"العنف الجنسي في وقت الحرب" ندوة في لبنان تؤكد على أهمية تحقيق السلام المستدام

بمناسبة الذكرى الخمسين للحرب الأهلية اللبنانية، سلطت ندوة "العنف الجنسي في وقت الحرب" التي أقامها المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأمريكية الضوء على واحدة من أكثر الجرائم المسكوت عنها في النزاعات المسلحة وهي استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ بعد العفو العام إثر الحرب الأهلية اللبنانية، لم تتم مقاربة ملف العنف الجنسي، كونه قضية حساسة قد تثير النزاعات، على الرغم من آثارها المجحفة بحق عدد لا يستهان به من النساء، إلا أنه تم تجاهلها لفترة خمسة عقود، لحساسية القضية ولصعوبة الحصول على معلومات موثقة عن الضحايا، وما تعرضن له خلال الحرب من عنف جنسي تجاوز حدود الوصف

بمناسبة الذكرى الخمسين للحرب اللبنانية، أقام المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأمريكية، أمس الخميس الثالث من تموز/يوليو، ندوة تحت عنوان "العنف الجنسي في وقت الحرب"، ضمن معرض "احكيلي" في "بيت بيروت" بحضور ناشطين وناشطات وإعلاميين وإعلاميات من المجتمع المحلي.

وتم تسليط  الضوء خلال الندوة على ما ارتكبته الأطراف في الحرب اللبنانية، وعلى كيفية استخدام وتعنيف النساء جنسياً كسلاح حرب وكوسيلة لإخضاع وتركيع الأطراف الأخرى، وكذلك للإضاءة على المنحى القانوني والدولي في هذا الاتجاه، ومناقشة أحداث الحرب الأخيرة وتداعياتها على النساء من الجنسيات المختلفة، فضلاً عن الاستغلال الجنسي للنازحات السوريات منذ 2011 وفي الأحداث الأخيرة بعد سقوط نظام الأسد.

وعلى هامش الندوة أكدت مديرة البرامج والرئيسة المشاركة لمجموعة العمل الجندري في هيئة الأمم المتحدة للمرأة جمانة زبانة في تقديمها للندوة على حساسية تناول هذه القضية بعد خمسين عاماً، والتي لم تتم مقاربتها بصورة وافية وعلى رمزية عقدها في مبنى "بيت بيروت" وفي الذكرى الخمسين للحرب اللبنانية، كون المبنى مساحة للذاكرة، ولذا ساهمت هيئة الأمم المتحدة بإعادة فتحه ليحتضن العديد من النشاطات، وبإشراف فريق مكون بغالبية من النساء.

وعرفت المحامية ليال صقر من منظمة Seeds للاستشارات والمبادرات القانونية، في حديثها للعنف الجنسي واستخدامه كتكتيك حرب ووسيلة لتخويف وتهجير الناس وتركعيهم، ولتعريف العنف الجنسي وفقاً لمنظمة الصليب الأحمر في سياق النزاعات المسلحة (الحروب) والذي يشمل مجموعة واسعة من الأفعال ذات طابع جنسي يُفرض بالقوة، أو بالإكراه، مثل ذلك الإكراه، أو الاحتجاز، أو الضغط النفسي، أو إساءة استعمال السلطة الموجه ضد أي ضحية رجلاً كان، أو امرأة، أو صبياً، أو فتاة، والاستفادة من بيئة قسرية أو من عدم قدرة الضحية على إعطاء موافقة حقيقية يعد شكلاً من أشكال الإكراه، ويشمل الاغتصاب، العبودية الجنسية، الدعارة القسرية، الحمل القسري (كما حصل مع الإيزيديات من قبل داعش)، التعقيم القسري، الاتجار بالبشر لأغراض الاستغلال الجنسي، الختان أو التشويه الجنسي، الإذلال الجنسي، وغيره، فضلاً عن الإطار العام للقانون الإنساني الدولي والقائم حول الاتفاقيات الأربع في قانون جنيف 1949 واتفاقيات روما، والتي وفرت الحماية للأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو الذين كفوا عن المشاركة فيه أثناء النزاعات المسلحة.

