'المعتقلات الإيرانيات ضحايا الإهمال والتعذيب الممنهج داخل السجون'
شددت الناشطة الحقوقية شعله باكروان على تصاعد وتيرة القمع داخل إيران، خصوصاً بعد فشل النظام الإيراني في التعامل مع الأزمات كما في سجن قرتشك، الذي وصفته السجينات السياسيات بـ"الثقب الأسود" لظروفه اللاإنسانية وسوء المعاملة التي تتعرض لها المحتجزات.
شهلا محمدي
مركز الأخبار ـ كشف الأحداث الأخيرة التي شهدتها إيران النقاب عن واقع مأساوي تعيشه المعتقلات داخل السجون الإيرانية، في ظل انعدام التدابير الوقائية وغياب أيّ استعداد رسمي لمواجهة الأزمات، الأمر الذي أظهر عجز السلطات عن ضمان الحد الأدنى من الأمان والرعاية للسجناء.
في مؤتمر عُقد بمناسبة اليوم العالمي للمعتقلين السياسيين في 28 حزيران/يونيو الفائت بمدينة فرانكفورت الألمانية، كانت الناشطة في مجال حقوق الإنسان شعله باكروان والدة ريحانة جباري السجينة التي تم إعدامها من بين المتحدثين الرئيسيين في الحدث، وحول أهمية عقد مثل هذه المؤتمرات في ظل الظروف الحساسة الحالية، وتأثير الهجمات الأخيرة على السجون في إيران، خاصة سجن إيفين، كان لوكالتنا الحوار التالي مع الناشطة في مجال حقوق الإنسان شعله باكروان.
ما هو تقييمكم للمؤتمر الذي جمع عائلات المعتقلين السياسيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء في مجال العدالة، وهل كان بمثابة صوت للمعتقلين في إيران؟
عُقد هذا المؤتمر بمشاركة نحو ثلاثين متحدثاً، العديد منهم كانوا معتقلين سابقين شاركوا تجاربهم الشخصية مع الحضور، ركّز المؤتمر على التحذير من تصاعد وتيرة القمع في إيران واحتمال تكرار مشاهد الإعدامات التي شهدتها البلاد في ثمانينيات القرن الماضي، وأكد المشاركون أنّ المجتمع الدولي لم يعد بإمكانه تجاهل هذه التطورات، كما أن اللقاءات المباشرة مع النشطاء شكلت فرصة لتعزيز الروابط وبناء تعاون أقوى، وفي ظل الظروف الراهنة، شدد الحاضرون على ضرورة توحيد جهود المجموعات الصغيرة والنشطاء المستقلين في مواجهة نظام الجمهورية الإسلامية، والإعدامات، والتعذيب، من أجل خلق قوة أكبر وأكثر تأثيراً.
ما التغيّرات التي طرأت على أوضاع السجون بعد الهجوم على سجن إيفين والأحداث في سجن قزلآباد، وكيف تتابعون وتوثقون هذه التطورات؟
في سجن ديزلآباد، وعلى عكس ما تم تداوله، لم يكن هناك هجوم من قبل إسرائيل، بل إنّ السجناء احتجّوا على خلفية الظروف الأمنية الخطيرة الناتجة عن الحرب، وللمطالبة بلقاء عائلاتهم، لكن بدلاً من الاستجابة لمطالبهم، واجهتهم قوات مكافحة الشغب باستخدام الذخيرة الحية، ما أسفر عن وقوع قتلى في صفوف السجناء، أما في سجن إيفين كان مدير السجن على علم مسبق بالهجوم الصاروخي، لكنه لم يُطلق سراح السجناء ولم يُبلغ الجنود، وغادر المكان بنفسه، وأدى القصف إلى إصابة ومقتل بعض السجناء وإرباكهم، وترك أهاليهم في حالة من الحيرة والقلق لأيام.
إن هذه التطورات أظهرت فشل النظام الإيراني في إدارة الأزمة، حيث لم تُتخذ أي إجراءات احترازية مسبقة، ولم يتم حتى توفير ملاجئ بسيطة للمواطنين رغم الادعاءات المتكررة بامتلاك قوة إقليمية، هذا العجز برز بوضوح في التعامل مع أوضاع السجون، إذ لم تُطلق صافرات الإنذار ولم تُنشر أي بيانات رسمية لتنبيه السجناء أو أسرهم، وعقب الانفجار تم نقل عدد من السجناء بشكل عاجل ودون تنسيق أو إخطار مسبق إلى سجني فشافويه وقرتشك، وقد تم الكشف عن هذه التنقلات فقط بعد احتجاجات من قبل عائلات المعتقلين، ومن خلال رسائل وردت من داخل السجون أنفسها.
وفيما يتعلق بسجن قرتشك، فقد وُصفت أوضاعه من قِبل شهود ونشطاء بأنها قاسية للغاية وغير إنسانية، خصوصاً بعد نقل عدد من المعتقلات من سجون أخرى إليه، فبحسب الإفادات كان السجن في البداية لا يتعدى كونه مبنى بسيط من دون أي تجهيزات أو مرافق أساسية، إذ لم يكن هناك مظلات أو مقاعد أو حتى نوافذ للتهوية.
