ناشطة حقوقية: المرأة تستلهم من الدراما طريقها نحو الكرامة والعدالة
تلعب الدراما التلفزيونية دوراً محورياً في توعية النساء بحقوقهن وتشجيعهن على مقاومة العنف، من خلال تجسيد قصص واقعية توجه رسائل قانونية واجتماعية مؤثرة، وتُعد وسيلة فعالة لكسر الصمت وبناء وعي نسائي، خاصة في المناطق الريفية.

إخلاص حمروني
تونس ـ لطالما اعتُبرت الدراما التلفزيونية وسيلةً ترفيهية، تسعى إلى جذب المشاهد عبر الحبكة والتشويق، لكن هذا الدور لم يعد مقتصراً على التسلية فقط، بل تطور ليصبح وسيلة فعالة في التوعية الاجتماعية، ونقل الرسائل الحقوقية والإنسانية، ولعل من أبرز هذه الرسائل تلك المتعلقة بقضايا المرأة، وعلى رأسها العنف المسلط عليها بمختلف أشكاله.
أكدت جميلة يحياوي، الناشطة في المجتمع المدني والمدافعة عن حقوق المرأة، أن التلفزيون أصبح نافذة للتغيير وبوابة نحو التحرر بالنسبة للعديد من النساء، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة تلعب الدراما التونسية والعربية دوراً محورياً في توعية النساء بحقوقهن، وتحفيزهن على مقاومة العنف والخروج من دائرة الصمت.
وقالت إن "الدراما التلفزيونية، شأنها شأن مواقع التواصل الافتراضي، لها سلبيات كما لها إيجابيات"، موضحة أن الإعلام الدرامي التونسي يلعب دوراً مهماً في التأثير على وعي المجتمع، وخاصة النساء، فالمرأة أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر فئة مستهلكة للدراما التونسية، وهو ما يمنح هذه الأعمال تأثيراً مباشراً في توعيتها وتحفيزها على مقاومة مختلف أشكال العنف المسلط عليها.
وأشارت إلى أن الأمر لا يقتصر فقط على الدراما التونسية، بل يشمل الدراما العربية ككل، لأن المرأة عندما تشاهد مسلسلاً تونسياً يتناول قضايا العنف ويدافع عن المرأة، فإنها ترى في البطلة صورةً منها، وتجعل من تجربتها نموذجاً تسير على خطاه، فتتعلم من خلاله كيف تتصرف عندما تتعرض للعنف، وكيف تلجأ إلى القانون وتتمسك بحقوقها، لافتةً إلى أن الممثلة التي تُجسد دور امرأة معنّفة وتنتهي باسترجاع كرامتها تصبح قدوة لامرأة أخرى خلف الشاشة، تستلهم منها الشجاعة وتسعى بدورها إلى التحرر من الخوف ومن الصمت.
وأكدت أن المرأة اليوم، من خلال ما يُعرض من دراما، تحاول بكل الطرق أن تتقمص الأدوار التي تراها قريبة من وضعها وتتبع خطواتها لاسيما المرأة المعنفة التي تبحث عن أي أمل يمنحها القوة وتجد في هذه الأعمال متنفساً ونقطة انطلاق لتغيير واقعها، مشددة على أن للدراما دوراً واضحاً في كسر حاجز الخوف، لأنها تُظهر للمرأة السُبل القانونية التي تحميها، وتوجه رسائل، سواء كانت مباشرة أو ضمنية، مفادها أن للمرأة قوة داخلية تستطيع أن تخرجها متى شاءت وأن القانون بجانبها لا ضدها.
وأوضحت جميلة يحياوي أن من بين أبرز الأمثلة التي أثّرت في الجمهور التونسي هو مسلسل "الفتنة"، الذي عُرض في شهر رمضان، وتحديداً المشهد الذي تتعرض فيه البطلة للطعن بالسكين بعد سلسلة من العنف الممنهج "لقد كان هذا المشهد صادماً ومؤلماً، لكنه كان رسالة قوية ضد العنف الممارس على النساء، ودعوة إلى التوقف عن الصمت والبدء في المقاومة منذ اللحظة الأولى"، مبينة أنه لم يتوقف الأمر عند مشهد الطعن، بل نجح في كشف قوة المرأة المخفية لأن شخصية البطلة سعت إلى النهوض واسترجاع كرامتها، وهو ما جعل الجمهور يتفاعل بقوة مع القصة، ويفهم أن العنف الذي لا يُواجه قد تكون نهايته مأساوية.