كما عرضت قانون العفو العام 105 في لبنان، الذي منح عفواً عن بعض الجرائم المرتكبة خلال الحرب، مع استثناءات وشروط معينة، وبهدف تحقيق المصالحة الوطنية وتجاوز آثار النزاعات، مع الحفاظ على حقوق المتضررين من الجرائم، إلا أن النساء كانت أكثر المتضررات ولم يتم تحقيق العدالة لهن.

وفي هذا المجال قالت مديرة المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأميركية ميريام صفير إن "تضمنت الندوة الحديث عن العنف الجنسي خصوصاً ضد النساء أثناء الحرب، وليس خلال الحرب الأهلية فحسب، بل الحرب الأخيرة في لبنان، مع تسليط الضوء على الاتفاقيات الدولية وما تنص عليه حول النساء خلال الحروب، وما تتعرض له النساء اللاجئات والنازحات من بلد لبلد، كما تناولت النقاشات أيضاً النساء السوريات النازحات عبر الحدود".

ولفتت إلى أنه من الضروري الحديث عن العنف الجنسي ومنها ما حصل للنساء خلال الحرب الأهلية، والذي لم يسلط الضوء عليه، فضلاً عن الحرب الأخيرة وأثرها على النساء من منظور جندري وبالأخص العنف الجسدي والجنسي".

وبدورها قالت المحامية ليال صقر "تحدثنا اليوم عن الإطار القانوني لاتفاقيات جنيف وروما وقانون العفو العام في لبنان المعروف بالقانون 105 الذي تناول المختفيين قسراً وعلى أهمية المعرفة وحق المعرفة للوصول إلى الحقيقة، ووضع حد لمعاناة لأهالي المخفيين قسراً خلال الحرب الأهلية اللبنانية"، مؤكدةً أنه من الضروري أن يكون هناك سعياً وأن "نعطي لهذه الذكرى حقها بعد أن يعرف الأهل حقيقة ما حصل لأولادهم ومصائرهم لنختم هذه المرحلة وأن يكون لدينا عدالة للأهالي، فقد آن الأوان لهذه المأساة أن تنتهي بعد خمسين عاما، وأن تبنى هذه الدولة على أسس العدالة ومعرفة الحقيقة وعدم الإفلات من العقاب".

من جهتها، قالت المحامية غادة نيكولا من الحركة القانونية العالميةLaw Legal Action Worldwide LAW "تحدثنا اليوم عن تقرير "اغتصبونا بكل طريقة ممكنة" الذي تم تمويله من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع الحركة القانونية العالمية عن الجرائم الجنسانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، والجرائم التي تعرضت لها النساء والفتيات من اغتصاب وانتهاكات جنسية بين الأعوام 1975 وحتى 1990.

وأشارت إلى أن هذا التقرير سلط الضوء على معاناة النساء خلال الحرب الأهلية اللبنانية، واستخدامهن كأداة حرب وإذلال وللضغط على المجتمع، وأهميته تتمثل بتوثيق الاعتداءات وبذلك أصبح بين أيدينا دليلاً على هذه الاعتداءات الجنسية "كما نعرف فقد صدر قانون العفو العام بعد الحرب الأهلية، وبالتالي لم تحصل عدالة انتقالية، خصوصا أنه لم تؤخذ هذه الجرائم بعين الاعتبار، فلم يتم الاستماع لهؤلاء النساء، حتى توصلنا لمشروع هذا التقرير الذي وثقها".

وقد أعدت منظمة LAW فيديو وثائقي يختصر الدراسة ونتائجها، ومقاربة هيئة الأمم المتحدة للمرأة من دعم نفسي ومادي ومعنوي للضحايا وأكدت غادة نيكولا، أن هذه ليست دراسة فحسب بل صرخة النساء اللاتي تعرضن لهذه الانتهاكات، حيث شملت الدراسة 250 مقابلة موثقة وسرية من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، تعرضن لخمسة أنواع من العنف ومنها العنف الجنسي، الذي تمثل بالاغتصاب المتكرر والجماعي والتعذيب الجنسي والتحرش والتهديد والتبني غير الشرعي للأطفال الناتجين عن الاغتصاب وغيره من الحالات، والتي تمت في كافة المناطق اللبنانية ومن قبل جميع الأطراف المتنازعة.

