أمن هشّ وخنقٌ ممنهج... مشروع بقاء يستند إلى الخوف والمراقبة في إيران

في حين تتحدث السلطات الإيرانية في وسائل الإعلام عن التصدي للتهديدات الخارجية، فإن الواقع في شوارع كرماشان مختلف تماماً، فهناك انتهاكات كثيرة تحدث منها التنصت على المكالمات، تفتيش الهواتف، الاعتقالات الصامتة، وتجنيد القاصرين.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ أظهرت الحرب بين إيران وإسرائيل، التي كانت واجهةً لتدابير أمنية ضعيفة للغاية من قِبل إيران في مواجهة هجمات القوات الأجنبية، أن تركيز النظام الأساسي فيما يخص الأمن الذي يدّعيه ينحصر فقط في قمع واعتقال المتظاهرين الداخليين، فرض الكبت على الشعب، وتنفيذ الاغتيالات المختلفة.

 

إجراءات استعراضية وغير فعالة بدلاً من الأمن الحقيقي

الإجراءات التي اتُّخذت في إيران منذ بداية النزاع بين البلدين، مثل تفتيش الشاحنات وصناديق السيارات للعثور على الطائرات المُسيّرة والدرون الصغيرة، لم تحقق نتائج ملحوظة، بل أدت إلى سلب الأمن والطمأنينة من المواطنين، وزادت من حدة التوتر بجانب الضغوطات الموجودة أصلاً.

في الواقع، سعت السلطات في إيران بكل ما تملك من أدوات إلى فرض أجواء أمنية مشددة من خلال زيادة الضغط على الناس، واتخذت من التصدي لاختراقات المخابرات الإسرائيلية ذريعة لتحقيق أهدافها الرقابية والسلطوية للسيطرة على السكان.

 

التنصت والمراقبة وتوسيع أدوات القمع الرقمي

قبل اندلاع هذه الاشتباكات، كانت السلطات الإيرانية تعتمد على كاميرات المراقبة المنتشرة في المدن، والتطبيقات المصرفية، ومراقبة الإنترنت، في متابعة المعارضين وحتى المواطنين العاديين بهدف رصد أصغر ردود أفعالهم.

لكنها لم تكن قادرة علناً على فرض هذه الرقابة بشكل موسّع، أما الآن، تحت ذريعة توفير بيئة آمنة، تمكنت من فتح طرق إضافية للتنصت ومراقبة أنشطة السكان، وفرض بيئة أكثر قمعاً باسم "الأمن".

 

تفتيش شامل؛ من الطرقات إلى هواتف المواطنين

الوجود المكثف للقوات الأمنية في المدن وعلى الطرق بين المحافظات بهدف مراقبة جميع التنقلات وتفتيشها بالكامل، أصبح وسيلة إضافية بيد السلطات الإيرانية لمراقبة حتى التحركات الاعتيادية، ولم تتردد في تفتيش السيارات، بل وحتى هواتف ومقتنيات الأشخاص الشخصية.

 

كرماشان مركز التركيز الأمني والمراقبة الشديدة

رغم أن هذا الجو الأمني المكثف فُرض في العديد من المدن، إلا أن الضغط في مدينة كرماشان كان أشد بسبب كثرة المراكز العسكرية هناك، وبحسب معلومات نشرتها مصادر محلية، فقد تم خلال الأسبوع الماضي تثبيت عدد كبير من الكاميرات الأمنية في الطرق الرئيسية والفرعية داخل المدينة، كما أُقيمت نقاط تفتيش متعددة في مداخل ومخارج مدن مثل إسلام ‌آباد الغرب، دالاهو، قصر شيرين، سرفل ذهاب وغيرها، بهدف السيطرة على حركة المرور.

 

جنود أطفال ودروع بشرية في حرب غير متكافئة

اللافت في هذه النقاط الأمنية هو أن غالبية المشاركين فيها هم شباب صغار السن، كانوا أعضاء في "باسيج الطلبة" خلال دراستهم، وتم تجنيدهم الآن قسراً أو بوعد تخفيض مدة الخدمة العسكرية، والقوات النظامية تراقب فقط دون تدخل مباشر في عملهم، ما يشير إلى أن الهدف ربما هو استخدام هؤلاء الشباب كدروع بشرية لحماية القوات النظامية في حال حدوث هجوم، كما حدث سابقاً خلال الاحتجاجات، حيث تم الاعتماد على "باسيج الطلبة" في قمع المتظاهرين.

 

اعتقالات جماعية

تشير التقارير إلى أن العديد من الأشخاص اعتُقلوا عبر هذه النقاط، وتم سحب سياراتهم إلى مواقف الحجز، إلا أن عدد المعتقلين الدقيق غير معروف، حيث نشرت فقط بعض وسائل الإعلام الحكومية مثل فارس، تابناك، وعصر إيران، تقارير تفيد باعتقال نحو ٧٠٠ شخص في محافظات كرماشان، لرستان، فارس، أصفهان وغيرها، بزعم القيام بأعمال مناهضة للأمن، اللافت أن الأرقام أُوردت مفصّلة حسب المحافظات، وكانت كرماشان في مقدمة هذه القوائم من حيث عدد الاعتقالات.

 

كرماشان تتصدر أعداد الاعتقالات وتحذير صامت

يبدو أن تركيز الحكومة على فرض أجواء أمنية مشددة في محافظة كرماشان يبرّر جزئياً تصدّرها لقائمة المعتقلين، فيما تشير التقديرات إلى أن العدد الحقيقي للموقوفين قد يتجاوز الأرقام المُعلنة، نظراً للجو الأمني الصارم الذي يخيّم على المنطقة.

 

تنصت شامل من الاتصالات الأسرية إلى المحادثات اليومية

إلى جانب تصاعد الضغط والرقابة خلال الأيام الماضية، تحاول السلطات فرض سيطرة على أدق تفاصيل حياة الناس، بما في ذلك المكالمات العادية، وقد صرّح وحيد مجيد، رئيس شرطة فتا، بأن حتى المكالمات الهاتفية المحلية واتصالات المواطنين بأقاربهم في الخارج تخضع للتنصت.

 

إجبار موظفي الدولة على حذف التطبيقات الأجنبية

من جهة أخرى، أفاد عدد من موظفي الدولة في كرماشان بأنهم تعرضوا لتهديدات من رؤسائهم لحذف جميع التطبيقات الأجنبية من هواتفهم، مع السماح باستخدام تطبيقات المراسلة المحلية فقط مثل "روبیکا" و"ايتا" و"بله". كما تم تحذيرهم من التواصل مع أقاربهم في الخارج حتى إشعار آخر.

 

الخنق البنيوي مشروع من أجل البقاء على شفا الانهيار

تأتي هذه الأجواء القمعية في وقت عاش فيه الشعب الإيراني لسنوات طويلة تحت ضغوط متواصلة من قبل النظام، والآن تحاول الحكومة، بذريعة مواجهة عدو خارجي، أن تستغل الفرصة لبدء مرحلة جديدة من القمع والاضطهاد، وزيادة الضغط على المواطنين، لكن المختلف هذه المرة هو أن الخوف من تزعزع أركان النظام دفعه إلى اعتماد أساليب أكثر عنفاً وقسوة، ونشر أجواء الخوف والرعب بدرجة غير مسبوقة، دون أن يتوانى عن أي وسيلة لضمان بقائه.

إلا أن هذا البقاء، الذي يقف على حافة الانهيار، لن يستطيع الاستمرار عبر تصعيد الخنق السياسي، فمزيد من القمع لن يحول دون السقوط المحتوم.