الأطفال في مواجهة العنف الجنسي... واقع مؤلم وحاجة ملحّة للحماية
يهدف اليوم العالمي لمنع الاستغلال الجنسي والعنف ضد الأطفال إلى تعزيز الوعي وحماية الأطفال من الانتهاكات المتزايدة في ظل الأزمات العالمية. تتطلب الوقاية بيئة آمنة، وتربية قائمة على الحوار والثقة، ومشاركة مجتمعية فعّالة لضمان طفولة سليمة.
لافا كورده
مركز الأخبار ـ يُصادف يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم العالمي لمنع الاستغلال الجنسي والإيذاء والعنف ضد الأطفال، وهي مناسبة أقرّتها الأمم المتحدة بهدف تعزيز الوعي العالمي بهذه القضية الحساسة. يركّز هذا اليوم على أهمية التوعية المجتمعية وتجديد الالتزام الدولي بإنهاء كافة أشكال الإساءة الجنسية ضد الأطفال، إلى جانب دعم جهود التعافي وإعادة التأهيل للأطفال المتضررين.
على الصعيد العالمي، يتعرض ملايين الأطفال والشباب لانتهاكات جنسية وسلوكيات تحرش مؤذية، ما يجعلهم ضحايا لصور متعددة من الاستغلال والعنف. هذه الظاهرة لا تقتصر على دولة أو ثقافة بعينها، بل تمس جميع المجتمعات دون استثناء، مما يستدعي تحركاً جماعياً من الحكومات والمؤسسات والأفراد لمواجهتها. إن التصدي لهذه الانتهاكات يتطلب تعزيز الوعي، وتوفير بيئة آمنة تحمي حقوق الأطفال، وتضمن لهم حياة كريمة خالية من الخوف والاستغلال.
آثار نفسية وجسدية تمتد مدى الحياة
يواجه الأطفال، ولا سيما الفتيات، مخاطر متزايدة تتمثل في التعرض للتحرش الجنسي، والانتهاكات، والعنف، سواء في الواقع أو عبر الإنترنت. وتشتد هذه التهديدات في أوقات النزاعات المسلحة، حيث تُستهدف النساء بشكل ممنهج بالاعتداءات الجنسية وتُستخدم أجسادهن كسلاح في الحروب، ولا تسلم الفتيات من هذا المصير، إذ يُستهدفن بدورهن ويُعرضن لمخاطر جسيمة. إن هذا الواقع المؤلم يعكس هشاشة أوضاع الأطفال في مثل هذه السياقات، ويستدعي استجابة عاجلة وشاملة لحمايتهم وضمان حقوقهم في بيئة آمنة وخالية من العنف والاستغلال.
في ظل الأزمات العالمية المتشابكة، من تداعيات جائحة كورونا، والنزاعات المسلحة، وتغير المناخ، إلى الكوارث الطبيعية، تتفاقم الأوضاع التي تجعل الأطفال أكثر عرضة للتحرش والانتهاكات والعنف. ويُعزى ذلك إلى غياب السياسات الفعّالة التي تعالج جذور هذه الأزمات، مثل تفاقم الفقر، تصاعد التفاوت الاجتماعي، وانهيار النُظم القائمة على العدالة والمساواة.
الأطفال الذين يقعون ضحايا لهذه الجرائم، أو أولئك الذين نجوا منها، قد يواجهون آثاراً نفسية وجسدية وجنسية طويلة الأمد، تؤثر سلباً على نموهم وصحتهم. وفي بعض الحالات، قد تصل هذه الانتهاكات إلى مستوى التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لحمايتهم وضمان حقوقهم في بيئة آمنة ومستقرة.
العديد من الضحايا والناجين من الاعتداءات الجنسية لا يفصحون عمّا تعرضوا له، ولا يسعون إلى العدالة أو العلاج أو الدعم، نتيجة لمشاعر الخجل والخوف من الوصمة الاجتماعية. بالنسبة لكثير منهم، تترك هذه التجارب المؤلمة آثاراً عميقة تمتد إلى صحتهم الجسدية والنفسية والجنسية، وقد تؤثر سلباً على مجرى حياتهم بأكملها. إن الصمت المفروض على الضحايا لا يزيد من معاناتهم فحسب، بل يُعيق أيضاً جهود الحماية والمساءلة، مما يستدعي كسر حاجز الصمت وتوفير بيئة آمنة وداعمة تُشجع على البوح وطلب المساعدة.
الأسرة خط الدفاع الأول... كيف نحمي أطفالنا؟
يُعدّ الاعتداء الجنسي على الأطفال من القضايا الخطيرة والمنتشرة، وغالباً ما يكون المعتدي شخصاً مقرّباً أو معروفاً داخل الأسرة. وعلى الرغم من أن جميع الأطفال معرضون لهذا الخطر، فإن الأطفال الذين يعيشون في بيئات أسرية مضطربة أو يفتقرون إلى علاقة آمنة ومتينة مع ذويهم يكونون أكثر عرضة لهذه الانتهاكات، خاصة عندما لا يجدون من يثقون به للحديث عن مشاعرهم وتجاربهم.
