خبز الصاج... إرث ثقافي لازالت النساء متمسكات به

رغم تطور طرق ووسائل التصنيع، واكتشاف الآلات الخاصة بصناعة الخبز، إلا أنه لاتزال نساء الريف تفضلن صناعة خبز الصاج بوسائل قديمة، وتعتبرنه مصدر فخر وتتباهين باحترافية صنعه.

يسرى الأحمد

الرقة ـ يعتبر خبز الصاج من المأكولات القديمة المتوارثة والمصنوع يدوياً، تحافظ عليه النساء من الاندثار، حيث بتن تتفنن بصناعته وتقدمنه إلى جانب مأكولات أخرى.

ساهمت المرأة منذ الأزل في المحافظة على استمرارية الوجود والحياة، وذلك عبر مساعيها وجهودها الحثيثة في البحث عن أساليب، تساعدها على توفير مأواها ومأكلها ومشربها، فقد جعلت من يديها وسيلة لبناء منزلها من الطين أضافة لصنع الخبز لتوفر طعامها، بحكم عدم اكتشاف وظهور الآلات آنذاك.

وقد اشتهرت المرأة العربية بصناعة خبز الصاج حيث كانت نساء القبيلة أو العشيرة تتنافسن على من تجيد صنعه بشكل أفضل، حيث أطلق على من تصنعه بمهارة بـ "الخبازة"، وهو فخر واعتزاز لها تتميز وتتباهى به بين بنات قبليتها، فرغم طغيان الحداثة والتقنيات الصناعية وتطور الجانب الصناعي وظهور الآلات ووسائل التصنيع الحديثة ومن ضمنها أفران صنع الخبز، إلا أنه لاتزال هناك نساء خاصة في الأرياف والقرى تفضلن صنع الخبز بوسائل قديمة.

عُرف وأشتهر خبز الصاج وصناعته  منذ القدم لدى العرب، فهو ثقافة وتراث يعبر عن هوية وثقافة المكون العربي عن باقي مكونات المنطقة، وتتميز النساء والفتيات باحترافية صنعه وتعلمه كونه وسيلتهن الوحيدة لتأمين طعامهن وعوائلهن، هذا ما أكدته فاطمة الحمود في العقد الخامس من عمرها من بلدة حزيمة في الريف الشمالي لمدينة الرقة بإقليم شمال وشرق سوريا، وعن كيفية اكتسابها الخبرة في صنع  خبز الصاج قالت "بدأت تجربتي في صناعة خبز الصاج بعد زواجي خاصة كوني كنت أسكن مع أهل زوجي في المنزل ذاته، وبحكم العادات والتقاليد يفرض على الكنة أداء أعمال المنزل كافة إلى جانب العمل في الزراعة وتربية المواشي، لذا علمتني والدة زوجي كيفية صناعة خبز الصاج، حيث كنا نستخدم الوسائل البدائية في الطبخ لعدم توفر المحروقات، فنقوم بجمع الحطب وحمله على رؤوسنا لنقطع به مسافات طويلة حتى نصل إلى البيت".

وعن اعتماد الأهالي منذ القدم على خبز الصاج لتوفير طعامهم، قالت "كنا نصنعه بأنفسنا لكي نحصل على طعامنا، وذلك لعدم وجود الآلات آنذاك حتى توفر وتؤمن لنا الخبز كما هو الحال في الوقت الحاضر، ولكونه يقع على عاتق المرأة العديد من الأعمال والمهام، كان من النادر وجود امرأة أو فتاة لا تتقن حرفة صنع الخبز في ذاك الوقت".

وعن كيفية صنع خبز الصاج أوضحت فاطمة الحمود "له عدة مراحل وخطوات أولها مرحلة العجن، حيث نضع كمية من مادة الطحين في إناء خاص يستخدم لعملية العجن، ويضاف إليه الملح والماء تدريجياً ونبدأ بعجنه بيدينا حتى تصبح العجينة متماسكة مع بعضها، ثم تترك لمدة ساعتين حتى تتخمر وترتاح قليلاً، ثم تأتي مرحلة التقطيع وتتم باليدين على شكل كرات متوسطة الحجم، ثم نرقها بوساطة عصى ليتشكل قرص دائري ورقيق جداً، ثم تأتي مرحلة التلويح به في الهواء قليلاً ثم يوضع على الصاج الذي يوقد تحته القليل من الحطب".

وحول سبب لجوء نساء الأرياف لصنع الخبز على أيديهن لفتت "يجد غالبية أهالي القرى والأرياف صعوبة في تأمين مادة الخبز ويعانون من انقطاعه بشكل مستمر، خاصة القرى التي لا يوجد فيها أفران أضافة الى ابتعادها عن المدينة، وبحكم أن المرأة يقع على عاتقها تأمين احتياجات عائلتها وأطفالها كإطعامهم، نلجأ لصنع الخبز بأيدينا خاصة أن نساء الأرياف لديهن خبرة في صنعه".

ولفتت إلى مكانة المرأة التي تجيد صنع الخبز بكل احترافية بين نساء قبيلتها أو عشيرتها "كانت النساء تصنعه بكل حب ومهارة، حيث كانت تفتخر وتتنافس في إتقانه كافة النساء، ويطلق على المرأة التي تجيد خبزه بكل احترافية بالخبازة". 

وحول الطقوس الخاصة لصنع خبز الصاج لدى العرب بينت "يقدم خبز الصاج بشكل أساسي ورئيسي في الولائم سواء في الأفراح أو الأتراح، حيث أن النساء تجتمع مع بعضها لتتشارك في صنعه بأجواء مفعمة بالفرح والسعادة والمنافسة، حيث هناك مأكولات خاصة يدخل في مكوناتها خبز الصاج منها الثريد ويعد من أصناف الطعام المشهورة والمرغوبة لدى العرب، وهو عبارة عن وجبة توضع في صواني كبيرة دائرية الشكل مؤلف من أرغفة خبز الصاج المرصوفة فيها المضاف لها المرقة الناتجة عن طبخ اللحوم، وتلك الثقافة في الطعام لاتزال متواجدة حتى يومنا الراهن".

وترى فاطمة الحمود أن تمسكها بصناعة خبز الصاج حتى الوقت الراهن، فخر لها والسبيل الوحيد للمحافظ على تراثها وثقافة منطقتها، حتى أن قررت تعليم بناتها الثلاثة وزوجة ابنها طريقة صناعة خبز الصاج.