أساطير كردستان تُبعث من جديد على خشبة الفن

أعلنت روزلين ديريك مديرة مركز ولات للفنون، عن انتهاء عرض المسرحية الموسيقية "ملحمة درويش عفدي وعدولة"، مشيرةً إلى أنها ستُعرض قريباً، موضحةً أن هذا العمل الفني جاء استجابةً لنداء القائد عبد الله أوجلان.

سوركل شيخو

قامشلو ـ تُعد ملحمة "درويش عفدي وعدولة" من أبرز الأساطير الكردية التي لا تزال حية في وجدان الشعب الكردي، فهي ليست مجرد قصة حب، بل تجسيد لعشق الأرض والوطن، تمنح الحب الكردي بعداً جديداً، ومن درويش وعدولة إلى مم وزين، وشيرين وفرهاد، تواصل الأساطير الكردية عبر العصور تألقها بفرادة وغنى.

درويش عفدي، الفارس الإيزيدي من شنكال، وقع في حب عدولة، ابنة مير تمر باشا المسلم، لكن والدها رفض هذا الحب، ووقف عقبة أمام زواجهما، مما أشعل فتيل صراع تحول إلى حرب، وبأمر من والد عدولة، خاض درويش مع أحد عشر من رفاقه معركة بطولية ضد 3700 فارس من العرب والترك، انتهت باستشهاده.

وتُعد ملحمة درويش عفدي وعدولة من أبرز الملاحم الوطنية التي دارت على أرض كردستان، ويُرجّح أن أحداثها تعود إلى القرن الثامن عشر، وفقاً للدراسات التاريخية.

 

ملحمة درويش وعدولة في أول عرض موسيقي غنائي

لأول مرة، تُقدَّم ملحمة درويش عفدي وعدولة في قالب مسرحية موسيقية، في خطوة فنية غير مسبوقة، وقد أعلن مركز ولات للفنون عن قرب إصدار العمل، بعد الانتهاء من تصوير الكليب بمشاركة أكثر من مئة شخص.

وحول أهمية هذا المشروع ودلالاته الثقافية والفنية قالت روزلين ديريك الرئيسة المشتركة للمركز، أن ملحمة درويش عفدي وعدولة من أقدم وأعمق الملاحم في التراث الكردي، مشيرةً إلى خصوصيتها وتميّزها "ما يميز هذه الملحمة ليس فقط قدمها، بل أن درويش كان إيزيدياً وعدولة مسلمة، ومع ذلك جمعهما حبٌ تجاوز حدود الدين، لأنهما عاشا على أرض واحدة، وتشاركا الانتماء ذاته".

وأضافت "لم يكن حب درويش وعدولة مجرد علاقة بين رجل وامرأة تنتهي بالزواج وتكوين أسرة، بل كان حباً متجذراً في الأرض والوطن، حباً لم يسمح للدين أن يفرقهما، لأن أمّنا واحدة، ووُلدنا جميعاً من رحم واحد".

وأوضحت روزلين ديريك سبب تأخر تقديم ملحمة درويش عفدي وعدولة في شكل مسرحية موسيقية "لم تتوفر الفرصة سابقاً لإنجاز هذا العمل بهذا الأسلوب، لكن الآن حان الوقت المناسب لتحقيقه".

وأضافت "القائد أوجلان قال ليرقد درويش بسلام، فلدينا اليوم آلاف من درويش وعدولة يسيرون على خطاه، لقد كان درويشنا العظيم، الذي جمع بين الحب والأرض، هو القائد أوجلان نفسه، وكانت رغبته أن تُقدَّم هذه الملحمة في عمل فني، وقد حقق مركز ولات للفنون هذه الأمنية من خلال إعدادها كمسرحية موسيقية غنائية"، مشيرةً إلى أن الملحمة رُويت سابقاً عبر الغناء الشعبي والأدب الشفهي، لكن هذه هي المرة الأولى التي تُقدَّم فيها بهذا الشكل الفني المتكامل.

وأكدت روزلين ديريك، أن هناك آلاف من أمثال درويش وعدولة في كردستان، ناضلوا من أجل حبهم ووطنهم، وارتقوا إلى مرتبة الشهادة "شعرنا أن الوقت قد حان لإنجاز هذا العمل، خاصة بعد بروز أحداث سد تشرين وصمود النساء هناك، فلولا عدولات هذا العصر، لكان واقعنا مختلفاً تماماً".

وأشارت إلى أن القوة والنضال الذي جسدته المرأة الكردية في ملحمة درويش وعدولة لا يقل عن بطولتها في مقاومة سد تشرين "من أجل كردستان كلها، نقدم عملاً فنياً يربط بين التاريخ والحاضر، ويُبرز دور المرأة في مسيرة النضال والحرية".

 

"ملحمة درويش وعدولة عرض بصري جديد يربط التاريخ بالحاضر"

وأوضحت روزلين ديريك أن الفيديو كليب الجديد يضم ممثلين من مختلف المكونات كرد، وعرب، وأتراك، وقد تم تحويل القصة الحقيقية لملحمة درويش وعدولة إلى عمل بصري فني "نأمل أن يلقى هذا الكليب صدى إيجابياً لدى شعبنا، الذي سيشاهد ويسمع الملحمة بشكل جديد ومؤثر، من الضروري أن نحمي ملاحمنا وتراثنا الشعبي من الضياع والتحريف، وألا نسمح بسرقة أو تشويه أساطيرنا وهويتنا الثقافية، فحماية الحقيقة مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً".

وأكدت أن مركز ولات للفنون يعمل على إحياء التراث والأساطير والأغاني الشعبية بأسلوب عصري يواكب الحاضر، دون أن يفقد جوهره الأصيل.

وأشارت إلى أن الهدف الأساسي من هذا العمل الفني هو إيصال القصة الحقيقية إلى أبناء الشعب الكردي، مؤكدةً أن الأولوية ليست في عرضها للعالم الخارجي، بل في تمكين الشعب من التعرف على تاريخه وحماية تراثه "نريد لشعبنا أن يرى الحقيقة بعينيه، لا أن يسمعها فقط، فالملاحم التي تُعرض بصرياً من خلال المسرحيات، الفيديوهات الموسيقية، والرقصات، تترسخ في الذاكرة أكثر من مجرد السرد الشفهي، وتُصبح جزءاً من الوعي الجمعي".

وأضافت "المقاومة التي شهدها سد تشرين لا تقل أهمية عن ملحمة درويش عفدي وعدولة، ولهذا من واجبنا أن نقدم أساطيرنا بأسلوب عصري يليق بعراقتها ويخاطب وجدان مجتمعنا".

وفي ختام حديثها، وجهت روزلين ديريك رسالة مؤثرة إلى النساء والمجتمع "نهدي ملحمة درويش وعدولة إلى القائد أوجلان، ونأمل أن تتاح لنا فرصة مشاهدة الكليب معه قريباً، ليرى كيف جسّدنا رؤيته على أرض الواقع، نحن منفتحون على ملاحظاته ونرحب بأي نقد بنّاء يخص العمل الفني، لأن القائد أوجلان يؤمن بأن للمرأة دوراً أساسياً في المجتمع، فقد حرصنا على إبراز إرادة المرأة الكردية في هذا الكليب، الذي رُوي بلغتها وبصوتها، ومن واجبنا أن نحمي هذه اللغة، ونمنح المرأة حقوقها كاملة".