وتشير الشهادات إلى أنّ الظروف داخل السجن كانت صعبة مع توافر مياه مالحة وغير صالحة للشرب ونقص في عدد دورات المياه مع ارتفاع درجات الحرارة والبيئة المغلقة والخانقة التي ساهمت في تعقيد الوضع، وعلى الرغم من أنّ مظهر السجن قد يكون قد حُسِّن في بعض الجوانب، فإن الداخل لا يزال يوصف بأنه "ثقبٌ أسود" من حيث المعاناة والإهمال حيث لا ترى عائلات السجينات سوى القسم الذي يُسمح لهن بزيارته.
الوضع الذي نصفه هنا يصوّر مشهداً صادماً من التكدّس والإهمال المتعمد داخل سجن قرتشك، حيث أطلقت السجينات السياسيات على مكان احتجازهنّ وصف "الثقب الأسود" حيث تعيش هناك نحو ١٨٠٠ امرأة في ظروف قاسية للغاية في أسرّة من ثلاث طبقات وعلى الأرض حتى في الممرات، وهو ما ضاعف معاناتهن، أما القسم المخصّص للحجر الصحي والذي يُفترض أن يُستخدم لعزل مدمني المخدرات، يُقال إنه في وضع أسوأ بكثير يعاني من انعدام النظافة وانتشار الحشرات، مما يجعله غير صالح للسكن، ووفقاً لشهادات نُقلت إليه مؤخراً سجينات سياسيات وهذا يكشف أنهن في خطوة يُعتقد أنها تهدف لإيذائهن نفسياً وجسدياً.
ومع أن هناك احتمالاً بنقل المعتقلات إلى سجون أخرى كإيفين، يُطرح السؤال الجوهري، ماذا عن النساء الـ١٨٠٠ الأخريات؟ ألسنّ بشراً أيضاً؟ الكثيرات منهن فقراء ومشرّدات أليس لديهم الحق في حياة صحية حتى في السجن؟ المهم هو التفكير في كرامة الإنسان، فحتى لو أراد المجتمع معاقبة مجرم أو لص أو منحرف فلا ينبغي أن يصاحب هذا العقاب تعذيب، ولا أن يحوّل الحياة العادية إلى عذاب له، أن تكون مسجوناً يعني أن تقضي أربعاً وعشرين ساعة في تلك المساحة الضيقة المظلمة التي ليس بها نوافذ، مع آلاف الأشخاص الآخرين، لأننا نعلم أن عدد السجناء كبير جداً، هذه التساؤلات لا تُعبر عن آلم إنساني فقط، بل تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته في مواجهة المعايير المزدوجة والتمييز في الكرامة والمعاملة.
ما تقييمكم للظروف الصعبة التي تعيشها سجينات كُشفن عن معاناتهن كما في رسالة من گلرخ إيرايي ووریشه مرادي وريحانة أنصاري، خاصة من أُجبرن على العمل في أوضاع قاسية رغم تقدم العمر أو تدهور حالتهن الصحية؟ وكيف تقيّمون الوضع الصحي لبعض السجينات ووجود مسنّات في ظروف لا تليق بأعمارهن؟
تشير التقارير إلى أنّ مسألة الرعاية الصحية داخل السجون الإيرانية ما تزال تُشكل هاجساً كبيراً للمدافعين عن حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال تعاني راحلة راحمني بور البالغة من العمر ٧٥ عاماً والتي تعرّضت لسكتتين وتعاني من أمراض عديدة من غياب العلاج الملائم حتى في سجن إيفين الذي يُعدّ من أكثر السجون شهرة في البلاد، وقد وُصفت أقسام العناية الصحية في السجون بأنها شكلية أكثر من كونها فعّالة، إذ نادراً ما يتواجد أطباء، كما أنّ البنية التحتية الصحية غير ملائمة، وهو ما يجعل حتى الأمراض البسيطة تمتد لفترات طويلة وتتحوّل بسرعة إلى أوبئة داخل السجون.
وبموازاة ذلك، أطلق نشطاء حقوقيون حملات مثل "لا تدعو قلوبهم تتوقف عن النبض" للمطالبة بعلاج السجناء السياسيين، لكنّ الحاجة إلى جهود متابعة أوسع لا تزال قائمة، وتؤكد التقارير أنّ العديد من السجناء العاديين أيضاً يواجهون أوضاعاً جسدية ونفسية صعبة، من دون الحصول على أي رعاية طبية مناسبة.
تُظهر حالاتٌ مثل آرش صادقي، وعلي رضا رجائي، وبهنام محجوبي، التأخير والإهمال في العلاج، وقد ضاعت أرواح سجناء مثل أفشين أوسانلو، وهدى صابر، وبكتاش أبتين بسبب قلة الاهتمام، ويُعدّ الضغط على الأطباء وسوء إدارة قوات الأمن ظلماً واضحاً للسجناء، هذا الواقع يُحتّم على المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان التكاتف للمطالبة بالحد الأدنى من الحقوق، وخاصة في ما يخصّ العلاج والرعاية الصحية، فالمعاناة لا تقتصر على المعتقلين السياسيين بل تشمل آلاف السجناء العاديين.
ومن هنا تُعدّ المبادرات مثل حملة "جانا" التي أطلقتها جبهة ائتلاف إنقاذ إيران محورية في تعزيز الوعي لدى المواطنون، حتى داخل البلاد لإبداء تضامنهم بطرق آمنة، مثل إخفاء وجوههم أثناء التوثيق أو المشاركة، الرسالة هنا واضحة الكرامة الإنسانية لا تتجزأ وأيّ صوت يُرفع من أجلها هو خطوة نحو العدالة.