الأطفال في مختلف الأعمار قد يواجهون هذا النوع من الاعتداء، وتكون آثاره النفسية والجسدية بالغة الخطورة، إذ تؤثر على نموهم وسلامتهم وتترك ندوباً عميقة قد تمتد طوال حياتهم. إن حماية الأطفال من هذه الانتهاكات تتطلب بيئة داعمة، وتوعية مجتمعية، واستجابة فعّالة تضع مصلحتهم وسلامتهم في المقام الأول.
تخصيص وقت للطفل ومشاركته الحديث حول مواضيع متنوعة، ذلك يعزز شعوره بالأمان والثقة. عندما يشعر الطفل بأنه يستطيع الحديث بحرية في أي موقف، يصبح أكثر قدرة على التعبير عن نفسه، واتخاذ قرارات تحميه من المخاطر. الدعم يمنحه الثقة بالنفس ويُساعده على بناء قدرة ذاتية لحماية نفسه ومواجهة التحديات بثبات.
من المهم أن يبدأ الطفل منذ سنواته الأولى بتعلّم أسماء الأعضاء الجسدية بطريقة صحيحة، ويفضّل استخدام المصطلحات العلمية عند الحديث عنها، بما في ذلك الأعضاء الخاصة، لتجنب الشعور بالخجل أو الحرج لاحقاً. وفي مرحلة عمرية مناسبة، يجب التحدث معه عن وظائف هذه الأعضاء بأسلوب مبسّط، مما يُساعده على فهم جسده بشكل طبيعي ويُشجعه على التعبير عن نفسه بثقة.
قبل بلوغه سن الثالثة، ينبغي توعيته بأن هناك أجزاء من جسده لا يجوز لأحد لمسها أو النظر إليها، مع تكرار هذه الرسائل بشكل مستمر لترسيخها في ذهنه. هذا يُعزز شعوره بالأمان ويُشجعه على التحدث إليك في حال تعرض لأي موقف غير مريح. كما يجب أن يتعلم كيفية التعرف على السلوكيات غير اللائقة التي قد تصدر من أطفال أو بالغين، ليتمكن من حماية نفسه والتصرف بحكمة.
كما يجب تعلّيمه أن جسده ملكٌ له وحده، ويجب أن يحترمه ويحافظ عليه، ولا أحد يملك الحق في لمسه أو إيذائه دون رغبته، وأن من حقه أن يرفض أي تصرف يُشعره بعدم الارتياح، ومع تقدمه في العمر، يجب تعلّيمه أهمية العناية باحتياجاته الشخصية مثل النظافة، وتغيير الملابس، واستخدام الحمام بشكل مستقل.
وفي سن مبكرة، يجب تعلّيمه أن لا أسرار يجب أن تُخفى بين الأطفال وأسرهم، فكل ما يمرّ به يمكن مشاركته مع الوالدين، وإنشاء بيئة منزلية صحية تُتيح الحديث المفتوح حول بعض المواضيع الحساسة، بما في ذلك الجوانب الجنسية، بطريقة مناسبة لعمر الطفل، مما يُعزز وعيه ويحميه من السلوكيات الخاطئة.
يحب مراقبة الطفل والمشاركة في أنشطته اليومية، والتعرّف جيداً على الأشخاص المحيطين به، وعدم السماح له بالبقاء في أماكن لا تعرفها أو لا تثق بها، مع الحذر عند اختيار من يعتني بطفلك، وتأكد من أنه شخص موثوق، لأن الطفل سيقضي وقتاً طويلاً معه، مع الانتباه لأي شخص يقترب من طفلك بطريقة غير مريحة أو يطلب الخروج معه بمفرده، وعلّم طفلك كيف يميّز هذه التصرفات غير المقبولة، إلى جانب مراقبة أي تغييرات جسدية أو نفسية تطرأ على طفلك، حتى وإن بدت بسيطة، واعتبرها مؤشرات تستحق الاهتمام والنقاش معه بلطف واهتمام.
جميع الأطفال يستحقون أن ينشؤوا في بيئة آمنة تُشعرهم بالحماية والطمأنينة. ومن واجب الآباء والأمهات أن يكونوا يقظين تجاه حماية أطفالهم من أي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي. من حق الطفل أن يعيش طفولته بسلام وكرامة، بعيداً عن الخوف أو الأذى. ولهذا، يجب أن تُبذل كل الجهود الممكنة لضمان سلامته، من خلال التوعية، والمراقبة، وتوفير بيئة داعمة تُعزز ثقته بنفسه وتُشجعه على التعبير عن مشاعره دون خوف أو خجل، فحماية الأطفال ليست خياراً، بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية يجب أن يتحملها الجميع.