المرأة العاملة بين مكتسبات القانون وتحديات الواقع... محور ندوة في الجزائر
ختمت كل من جمعية حورية للمرأة الجزائرية ومكتب قسنطينة الندوة الحقوقية التي نظمتها بجملة من التوصيات من شأنها تعزيز الرقابة العملية لضمان احترام مبدأ المساواة ومنع التمييز داخل المؤسسات.

رابعة خريص
الجزائر ـ أكدت مشاركات في الندوة الحقوقية حول وضع المرأة العاملة في الجزائر، أنه على الرغم من أن هناك قانون يحمي المرأة، إلا أنها لا تزال تواجه العديد من التحديات خاصة تلك التي تتعلق بالمساواة في التوظيف والترقية.
تضمنت ندوة "المرأة العاملة بين مكتسبات القانون وتحديات الواقع" التي نظمت في الجزائر، مداخلات من أساتذة بكلية الحقوق إذ تمت مناقشة الإطار القانوني لحقوق المرأة العاملة مع التحديات الواقعية في بيئة عمل المرأة، كما تم تسليط الضوء على الآليات التي تمكن من تحقيق بيئة دامجة ومنصفة وفي هذا السياق تم فتح قوس للحديث عن دور النقابات والمجتمع المدني.
"المرأة العاملة العظيمة في بناء المجتمع"
وبدأت الندوة بكلمة ألقتها الناشطة ورئيسة المكتب الولائي لجمعية حورية للمرأة الجزائرية الدكتورة سلاف دهان والتي قدمت مداخلة حول الهدف من الندوة، وقالت إن هذا المُلتقى يساعد على تكييف قوانين العمل مع التغييرات الجديدة مثل الرقمنة وتحديات الأمومة في عالم العمل.
وترى سلاف دهان أنه على الرغم من المكتسبات العديدة التي حققتها المرأة في قانون العمل الأخير، إلا أنه لا يكاد يخلو من ثغرات تحتاج إلى التكييف مع التحولات الجديدة مثل العمل هو بعد وهو عمل غير نمطي، مشيرةً إلى أن هذه الصيغ الجديدة لا تزال غير مؤطرة بشكل كافي "هناك معوقات تقف كعائق أمام تمكين المرأة ووصولها إلى المناصب القيادية، ومن التحديات الأخرى التي تسلط الضوء عليها صعوبة تحقيق التوازن بين متطلبات العمل ومسؤوليات الأسرة".
وبدورها سلطت الدكتورة والأستاذة في كلية الحقوق بالقسنطينة بسمة بلجودي، الضوء على الحماية القانونية لحقوق المرأة العاملة في الجزائر بين النص والتطبيق، والدراسة في قانون العمل والوظيفة العامة والضمان الاجتماعي، معتبرةً أن الاحتفال بعيد العمال لا يكتمل إلا بتسليط الضوء على واقع المرأة العاملة التي لم تعد مجرد عنصر مكمل، بل شريك أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
التحديات التي تواجهها النساء لتحقيق المساواة
واستعرضت بعض التحديات التي تواجهها المرأة في مجال العمل، ورُغم أنها أثنت على مبدأ المُساواة الذي نص عليه الدُستور الجزائري في مادته 37 (دستور 2020) حيث جاء فيه "تضمن الدولة المساواة أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو الرأي أو أي شرط آخر "غير أن التطبيق العملي لهذا المبدأ لا يخلو من صعوبات لا سيما في القطاع الخاص حيث لا تزال المرأة تواجه عراقيل تتعلق بالمساواة في التوظيف والترقية".
والملفت للانتباه حسب بسمة بلجودي أن "بعض الدراسات التطبيقية سجلت وجود عوائق غير مباشرة تحول دون استفادة المرأة من فرص متساوية للترقية واستدلت بالعقلية الاجتماعية وبعض أنماط الإدارة التقليدية رغم أن نص المادة 68 من الدستور الجزائري نصت على أن "تعمل الدولة على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق العمل وتشجع الدولة على ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات".
