"الدار الحية"... فيلم عن الجسد والأرض في رحلة نسوية نحو التحرر
لا تروي المخرجة إكرام حمدي منصور من خلال فيلمها "الدار الحية"، فقط قصة بناء منزل، بل تبني منزلاً لروح كل امرأة تبحث عن حريتها في هذا العالم، وهو عبارة عن دعوة لاحتضان جسدنا، وفهم علاقته بالأرض التي ننتمي إليها.

نجوى راهم
الجزائر ـ في مجال إنتاج المحتوى، تجد بعض الأعمال التي تتجاوز حدود الصورة والصوت، لتصبح رحلة شخصية وعميقة في فهم الذات، وهذا ما صوره فيلم "الدار الحية" للمخرجة إكرام حمدي منصور، وهو واحد من الأعمال التي تجمع بين البناء الروحي والجسدي، بين الأرض والإنسان، وبين الفن والنضال النسوي.
عملت الناشطة النسوية والمخرجة الجزائرية إكرام حمدي منصور، على توثيق قصص النساء اللواتي يخترن طرقاً غير تقليدية للتعبير عن أنفسهن ومواجهة التحديات المجتمعية، فإيمانها العميق بقدرة الفن على تحقيق التغيير جعلها تضع كل تركيزها على تطوير أعمال تسلط الضوء على القوة الداخلية للمرأة وعلاقتها العميقة بالجسد والطبيعة.
رحلة شخصية وعلاجية
فيلم "الدار الحية" هو مشروع إبداعي يعكس تجربة إكرام حمدي منصور الشخصية في التفاعل مع مادة الطين، التي كانت بالنسبة لها أكثر من مجرد مادة للبناء، في هذا العمل الوثائقي، تقدم رؤيتها حول العلاقة الجسدية مع الأرض، وكيف أن العمل بالبناء بالطين يمكن أن يكون طريقاً للشفاء النفسي والجسدي، الفيلم يسرد قصة امرأة تعيش في الصحراء وحدها وتبني منزلها باستخدام الطين، وهو انعكاس لرحلة المخرجة الذاتية، التي من خلالها وجدت شفاءً حقيقياً في تفاعلها مع هذه المادة الطبيعية.
تصف إكرام حمدي منصور تجربة البناء بالطين بأنها كانت بمثابة طقس روحاني، حيث أن الطين لم يكن مجرد أداة للبناء، بل أصبح وسيلة للتواصل مع الجسد والروح، وأداة لتحرير الذات، والفيلم هو دعوة لإعادة التفكير في علاقتنا مع أجسادنا وكيفية التعامل معها في عالم سريع لا يمنحنا فرصة للانتباه لاحتياجاتنا الجسدية.
المرأة في "الدار الحية"
البطلة في فيلم "الدار الحية" تمثل المرأة القوية والمستقلة التي تختار العيش خارج الأنماط التقليدية للمجتمع، إنها امرأة تبني منزلها الخاص في الصحراء، تفعل ذلك بيدها وبإرادتها، تجسد إكرام حمدي منصور، من خلال هذه الشخصية، حالة من التحرر الجسدي والروحي، وهي دعوة لكل امرأة لأن تعيش حياتها وفقاً لمبادئها الخاصة.
هذه الشخصية ليست فقط رمزية، بل تمثل حكاية حقيقية عن الصراع مع العزلة، ولكن أيضاً عن القوة التي يمكن أن تنبع من تلك العزلة عندما يتم استخدامها بشكل إيجابي لبناء الذات، هذه المرأة، كما تصفها المخرجة هي نموذج للمرأة التي تقاوم التقاليد وتعيد تعريف دورها في الحياة.
الطين والروح
الربط بين الطين والجسد في فيلم "الدار الحية" ليس مجرد فكرة رمزية، بل هو عملية حقيقية تتبعتها إكرام حمدي منصور في تجربتها الشخصية، فالبناء بالطين كان بالنسبة لها أكثر من مجرد بناء منازل، بل كان وسيلة للتواصل مع جسدها، للتعرف على كيفية التناغم بين جسدها والمادة التي تعمل بها حيث تقول "الطين كان يشفي جسدي"، مؤكدة أن هذه العملية سمحت لها بتجاوز الكثير من القيود التي كانت مفروضة على جسدها في حياتها اليومية.
الفيلم هو بمثابة دعوة للمرأة للعودة إلى نفسها، للتعرف على جسدها من جديد، ولإعادة بناء العلاقة التي قد تكون قد فقدتها مع هذا الجسد بسبب الضغوطات الاجتماعية، وهو أيضاً دعوة لكل شخص للاتصال بالأرض والمادة التي من خلالها يمكن للإنسان أن يتطور ويشفى.
وقد صورت إكرام حمدي منصور، من خلال هذا الفيلم قصة عن البناء بالطين أو عن امرأة تعيش في الصحراء، حيث قدمت شهادة عن رحلة نسوية نحو التحرر والشفاء من خلال الاتصال بالجسد والأرض، فيلمها هو رسالة قوية حول كيف يمكن للمرأة أن تعيد بناء نفسها، وأن تلتقط صوتها من جديد في عالم مليء بالضغوط والتحديات.