كاتبة جزائرية تغوص في عمق جراح الإفريقيات

من خلال أعمالها الأدبية، لا سيما روايتها "من باغارا إلى تين زواتين"، أعادت الكاتبة نادية علاوة النظر في النهايات التقليدية التي تلاحق المرأة الإفريقية، متبنية نهج "المرافعة الأدبية".

رابعة خريص

الجزائر ـ في عالم الأدب المغاربي والإفريقي، استطاعت الكاتبة الجزائرية نادية علاوة، أن تحجز لنفسها مكاناً بارزاً في الكتابة النسوية، مسلطة الضوء على قضايا الهجرة والمعاناة التي تواجهها المرأة الإفريقية، عبر سرد دقيق يعكس الواقع بكل تفاصيله.

تُعتبرُ نادية علاوة من الأصوات النسائية في الجزائر التي حجزت لنفسها مكان في الكتابة النسوية، لا سيما وأنها وضعت يدها على معاناة المرأة الإفريقية مع الهجرة هُروباً من الحروب والفقر وأغرب العادات والتقاليد الإفريقية كظاهرة ختان الفتيات والزواج القسري والتعنيف المستمر والحرمان من التعليم وعدم المساواة بين الجنسين في هذه المناطق.

 

ظهور متنوعة للمرأة الإفريقية في رواية تجسد حقيقة النساء

واللافت أن الكاتبة قد سردت تفاصيل دقيقة عن طقوس الختان التي تُقام عادة في ساحة القبيلة المحاطة بالأسوار المصنوعة من القصب المجفف، وفي تلك اللحظة تنتظر الفتيات عرافة القبيلة "تيامي سوكو" التي تبلغ من العمر ثمانون عاماً وهي القابلة والطبيبة الشرعية والعرافة التي تبوح لهم بأسرار أقدارهم، والمسؤولة على ختان البنات اللواتي سيلبسن لباس العفة بعد نزع جدار مهبلهن بشفيرة تضعها في الماء الدافئ الممزوج بحفنة من الملح لتقليل الألم، ووضعت نادية علاوة يدها على الجرح الغائر في قلوب الفتيات الإفريقيات ألا وهُو تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أو ما يُسمى بختان الفتيات داخل أكواب مرعبة مملوءة بالعقاقير والأعشاب والأدوية السحرية والنادرة والغطاء الأبيض المفترش مثل الكفن الأبيض.

وظهرت صور متنوعة للمرأة في الأعمال الروائية للكاتبة الجزائرية نادية علاوة ومن أشهر إصداراتها الأدبية "دهاليز الوجود" و "نورسين الحراق ونزيلة العجزة" وآخر إصداراتها "من باغارا إلى تين زواتين" والتي هي عبارة عن سيرة لفتاة إفريقية سمراء البشرة، نيجيرية الأصل، هذه الفتاة النازحة ذات ليلة من مدينة باغارا النيجيرية إلى مدينة تين زواتين الجزائرية لينتهي بها المطاف في مدينة باريس بلدّ "الجن والملائكة"، واللافت أن الرواية رصدت نهاية نادرة وغير مألوفة للمرأة الإفريقية المهاجرة التي ينتهي بها المطاف عادة للتسول كوسيلة لجمع المال.

 

قصص انتصارات تحققها النساء رغم التحديات

والمثير للانتباه أن نادية علاوة تعتمدُ على نهج "المُرافعة" في روايتها، وتقول إن "مُعظم بطلات الرواية ينتهي بهن المطاف إلى تثمين أو تحفيز وتنوير" وهُنا تستدلُ بروايتها من "باغارا إلى تين زواتين"، وتقول "حاولت تسليط الضوء على نُقطة مهمة وهي أن الأنثى ليست جسد بل هي طاقة وروح وكيان، تتحدى الظلم والقهر وتتحمل ما لا يتحملهُ الرجال من أجل تحقيق هدفها ونصرة فكرها".

وبالنسبة لها فإن مجمل الروايات المغاربية والإفريقية التي تناولت ظاهرة نزوح النسوة الإفريقيات اهتمت بالشخصية الإفريقية من جانبها الجسدي والعقلي وسلطت الضوء على جانب العادات والأعراف التقليدية الإفريقية ولكن شخصية الرواية تتعرض دائماً في الختام إلى نهاية سلبية المدى، فالمسار السردي للأعمال وقفلة النهاية لها طابع إنساني أكثر مما هو براغماتي".

