خدمة للمرأة والطفل... مكتبة ببغداد بإدارة نسوية

افتتحت طبيبتان مشروعهما الثقافي الجديد مكتبة "أطراس وأكثر"، الأولى من نوعها في العاصمة العراقية بغداد، غالبية روادها من النساء اللواتي استهوتهن فكرة أن المكتبة تدار حصرياً من قبل نساء فقط.

رجاء حميد رشيد

العراق ـ طبيبتان عراقيتان افتتحتا مكتبة "أطراس وأكثر"، تتنوع كتبها بين الفكر والسرد والشعر والفن والفلسفة وحتى كتب الأطفال.

في العاشر من أيار/مايو لعام 2024، افتتحت الطبيبتان بان وزينب الركابي مشروعها الثقافي مكتبة "أطراس وأكثر"، بمنطقة المنصور الداوودي في قلب العاصمة بغداد، واللمسات النسوية بدت واضحة في جميع أركانها، سواء في التصميم والإنارة والديكورات، صفتا الكتب على رفوفها بطريقة تسهل على القارئ الاختيار، وتم تخصيص أحد رفوفها لمؤلفات والدهما الأستاذ عبد الخالق الركابي، يتقدمها مؤلفه "أطراس الكلام"، حيث توفر المكتبة أجواء مناسبة للقراءة تصاحبها الموسيقى الهادئة، ووجود بعض أصص نباتات الظل التي تضفي على المكان المزيد من الشعور بالراحة النفسية لروادها.

تتألف المكتبة من قسمان، قسم للبالغين/ات وآخر للأطفال والنشأ، كما زين الجدار الرئيسي في مدخلها بصور كبار الأدباء/ات والشعراء/ات العراقيين، مع وجود مقهى صغير لخدمة رواد المكتبة الذين تستقبلهم بشكل من الساعة الحادية عشر ظهراً لغاية الحادية عشر مساءً.

وعن انبثاق فكرة المشروع تقول بان الركابي إنه "من الطبيعي أن تتبلور لدينا فكرة افتتاح مكتبة فوالدنا كاتب وقارئ وقد نشأنا في بيت جدرانه عبارة عن رفوف من الكتب، ولم يقصر على ذلك فحسب بل كان أيضاً يعج بالجلسات الثقافية يقوم بها المثقفين والأدباء أصدقاء ومعارف والدي".

بينما أكدت زينب الركابي أن "الحافز الأكبر لافتتاح المكتبة توعية وتثقيف الجيل الجديد، أولادنا لم يعيشوا هذه الأجواء التي عشناها في طفولتنا، لقد كان الكتاب أهم مصدر للمعلومات لدينا، لقد قرأنا كتاب ألف ليلة وليلة ونساء صغيرات وغيرها، نحاول إعادة الجيل الجديد إلى عالم الكتب والقراءة بدلاً من انشغاله بمواقع التواصل الاجتماعي، ومن أجل الحفاظ على قيمة الكتب التي تتعرض لخطر الاندثار"، مؤكدةً أنهم تسعيان لتوسيع تجربتهما الشخصية في مشروعهما هذا لتكون تجربة اجتماعية عامة.

وأكدت بان الركابي أن اختيارها عناوين الكتب التي تضمنها المكتبة لم يكن سهلاً، تم ذلك من خلال متابعتها وحضورها لثلاث معارض أقيمت في بغداد، حيث حرصت على اقتناء الكتب الأعلى تقييماً من قبل الجمهور القارئ والأكثر مبيعاً في دور النشر العربية والغير متوفرة في مكتبات شارع المتنبي ببغداد، مع اقتناء البعض الآخر من الدور المحلية الرصينة مثل المدى ودار الجمل والرافدين وغيرها.

وعن كون غالبية رواد المكتبة من النساء، قالت "خصوصاً بعد أن علمت النساء بأن المكتبة تدار حصرياً من قبل نساء، فسرعان ما تشعرن بالاطمئنان والارتياح خاصة الفتيات، وبالرغم من أن المكتبة ليست حكراً على النساء، تشعر البعض منهن بحرج عند رؤية قراء من الرجال فيها، ولكن بوجود إدارة نسائية تتلاشى مخاوفهن هذا من جانب، ومن جانب آخر لاحظنا أن الأمهات تشعرن بالثقة والأمان بوجود إدارة نسوية للمكتبة الأمر الذي يساعد الفتيات على حسن اختيار الكتب المناسبة لبناتهن وحسب أعمارهن، خاصة كما لدينا الكثير من المشاريع والورش الخاصة بالأطفال منها تفعيل نادي القراءة ومشروع سرد القصة المسموعة أو ما يعرف في الفلكلور العراقي الشعبي (الحكواتي، القصخون)، ستقوم به زميلة لنا تبرعت بالعمل بسرد قصة للأطفال بشكل مثير لتحفيزهم على القراءة والمتابعة، كما هناك ورش للأعمال اليدوية، حيث تفاجأنا عند افتتاحها برغبة الكثير من الفئة الشابة وليس الأطفال فقط، للانضمام  والمشاركة فيها، منها ورشة لتنسيق الزهور الطبيعية وغيرها".