ومن النقاط الأخرى التي أثارتها بسمة بلجودي "منع التسريح التعسفي للمرأة بسبب الحمل أو الزواج فعلى الُرغم من أن قانون العمل كان صريحاً بخصوص هذه النقطة ونص على أنه لا يُمكن أن يكون الحمل أو الوضع أو الزواج سبباً مباشراً لفصل المرأة العاملة مما يشكل ضمانة أساسية لاستقرارها المهني والنفسي، إلا أن الإشكالية تبقى مطروحة في إثبات الطابع التعسفي للفصل وهو ما يتطلب تفعيل دور مفتشات العمل والقضاء الإداري بشكل أكبر لضمان التطبيق الفعلي للنصوص".
وترى أن تحقيق حماية فعالة وشاملة للمرأة العاملة في الجزائر لا يتوقف عند حدود النصوص القانونية بل تتطلب تفعيل هذه القوانين على أرض الواقع ضمن رؤية شاملة للتنمية المستدامة والمساواة بين الجنسين بما يعزز مكانة المرأة كمواطنة فاعلة وشريكة أساسية في بناء المجتمع الجزائري.
"التفاوت بين النص والتطبيق...اكبر التحديات التي تواجهها النساء"
وفي السياق ذاته قالت الدُكتورة شهرزاد بن مسعود، في ردها على السؤال، ما مدى نجاعة الإطار التشريعي المُنظم لعمل المرأة في تحقيق المساواة المهنية في ظل التحديات التي تُعيق التطبيق الفعلي للنصوص القانونية داخل بيئة العمل؟ إن "التحد المطروح اليوم يكمن في ضمان تطبيق هذه القوانين بشكل فعال على أرض الواقع، كما أن الموروثات الاجتماعية والذهنية الذكورية وضعف التمكين الاقتصادي كُلها عوامل تزيد من هشاشتها وتجعل العنف الاقتصادي ظاهرة يصعب التصدي لها فقط عبر النصوص القانونية ما يستدعي تدخلاً متعدد الأبعاد يشمل القانون والمجتمع والسياسات الاقتصادية.
ولفتت إلى أن التفاوت بين النص والتطبيق يعتبر أحد التحديات الكبرى التي تواجه المرأة في سوق العمل، فالنصوص القانونية التي تضمن حقوقها على الورق قد تصطدم في بعض الأحيان بالواقع العملي نتيجة لعدد من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تُؤثر على بيئة العمل.
مناشدات تطالب بتوفير بيئة مستقلة وآمنة تحمي حقوق النساء
وأوضحت أن المرأة عنصر أساسي في بناء المُجتمع، باعتبارها الركيزة التي تعتمد عليها الأسرة والمكون الحيوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكن للأسف تبقى هذه عرضة لأشكال متعددة من العنف منها العنف الجسدي والنفسي والجنسي إلى جانب العنف الاقتصادي الذي يعد من أخطر هذه الأشكال نظراً لتأثيراته المباشرة على استقلال المرأة وكرامتها".
وطالبت شهرزاد بن مسعود بفرض إلزامية توفير بيئة عمل خالية من العنف مع مراقبة المؤسسات للتأكد من امتثالها للمعايير القانونية المتعلقة بحماية المرأة مع تفعيل مبدأ المساواة في فرص التوظيف والترقية وتوفير تدابير خاصة للمرأة لضمان تمكينها من الوصول إلى المناصب العُليا وتقليل التمييز في هذا الصدد.
وشددت بن مسعود شهرزاد على ضرورة تحيين المنظومة التشريعية المتعلقة بحماية المرأة في بيئة العمل، فالأمر يتطلب تحديثاً مستمراً للقوانين وتطوير آليات فعالة لضمان تطبيق هذه القوانين وحماية حقوق النساء من جميع اشكال العنف والتمييز خاصةً في ظل الثورة الرقمية الهائلة التي وصلت لحد استعمال الآليات التكنولوجية للمساس بالمرأة في العمل كالتنمر الإلكتروني.
واختتمت الندوة الحقوقية التي نُظمتها جمعية حورية للمرأة الجزائرية ومكتب قسنطينة تحت عنوان "المرأة العاملة بين مكتسبات القانون وتحديات الواقع" بالخروج بجملة من التوصيات من شأنها تعزيز الرقابة العملية لضمان احترام مبدأ المساواة ومنع التمييز داخل المؤسسات وتحسيس أرباب العمل والإدارات بأهمية التوازن بين الحياة المهنية والأسرية وتوفير ترتيبات عمل مرنة للنساء.