وتشرح في هذا السياق النهج الذي اعتمدته في روايتها وتوضح أنها "غيرت نمط النهاية وعملت مرافعة للشخصية البطلة "عائشة وأمها ناتاشا"، بحيث أصبحت في النهاية عارضة أزياء لتنجو بذلك من عتمة ظلمة الليالي الحالكات التي كانت تعيشها في وطنها وأنير دربها بأشعة ألف شمس ساطعة لم تكن تضعها في الحسبان لأنها هي ومثيلاتها حرمن من الحلم والأمل لأن لا حلم في الظلام".

ولم تكن هذه المرافعة بتعبيرها وليدة الصدفة بل كانت نتيجة احتكاكها مع نازحات من النيجر إلى الجزائر العاصمة منهن من تمكن من فرض وجودهن كقوى عاملة في مجالات المهن والحرف ومنهم من جمعت مالاً من التسول وفتحت مشاريع صغيرة ومنهن من استطعن تكوين أسرة والتزوج بجزائري وانتشر هذا في العديد من المدن الجنوبية كتمنراست وإيليزي وورقلة.

 

الخلفية التي استلهمت منها كتابة الروايات

وتطرقت نادية علاوة إلى الخلفية الواقعية التي استلهمت منها كتابة روايتها "أتذكر أنني كنت أستمتع بالتجوّل في أزقة وأسواق ولاية البليدة فلفت انتباهي من بعيد طفلة إفريقية تتعامل مع المكان وكأنّه مسقط رأسها كانت مرتاحة مطمئنة ومرحة رغم الهيئة الرثة وممزقة الملابس منقوعة بالغبار وقدمان متورمتان, ووجه مخدوش في تفاصيله، قلت في نفسي، ما كلّ هذا الألم، الذي يخفيه جسدها المتعب، فكرت حينها بعاطفة الأمومة، وقلت في نفسي طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، كيف لها أن تتحمّل رحلة عبور ونزوح صحراوية، الوقد والجفاف والجوع والعراء والذعر من اكتشاف أمر هجرتهما الغير شرعية، بقيت ملامحها وتفاصيلها تسكن في عقلي، تتكرّر أفعالها الطفوليّة مع كلّ غمضة عين، عزمت أن أعطي لروحها المرهقة ولجسدها المثقل ذكرى تبقى ولا تمحى"، فقررت صبيحة الغد من ذلك اليوم كتابة رواية تستوحي أحداثها وتفاصيلها السردية من قصة تلك الفتاة بطابع واقعي محض.

 

"رحلة الافريقيات مملؤة بالكفاح والنضال"

وتنظر نادية علاوة إلى "النساء الإفريقيات" على أنهن "نموذج لرحلة كفاح ونضال، وهن رمز للتحمل ورباطة الجشأ، مأكدة أن مورس عليهن أبشع الانتهاكات وطُبقت على أجسادهن أساطير وخرافات بائدة، فإلى جانب قسوة الطبيعة الصحراوية الإفريقية هناك قسوة حرب ودمار تحاول النسوة الهروب من الواقع المرير هذا إلى بلدان أكثر أمن وسلام، والكثيرات وجدن ضالتهن في الجزائر".

وحول حضور الإفريقيات وقضية النزوح في الأدب من عدمه، تقول إنه "بحكم تخصصها في الأدب العالمي المقارن وبحكم مطالعتها للعديد من الروايات العالمية والجزائرية استنتجت أنّ القلّة القليلة من تناول مسألة نزوح النساء الإفريقيات في أعمالهم الأدبيّة، وهذا يعود إلى أمرين مهمين غفِل عنهما الأدباء، الأمر الأول هو أنّ الروائي يجب عليه انتهاج منهج البحث والتقصي وبما أنّ البيئة الإفريقية مثقلة بالعادات والتقاليد والأعراف إلى جانب البيئة والجغرافيا الزمكانية الصعبة، يجب على الروائي معرفة كلّ هذه الحقائق الواقعيّة الميدانيّة ليتمكّن من الكتابة عن هذا الأمر الصعب وطبعاً هذه الصعوبة هي من تتعب وترهق الكاتب فتجده يستسهل مواضيع أدبية أخرى يتشرّب منها لسهولتها"، أما الأمر الثاني الذي يجبُ تسليط الضوء عليه هو "أن الروائي يجب عليه مُطالعة الأعمال الأدبيّة التي تتحدّث عن السياق نفسه ليتمكّن من التوّسع حول الموضوع الممنهج لكن ولانعدام المصادر والمراجع الروائية في موضوع النزوح النسوي الإفريقي تجد الكاتب يستصعب التدوين في قضايا ناقصة المراجع".