المرأة السورية وخارطة الطريق لحريتها في سوريا
لم تكن الحرب عادلة في ظلمها؛ فقد ألقي العبء الأكبر على أكتاف النساء، اللواتي فقدن الأحبة، وتحملن مسؤولية العائلة، وتنقلن من اللجوء إلى النزوح، ومن الخوف إلى الصمت، ثم من الصمت إلى المواجهة.

بقلم زينب خليف
ليست الحرية ترفاً تطالب به المرأة السورية، بل هي شرط أساسي لبناء وطن متعافٍ من جراحه، وطن لا يُقصي نصفه. على مدى أكثر من عقد من الزمن، تحولت المرأة السورية من ركن مستضعف في المجتمع إلى أيقونة مقاومة تواجه تحديات وجودية في وطن مزقته الحرب وأعاد تشكيل ذاته يومياً. لم تكن الحرب عادلة في ظلمها؛ فقد ألقي العبء الأكبر على أكتاف النساء، اللواتي فقدن الأحبة، وتحملن مسؤولية العائلة، وتنقلن من اللجوء إلى النزوح، ومن الخوف إلى الصمت، ثم من الصمت إلى المواجهة.
تُعتبر المرأة السورية رمزاً للصمود والتحدي، وحرية المرأة ليست مطلباً فردياً فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من حرية المجتمع السوري بأكمله، إنها خارطة الطريق نحو تحقيق دورها الحيوي في بناء سوريا المنشودة.
تقف المرأة السورية اليوم أمام لحظة حاسمة إما أن تكون شريكة حقيقية في رسم مستقبل سوريا، أو أن يُعاد إنتاج نظام ذكوري يعيد نفس العقلية التي أسهمت في تفجير الأزمة، تعيش المرأة واقعاً معقداً من العنف والتمييز، تعرضت فيه لانتهاكات جسيمة طوال سنوات النزاع، فقدت أرواحاً، وواجهت الاعتقال والتهجير، مما حدّ من مشاركتها الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية.
تمكين المرأة ضرورة أساسية لاستقرار سوريا، فبدون مشاركتها في صنع القرار، لن تتوفر حلول مستدامة للأزمات. لذلك، يجب أن تتضمن خارطة الطريق استراتيجيات لتعزيز حقوق المرأة في التعليم، والتوظيف، والمشاركة السياسية.
تلعب المنظمات النسائية دوراً حيوياً في دعم حقوق المرأة وتعزيز مكانتها عبر برامج التوعية والتدريب، ويجب أن تتعاون هذه المنظمات مع الجهات الحكومية والمجتمع المدني لتحقيق الأهداف المرجوة.
وتُعتبر التشريعات ضرورية لضمان حقوق المرأة وحمايتها، وعلى الحكومة تبني قوانين تحظر التمييز والعنف ضد النساء، وتكفل حقوقهن في العمل والتعليم والمشاركة السياسية.
التعليم هو أحد أهم أدوات تمكين المرأة. لذلك ينبغي توفير فرص تعليمية متساوية لجميع النساء والفتيات، مما يمكنهن من تطوير مهاراتهن والمساهمة في بناء مستقبل أفضل.
خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، أثبتت المرأة السورية قدرتها على تخطي الأدوار التقليدية والهامشية، ومطالبتها لم تعد تقتصر على الحقوق الاجتماعية، بل وصلت للمشاركة الكاملة والحقيقية في صناعة القرار على المستويات المحلية، الإقليمية، والدولية.
تتصدر مطالب النساء الحقوق السياسية المتساوية، وترفضن أي إقصاء من مواقع السلطة وصنع القرار. فالمرأة التي صمدت في وجه الحرب، تُصر على أن تكون شريكة في بناء السلام والمستقبل.
تشمل مطالبهن إصلاح القوانين المجحفة، خصوصاً في الأحوال الشخصية والميراث والحضانة، إلى جانب تمكين اقتصادي يوفر فرص عمل وأجوراً عادلة، ودعم المشاريع النسائية.
وفي التعليم، تطالب النساء بتوفير فرص متساوية، ودعم برامج مهنية وتقنية لضمان استقلاليتهن. وتأتي الحماية من العنف في مقدمة الأولويات مع ضرورة سن قوانين صارمة ضد العنف الأسري والتحرش.
تُصر النساء على المشاركة في صياغة الدستور، والعدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، مع التأكيد على حقهن في التنظيم والتعبير والاعتراف بدورهن التاريخي في المقاومة والعمل المدني والدبلوماسي.