وحول نظام المكتبة قالت بان الركابي "كانت فكرة المكتبة الأساسية هي ( big store) متجر لبيع الكتب، أكثر من نصف الكتب الموجودة متاحة للبيع، وبنفس الوقت هناك كتب للاستعارة لمدة أسبوع أو عشرة أيام  مقابل أجر رمزي، أي أن نظام المكتبة بيع واستعارة خارجية وقراءة داخل المكتبة، كما حرصنا على توفير الكتب والروايات والأساطير، وكتب التنمية البشرية والتاريخية، ونطمح لجعل المكتبة منتدى ثقافي من خلال إقامة النشاطات والفعاليات الثقافية المتنوعة وتنظيم وعقد الورش والمحاضرات التي نستهدف من خلالها فئات عمرية مختلفة واتجاهات مختلفة، مع استضافة كتّاب وأدباء في جلسات ثقافية خاصة بـ "أطراس وأكثر"، مع تنظيم حفلات توقيع الكتب وإقامة ورش لتعليم الرسم، وتعليم الكتابة مثل القصة القصيرة للفئات العمرية فوق 18 سنة".

وحول التحديات التي واجهة المكتبة قالت بان الركابي "المطاعم والمقاهي المنتشرة في معظم مناطق بغداد، والتي تشكل منتديات شبابية ترفيهية فقط دون هدف واضح، ويعتبر هذا أكبر تحدي لمشروع ثقافي وسط مشاريع صخب وضجيج"، مبديةً أسفها على ضعف وتراجع الإقبال على القراءة أمام ثورة تكنلوجيا المعلومات وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والأجهزة الإلكترونية".

وأضافت "التحدي الآخر كوننا نساء ولدينا أكثر من التزام، إلى جانب مشروعنا لدينا أطفال يجب أن نعتني بهم ومنازل يجب أن نوفر احتياجاتها وظائف، ولكن المرأة العراقية تستطيع القيام بكل هذه الأعمال بشكل متقن، وخير مثال والدتي التي تعمل مدرسة إلى جانب مساعدتها لوالدي الذي يعاني من تدهور وضعه الصحي حيث يحول دون قدرته على الكتابة بوضوح على أثر تعرضه لحادث أثر على حركته فأصبحت والدتي قلمه، حيث والدي يتحدث وهي تكتب، وهذه العملية تحتاج إلى ساعات، إلى جانب كونه أم لثلاث فتيات ومعلمة، بالإضافة إلى متطلبات واحتياجات البيت، فالمرأة العراقية تقوم بكل هذه الأعمال وعلى أتم وجه، ونحن اليوم نخطو خطاها ونقوم بأكثر من مهمة في وقت واحد كطبيبات وأمهات وإدارة منازلنا وإدارة المكتبة".

وعن الدعم من الجهات المعنية بالثقافة والأدب لمشروعها الثقافي، قالت بانا الركابي إنه "بالرغم من مرور فترة قصيرة جداً على افتتاح المكتبة، إلا إنها أصبحت محط اهتمام الكثير من الأوساط الثقافية، حيث فوجئنا بزيارة وفد من الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وأبدى الوفد الزائر مساندته ودعمه لمشروعنا واستعدادهم للتعاون من خلال إقامة النشاطات والفعاليات الثقافية المتنوعة فيها، كما قامت عديد من الكتاب والأدباء بزيارتها مبدين استعدادهم للتعاون والمساعدة لإنجاح مشروعنا، مع تقديم مجموعة من مؤلفاتهم القيمة أثروا المكتبة بعناوينها وموضوعاتها خدمة للوسط الثقافي، منهم الدكتورة رغد السهيل الحائزة على جائزة الإبداع العراقي في مجال القصة لعام 2023".

وعن رأي بعض الكتاب بـ "أطراس وأكثر" قالت إن "الكاتبة الدكتورة رغد السهيل أكدت أنها بشرى لعشاق القراءة في الكرخ، بات لدينا مكتبة (أطراس) راقية هادئة تتنوع كتبها بين الفكر والسرد والشعر والفن والفلسفة وحتى كتب الأطفال في باقة رائعة وديكور أنيق تنم عن رهافة حس وعمق فكر صاحبتيها بان وزينب الركابي، ولا غرابة أن عرفنا أنهما أبنتا المبدع الكبير الأستاذ عبد الخالق الركابي وعادة أصحاب التخصصات العلمية لا يزجون أنفسهم في عالم الأدب والفكر إلا أن شغف حقيقي تربوا عليه".