الرسم على الجدران تجسيد لمقاومة النساء الأفغانيات

في قلب ظلام كابول، حيث تُكمم الجدران أصوات النساء، قامت فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، بيدين مرتجفتين وقلب مليء بالشجاعة، برسم صورة للمقاومة على أحد جدران المدينة.

بهاران لهيب

كابول ـ في العصور القديمة، كانت أفغانستان ملتقى للحضارات الكبرى، وفي تلك الحقبة، تُعد الأعمال الفنية البوذية في باميان والرسوم الجدارية في كهوفها، التي تعود إلى القرون الخامس حتى التاسع الميلادي، من أبرز نماذج الفن الديني البوذي.

استخدمت الرسوم الجدارية في كهوف باميان ألواناً معدنية طبيعية، وامتازت بأسلوب هندي-يوناني، لكن بعد فتوحات الإسكندر المقدوني وسيطرة الكوشانيين، ظهرت ملامح من الفن اليوناني والشرقي في الرسومات.

ومع وصول الدين الإسلامي إلى أفغانستان في القرن السابع الميلادي، تراجعت الفنون التصويرية بسبب المعتقدات الدينية المتشددة، ومع ذلك، شهد فن المنمنمات والتصوير الفني تطوراً ملحوظاً في عصور الغزنويين، الغوريين، التيموريين، والصفويين، وقد أصبحت مدينة هرات في عهد التيموريين مركزاً مهماً لفن المنمنمات.

أما في العصر الحديث (القرنين التاسع عشر والعشرين)، ومع تولي الملك أمان الله خان الحكم وبدء عملية التحديث، انتعشت الفنون التشكيلية من جديد، وتم تأسيس مدارس فنية، من أبرزها مدرسة الفنون الجميلة في العاصمة الأفغانية كابول.

ومع اندلاع الحروب والغزو السوفييتي لأفغانستان (1978ـ1992)، اضطر الفنانون، كغيرهم من المواطنين الأفغان، إلى الهجرة لدول مختلفة، وفي الحروب الأهلية (1992ـ1996)، قامت الفصائل بنهب الآثار التاريخية، وما تبقى منها تم تدميره خلال حكم طالبان الأول (1996ـ2001).

لعبت النساء أيضاً دوراً مهماً في فن الرسم، لكن للأسف، بسبب النظام الذكوري السائد والأفكار الدينية المتطرفة، لم يُسجل اسم الكثير منهن في التاريخ، رغم كل العقبات، تمكنت عدد من الفنانات من العمل في مجال الرسم والفنون الأخرى وأصبحن معروفات.

من بين هؤلاء الفنانات، يمكن الإشارة إلى شهرزاد آريوبي، التي لا تتوفر معلومات دقيقة عن تاريخ ميلادها (يُرجح أنها من مواليد عقدي السبعينات أو الثمانينات الهجرية)، تعمل في مجال الرسم الحديث، وتنتج أعمالاً تجريدية وتصويرية، تتميز أعمالها بمزيج من التقاليد، الهوية النسائية، والحداثة.

بالإضافة لمنيجة شفيق، من مواليد عقدي السبعينات أو الثمانينات الهجرية، تركز في أعمالها على مواضيع مثل الألم، الصمت، ومقاومة النساء الأفغانيات.

وكذلك، ليلى أميري، من مواليد عقد التسعينات الهجرية، ترسم لوحات حديثة مستوحاة من الهجرة، الحرب، والتحديات التي تواجه النساء والأطفال الأفغان المهاجرين.

ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من الفنانات المجهولات اللواتي لعبن دوراً بارزاً في فن الرسم. ومع عودة طالبان إلى الحكم، توقفت معظم الأنشطة النسائية، وأصبح فن الرسم من بين القليل من الأنشطة التي تواصلها النساء والفتيات الأفغانيات بشكل سري.

خلال العشرين سنة الماضية، أصبح فن الرسم على الجدران من أشكال الفن الشائعة في أفغانستان، حيث حمل بعضها رسائل مهمة للناس، خاصة النساء، لكن مع عودة طالبان، تم محو معظم هذه الأعمال، ولم يتبقَ سوى شعارات تتعلق بلباس النساء.

وفي هذا السياق، وفي أحد أركان كابول، قامت صايمة رضا، فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، حُرمت من التعليم بعد تولي طالبان الحكم، برسم صورة على جدار إحدى المدارس، قالت "مع حكم طالبان، حُرمتُ من التعليم مثل ملايين الفتيات الأفغانيات"، مضيفةً "خرجت مجموعات نسائية للاحتجاج، ورغم تعرضهن للقمع، إلا أنهن واصلن النضال حتى اليوم، وأنا أيضاً، مستلهمةً من نضالهن، أردت أن أُسهم في إيصال صوت النساء الأفغانيات، فقمت برسم الصورة التي كانت في ذهني على جدار إحدى المدارس".

وتحدثت عن كيفية تنفيذ هذا العمل "كانت المدرسة تقع بالقرب من نقطة تفتيش تابعة لطالبان، وفي ليلة مظلمة، وبسرعة وبطريقة لا تلفت الانتباه، رسمت اللوحة، كنت أعلم أنني قد أُعتقل، لكن عندما سمعت وقرأت عن نضال النساء الأفغانيات ونساء من أنحاء أخرى من العالم، قلت لنفسي إنه يجب عليّ أيضاً أن أُساهم في ذلك، ولو بشكل بسيط".

وأضافت "استغرق عملي حوالي ساعتين، وقد جهزت جميع المواد مسبقاً في المنزل، كانت تلك الليلة ليلة شتوية، ولم يكن عناصر طالبان يخرجون من غرفهم، ولهذا تمكنت من إنهاء عملي دون أن أُقمع".

وأفادت "ما لاحظته هو أن لوحتي بقيت على الجدار لمدة سبعة أو ثمانية أشهر، أعتقد أن طالبان لم يفهموا معناها أو لم تتح لهم فرصة لإزالتها، لحسن الحظ، نجحت، وأنوي مواصلة هذا الطريق".