وبينت أن هذه الرسائل تؤثر في النساء التونسيات والعربيات على حد سواء، وتخدم أكثر مصلحة المرأة الريفية التي تربّت على أفكار أن الشكوى ضد الزوج عيب وحرام، وتجعلها تُعيد النظر في هذه القناعات عندما خاصة تشاهد في مسلسل كيف يمكن لامرأة أن تستعيد حقوقها بالقانون، وتحمي نفسها وأطفالها من حياة قائمة على الإهانة والخضوع. وفسرت ذلك بأن "العديد من النساء لا يُقدمن على تقديم الشكاوى بسبب ضغط العائلة والمجتمع، لكن الدراما اليوم تفتح أعينهن على واقع مختلف، وتدفعهن للتساؤل: لماذا أسكت وأنا أملك الحق؟ ولماذا أخضع إن كان القانون في صفي؟".
وأشارت جميلة يحياوي إلى أن الدراما العربية أيضاً لها دور كبير في معالجة قضايا المرأة وإيصال المعلومة الصحيحة لها بكل الطرق المتاحة، وتشجيعها على مقاومة كل أشكال العنف، لافتةً إلى أن المرأة عندما تشاهد هذه الدراما أو المقاطع التلفزيونية، سيكون لها نصيب من الوعي يمكنها من مقاومة ظاهرة العنف بحكم أن هذه المقاطع التلفزيونية ستُعرّف المرأة بحقوقها وواجباتها، ونفس الشيء بالنسبة للرجل؛ إذ ستُعرّفه بأنه عندما يعنّف امرأة، سيواجه ترسانة من القوانين التي تعاقبه، وأن القانون سيكون ضده عندما يتجاوز حدوده مع المرأة.
وقالت "أستطيع أن أقول إن 90% من الدراما توجه رسائل مشجعة للمرأة وتجعلها فاعلة في المجتمع، رافضة للعنف، ومدافعة عن حقوقها وما أستطيع الجزم به هو أن المرأة عندما تشاهد هذه الإجراءات في مسلسل، ستفهمها أكثر مما لو شرحها لها محام"، وخصت بالذكر المرأة الريفية، لأن المرأة التي تعيش في المدينة غالباً ما يكون لديها وعي أكثر، وتتابع هذه الأخبار من خلال مواقع التواصل الافتراضي، أما المرأة الريفية، التي يصعب عليها الولوج إلى عالم التواصل والمنصات الاجتماعية، وتقتصر فقط على مشاهدة التلفاز أو الاستماع إلى الراديو في بعض الأحيان، فمن الضروري أن نبث لها رسائل توعوية، ونناقش قضايا تنصر المرأة الريفية.
ولفتت إلى أنه "على وسائل الإعلام والمجتمع المدني، خصوصاً النساء والناشطات، أن يتوجّهوا إلى هذه الفئة المهمشة، ويوصلوا إليها رسائل بسيطة وواضحة تساعدها على فهم القوانين والدفاع عن نفسها"، معتبرة أن الدراما الهادفة والبرامج التلفزيونية الجادة قادرة على التوعية، وعلى دفع المرأة إلى التغيير متى توفرت النية الصادقة والمضامين المسؤولة.
واختمت الناشطة جميلة يحياوي حديثها بالتأكيد على أن الدراما ليست فقط أداة للترفيه، وليست بالضرورة مرآة سلبية للمجتمع أو معززة للصور النمطية، بل يمكن أن تكون أداة تحرّر وتمكين وكشف للحقائق، إذا عالجت القضايا بصدق ومسؤولية، فحينها فقط يمكنها أن تفتح أعين النساء على واقعهن وتساعدهن على كسر الخوف والوقوف في وجه العنف واستعادة الكرامة والحق.