المرأة أثبتت أنها قادرة على القيادة والمساهمة الفاعلة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية.
في خضم فوضى الحرب والانهيار المؤسساتي الذي عصف بسوريا، برز نموذج الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا كأحد أكثر التجارب السياسية والاجتماعية تقدماً فيما يخص تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين. لم تكن هذه التجربة مجرد رد فعل مؤقت للأزمات، بل مشروعاً فكرياً وسياسياً يستند إلى مبادئ العدالة الاجتماعية، والديمقراطية القاعدية، والتحرر الجندري.
ينص العقد الاجتماعي الذي يحكم هذه المناطق على مبدأ المناصفة بين الجنسين (50% في جميع الهيئات والمؤسسات)، سواء في المجالس المحلية، أو المؤسسات التنفيذية، أو الهيئات التشريعية، وهذا المبدأ لا يُعتبر مجرد حصة رمزية، بل تعبير عن إيمان عميق بأن المرأة ليست تابعة، بل شريكة كاملة في صنع القرار والسياسات، ومنها نظام الرئاسة المشتركة حيث تُدار كل مؤسسة من قبل رجل وامرأة معاً، مما يرسّخ التوازن الجندري ويمنع التفرّد بالسلطة. كما تلعب مؤسسات نسائية مستقلة مثل "مؤتمر ستار" و"مجلس المرأة" دوراً فاعلاً في مراقبة قضايا النساء واقتراح سياسات مستقلة. حتى في مجالات الدفاع والأمن، تبرز وحدات حماية المرأة (YPJ) لتكسر الصورة النمطية المرتبطة بالأدوار التقليدية.
ولا يُعتبر هذا النموذج خاصاً بمنطقة جغرافية محددة، بل يقدم نفسه كإطار وطني تقدمي، يُمكن تعميمه على كامل سوريا. إنه نموذج عملي لإشراك المرأة في كل مفاصل الدولة، ويثبت أنه حتى في سياق النزاعات، يمكن بناء نظام سياسي عادل يُحقق المساواة الحقيقية.
في سياق التغيير الجذري المطلوب لبناء سوريا جديدة، تُطرح الرئاسة المشتركة كواحدة من أبرز أشكال إعادة هيكلة السلطة على أسس العدالة الجندرية. هذا النموذج لا يعني مجرد إدارة مزدوجة بين رجل وامرأة، ولا يُختزل في معادلة حسابية تضمن التوازن العددي بين الجنسين، بل هو إعادة تعريف جوهر العلاقة بين المرأة والرجل داخل البنية السياسية. تقوم الرئاسة المشتركة على التكامل لا التنافس، على الإرادة الحرة لا على التمثيل القسري، وهي محاولة لكسر احتكار الذكورة لمواقع القرار.
وفي ظل احتمال وجود حكومة انتقالية في سوريا، تكتسب هذه الفكرة أهمية مضاعفة، خاصة إذا ما طُرحت المرأة كشريكة فعلية في رئاسة هذه الحكومة، إلى جانب الرجل، وبشكل متساوٍ في المسؤوليات والسلطات. إن طرح فكرة امرأة في موقع الرئاسة المشتركة في سياق سياسي متشدد، هو موقف سياسي شجاع يرفض إعادة إنتاج الهيمنة الذكورية، ويضع حجر الأساس لنظام سياسي أكثر عدالة وشمولية.
الرئاسة المشتركة ليست ترفاً سياسياً، بل ضرورة لتحقيق استقرار حقيقي، حيث تُشارك النساء لا فقط في صناعة القرار، بل في قيادة البلاد نحو مصالحة وطنية حقيقية، وسلام لا يُقصي نصف المجتمع.
المرأة السورية اليوم تطالب بحقوقها الكاملة، لا فضلاً من أحد، وتطرح سؤالاً واضحاً: كيف يمكن بناء سوريا جديدة دون شراكتها الحقيقية؟ إن استمرار تغييب المرأة سيعني ببساطة إعادة إنتاج نظام ذكوري مشابه لما أسهم في تفجير الأزمة.
تمكين المرأة هو حجر الزاوية لبناء وطن يعكس العدالة والمساواة والسلام، حيث تلعب النساء دوراً أساسياً في تحقيق الاستقرار وصياغة مستقبل البلاد. سوريا الجديدة لا تُبنى إلا بشراكة متساوية بين جميع أبنائها، رجالاً ونساءً، يشاركون بحرياتهم وحقوقهم كاملة في صناعة الغد.