أما مديرة البرامج والرئيسة المشاركة لمجموعة العمل الجندري جمانة زبانة أشارت في مداخلتها إلى أن هناك 22 مجموعة نسائية من كافة المناطق، تناولت ضمن القضايا المختلفة قضية العنف الجنسي بشكل عام وخلال الحرب الأهلية بشكل خاص "من المعروف أن كل أنثى تعرضت لنوع من التحرش الجنسي تقريباً، وبالمقابل فهناك انثى من ثلاث تعرضت لعنف جنسي، أن الصعوبة في الدراسة كان جمع المعلومات لجهة فتح جرح قديم وتوفير مساحة آمنة للنساء".

بدورها قالت منسقة الخدمة الاجتماعية في منظمة "كفى عنف واستغلال" سيلين الكك "تحدثت خلال مداخلتي عن جهود منظمة كفى خلال الحرب الأخيرة على لبنان، والنساء اللاتي تعرضن للعنف والتحديات التي واجهتها النساء خلال هذه الحرب مع بعض الإحصائيات المتعلقة بهذا الأمر، خصوصاً العنف الجنسي الذي ارتفع بشكل أكبر من أنواع العنف الأخرى، بنسبة 13 %، والتأثير النفسي على النساء والأطفال خلال هذه الفترة" مشيرةً إلى أن منظمة كفى تابعت جهودها خلال الحرب، ولكن الحديث عن العنف الجنسي يعتبر نوعا من الحديث الممنوع، "نعتقد أن النسبة أكبر من الذي تم احصاءه، لتخوف النساء من الوصمة من محيطهن ومجتمعاتهن".

وعرضت سيلين الكك خلال الندوة أحوال النازحين والنازحات السوريين والعاملات الأجنبيات في لبنان، وما تعرضن له في الحرب الأخيرة من تجاوزات، منها ترك العاملات المنزليات لمواجهة مصيرهن جنوبا، حيث تركهن أصحاب العمل في منازل معرضة للقصف الإسرائيلي جنوبا (لحراستها)، ونزوحهن إلى العاصمة بمفردهن إلى الشوارع، حيث لم تستقبلهم أي دار لجوء (مدارس وغيرها)، وتم استحداث ملاجئ مؤقتة من قبل أفراد من الجنسيات المختلفة لإيوائهن مع تعرضهن لأنواع مختلفة من الاستغلال خلال هذه الفترة.

كما تحدثت الصحفية سعدى علاو عبر الإنترنت عن تحقيقاتها حول العنف الجنسي المرافق للنزوح السوري عبر الحدود السورية اللبنانية، وقد قسمته إلى نوعين نزوح قديم بعد أحداث 2011، حيث عدد النساء والأطفال (دون 18 عاماً) يقارب 75 بالمئة من النازحين، ونزوح حديث بعد سقوط نظام الأسد وطابعه طائفي، مشيرة إلى أن الأعداد أقل ومعظم النازحين من الطائفة العلوية، كما وأن هناك نزوح مسيحي غير معلن ووقائي، مذكرة بتقرير نُشر مؤخراً في منصة رويترز حول 33 امرأة من الطائفة العلوية اختفين ولم يعرف مصيرهن حتى الآن.

وقالت سعدى علاو أن تقاريرها شملت اللاجئات إلى ألمانيا وتركيا ولبنان، وما تعرضت له النساء من تهديد واغتصاب وإجبار على القيام بخدمات جنسية لتعبرن الحدود سواء من قبل المهربين أو القوى الأمنية على الحدود، كما لفتت إلى أنواع العنف الجنسي الذي تمت ممارسته في لبنان بحق النازحات السوريات، موضحةً أن المهربين لجأوا إلى خدعة الفصل بين الرجال والنساء ليتم تهريبهن بصورة أسرع "قام البعض باستقدام زوجاتهن وأقاربهن لتعملن في الدعارة".

وفي نهاية الندوة أكدت المشاركات على ضرورة مقاربة هذه القضية بشمولية للوصول إلى نوع من العدالة الانتقالية لفض النزاعات وتحقيق السلام المستدام.