاليان، التي أمضت نحو 17 عاماً خلف القضبان دون أن تُمنح حق اللقاء المباشر بعائلتها أو الحصول على إجازة مؤقتة، وقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة تمكنت فيها من رؤية أفراد أسرتها.

وأوضحت بصفتها ممرضة وسجينة سابقة، أن العملية الجراحية التي خضعت لها زينب جلاليان كانت تستدعي البقاء في المستشفى لفترة مناسبة لضمان التعافي، مشيرةً إلى أن غياب الرعاية الطبية بعد الجراحة يُعد تهديداً مباشراً لصحتها، بل ويُستخدم كأداة تعذيب ممنهجة "تخيلوا حجم المضاعفات الصحية التي قد تواجهها نتيجة الإهمال الطبي، هذا ليس مجرد تقصير، بل شكل من أشكال التعذيب".

وأكدت على أن هذا النوع من المعاملة، إلى جانب الجلد، الحبس الانفرادي، وسائر أدوات القمع، يُستخدم بشكل خاص ضد زينب جلاليان، التي حُرمت حتى من الحد الأدنى من الحقوق التي انتزعها السجناء عبر نضالهم المستمر "الرعاية الطبية بعد العمليات الجراحية تُعد من المبادئ الأساسية في أي نظام إنساني، والحرمان منها ليس إلا انتقاماً من شجاعتها وموقفها المقاوم داخل السجن".

وشددت على أن زينب جلاليان وقفت بشجاعة، قاومت، ودافعت عن الحرية، وإن النظام الإيراني لا يتوانى عن الانتقام من جميع السجناء السياسيين، مستخدماً الحرمان من الرعاية الطبية كأحد أبرز أدواته في هذا الانتقام المنهجي.

ولفتت مرسدة قائدي إلى أن الحرمان من الرعاية الطبية في السجون الإيرانية يُعد شكلاً من أشكال القتل العمد الذي تمارسه الدولة دون الحاجة إلى حبل المشنقة "النظام الإيراني لطالما استخدم الحرب كأداة للقمع، حيث ربط مصير السجناء، حتى أولئك الذين أمضوا سنوات طويلة خلف القضبان، بالصراع مع إسرائيل، ما أدى إلى تصاعد غير مسبوق في وتيرة الإعدامات منذ اندلاع الحرب الأخيرة التي استمرت اثني عشر يوماً".

وأشارت إلى أن غياب الإحصاءات الدقيقة حول السجناء غير السياسيين يعكس حجم القمع الاجتماعي، إذ خلقت السلطات مناخاً يخشى فيه الأهالي الحديث عن أبنائهم المعتقلين "من يُعدم بتهم غير سياسية، خاصة في قضايا المخدرات، هم في الحقيقة ضحايا لهذا النظام، وقد نشأوا في ظل سياساته القمعية، وعدد الإعدامات منذ بداية العام الجاري بلغ 959 حالة، أي بمعدل إعدام واحد كل خمس ساعات، وهو رقم صادم يعكس حجم المأساة".

ورغم هذا الواقع القاتم، أكدت أن روح المقاومة داخل السجون لا تزال حيّة، وأن شرارة الاحتجاجات قد اشتعلت بالفعل، وأن "النظام الإيراني، كغيره من الأنظمة الفاشية يستخدم الإعدام في مرحلتين حاسمتين الأولى لتثبيت سلطته، والثانية في لحظة التهديد بالزوال، معتقداً أن حبل المشنقة قادر على إخماد الحركة الاحتجاجية، ولهذا السبب، تُنفذ الإعدامات بشكل يومي، في محاولة يائسة لكبح جماح المقاومة المتصاعدة داخل السجون وخارجها".

 

"انتقام مباشر من انتفاضة Jin Jiyan Azadî"

وأشارت مرسدة قائدي إلى الوضع الخطير الذي تواجهه شریفة محمدي، بخشان عزیزي، ووریشة مرداي، مؤكدةً أن أحكام الإعدام الصادرة بحقهن ليست سوى انتقام مباشر من انتفاضة Jin Jiyan Azadî""، وأنهن لم يرتكبن أي جرم سوى كونهن عاملات، ومدافعات عن حقوق المرأة والطفل، ومع ذلك حُكم عليهن بالإعدام.

وأكدت أن قضية هؤلاء السجينات تجاوزت الحدود الوطنية وأصبحت قضية عالمية، مشيرةً إلى منحهن الجنسية الفخرية من قبل إيطاليا، ما يعكس اعترافاً دولياً بمكانتهن ونضالهن "الأحرار في مختلف الدول الأوروبية يعرفون هؤلاء العزيزات ويعتبرونهن رموزاً في لحظة حرجة، وقد نجحنا في إيصال قضيتهن إلى العالم، لكن لا ينبغي أن نعتقد أن هذا كافٍ، فهن يواجهن خطراً حقيقياً".

وفيما يتعلق بكيفية دعم السجناء السياسيين ومناهضة عقوبة الإعدام، شددت مرسدة قائدي على أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق العائلات، التي يجب أن تُبلغ عن أوضاع أحبائها وتكسر حاجز الصمت، كما أن الوقوف إلى جانب هذه العائلات هو واجب جماعي، مشيدةً بحملة "الثلاثاء لا للإعدام" التي وصفتها بأنها حدث تاريخي في مسار النضال الحقوقي.

كما دعت إلى تكاتف جميع الأطراف، من نشطاء الحركات الاجتماعية إلى الكتّاب والفنانين ليكونوا صوت السجون، مؤكدةً أن "وجودنا كضحايا سابقين، ممن فقدوا أحبائهم، يمنحنا مسؤولية مضاعفة في الدفاع عمن تبقى خلف القضبان، لقد قتلوا أحبائنا، ولهذا يجب أن نكون صوتهم، وندافع عنهم بكل ما نملك".