المرأة الفراتية تعيد إحياء تراثها مع النهضة الفنية التي تشهدها المنطقة

تحققت نقلة تاريخية في واقع الثقافة والفن في مقاطعة الرقة بإقليم شمال وشرق سوريا، ونهضة في واقع المرأة الفني أكدها بروز العديد من الفنانات.

نور الأحمد

الرقة ـ مرت مقاطعة الرقة بإقليم شمال وشرق سوريا بعدة مراحل من تهميش إلى صراعات دامية، مما كان له تداعيات وتأثيرات بشكل مباشر على الواقع الثقافي والفني، حتى تغير الحال في كنف نظام الإدارة الذاتية التي أولته اهتمام ورعاية كبيرين، ودفعت نحو نقلة مفصلية في واقع الفن من خلال تأسيس المراكز الفنية والثقافية وتنمية المواهب المختلفة للفئة الشابة.

 

واقع الثقافة والفن في الرقة

قالت العضوة في مكتب المسرح لمركز الثقافة والفن هبة خلف "لدي شغف وحب تجاه المسرح والتمثيل منذ صغري، ولكن ما منعني من الانخراط هو خوفي من صعود خشبة المسرح وظهوري أمام الجماهير"، لافتةً إلى أنه "بدأت مسيرتي الفنية من خلال مشاركتي بدور قصير أنهى خوفي وشجعني للمشاركة في عدة مسرحيات منها مسرحية "الراكبون إلى البحر"، و"كوميديا الأيام السبعة"، كما أنني لعبت دور البطولة العام الماضي في الأعمال التي عرضت بمهرجان "آرين الثاني" الذي أقيم في مدينة كوباني".

وعن التحديات التي واجهتها بينت أن المحيط لم يكن داعم "كان الرفض سيد الموقف لأسرتي تجاه ممارستي للهواية التي أحبها لكني تمكنت من إثبات أنني امتلك موهبة مميزة، وليس بمقدور أي أحد أن يمارسها، وشرحت لهم أن الفن هو رسالة سامية من أجل نقل صوت وصورة الحقيقة للواقع، ونتيجة ذلك بدأوا بدعمي وتشجيعي".

وعن المراحل التي مر بها واقع الثقافة والفن في مقاطعة الرقة أوضحت "عصفت بمدينة الرقة في السنوات السابقة العديد من الأحداث منها تهميش النظام السابق للمنطقة، كما أن فترة سيطرة داعش أثرت كثيراً حيث عمل هؤلاء المرتزقة على طمس وتغييب الفن والثقافة، فمن امتلك موهبة فنية أخفاها تخوفاً من العقاب، فمن يقومون بممارسة أي نشاط ثقافي أو فني يتم تجريمهم ومعاقبهم".

ونوهت إلى النهضة الثقافية والفنية التي تحققت في ظل الإدارة الذاتية "التشجيع والدعم الذي توليه الإدارة الذاتية لجانب الثقافة والفن من خلال تأسيس المراكز الثقافية والفنية أعاد نبضات القلب وساهم في تدفق الدم للشرايين وتلونت الحياة من جديد بحناجر من ذهب، ما حدث يعد قفزة تاريخية ومفصلية في واقع الثقافة والفن بمدينة الرقة، فاليوم نرى المستوى الثقافي والفني الذي وصلت إليه مدينتنا".

وبينت هبة خلف أنه "بعد سنوات التحرير ظهرت الكثير من المواهب الفنية والثقافية المميزة من كافة الفئات وانخرطت في المراكز الثقافية والفنية، فيعتبر مستوى الفن في المنطقة متقدم ويحتل المرتبة الأولى مقارنة مع بقية المناطق السورية، وهذا ما توضح لنا من خلال المشاركات القليلة التي قمنا بها في المهرجانات التي تقام في المنطقة".

وأوضحت أن المرأة الفراتية تمكنت من إعادة إحياء تراثها العريق "المرأة من أوائل الذين انخرطوا في المجال الفني وقد عززت دورها بمشاركات قليلة نتيجة للعادات المجتمعية البالية لكن مع مرور الوقت كسرت هذه الحواجز، وشاركت بمواهبها الفنية في الدبكات والعزف والرقص والأغاني التراثية العريقة والتي كانت مغيبة لتعيد بذلك إحياء تراثها وهويتها الثقافية التي تمثلها وتعبر عنها".

ولفتت إلى أنه "لطالما عرفت واشتهرت مدينة الرقة بمواهب أهاليها واحتضانها قامة من الفنانين والفنانات الذين اشتهروا وتميزوا بصوتهم الفراتي العذب وادائهم الجميل للألحان والعزف باللون الفراتي المميز، ونرى الاهتمام  الكبير من قبل الفئة الشابة من شباب وشابات، واجتهادهم في تقديم وتطوير أدائهم لتحقيق نهضة فنية مميزة، فلدينا مثل يقول من شرب من نهر الفرات كل شيء فيه عذب".

وأشارت هبة خلف إلى إعداد أغاني وفيديوهات مصورة باللغتين العربية والكردية "قاربنا بين ثقافتين مختلفتين نسبياً، فلكل ثقافة لون يختلف عن الآخر ودمجهما في الأغنية أضفى طابع جميل ومميز، فهذا التناغم هو من أعطى جمالية وجذب أكثر، وأظهر اللوحة الفسيفسائية التي تحتضنها مدينة الرقة وأظهرنا من خلال فننا مفهوم التعايش المشترك بين مكونات المنطقة".

وعن تطلعاتهم كفنانين لمستقبل الفن في مدينة الرقة أكدت العضوة في مكتب المسرح لمركز الثقافة والفن هبة خلف "نعمل على تطوير مواهبنا الفنية ونطمح لتوسيع مشاركاتنا خارج مناطق إقليم شمال وشرق سوريا لنصل إلى كل السوريين فالفن رسالة سامية ونسعى لإيصالها إلى جميع أنحاء العالم"، واصفةً تجربتها في المسرح بأنها تمثل رسالة سامية، وترفع من مستوى التوعية للمرأة، وتعزز من مكانتها المجتمعية.

 

 

حناجر تعيد الحياة للنسيج الاجتماعي

ومن جانبها تحدثت عضوة فرقة الغناء بمركز الهلال الذهبي ميديا محمد عن تجربتها الغنائية "اكتشفت هوايتي في الغناء منذ الطفولة، وشاركت في حصص الغناء والموسيقا المدرسية، لتشجعني عائلتي وأصدقائي للانضمام إلى المركز الذهبي، لتنمية وتطوير موهبتي في الغناء بشكل احترافي" .

وعن اللون الذي تغنيه بينت "أغني جميع الألوان واللغات لكن أفضل دائماً الغناء بالكردية فهي لغتي الأم والأحب إلى قلبي كما أغني بالعربية لإظهار النسيج الاجتماعي الذي تتميز به المنطقة". 

ولفتت إلى التحديات التي واجهت مسيرتها الفنية "كانت خطواتي الأولى مكللة بالخوف من الفشل لكن بالإرادة والعزيمة خضت هذه التجربة الجميلة، وكسرت حاجز الخوف والتردد".

وترى ميديا محمد أن افتتاح المراكز الفنية والثقافية في المنطقة ساهم في تنمية المواهب الفنية "لافتتاح المراكز الفنية والثقافية دور كبير في استقطاب المواهب الفنية المميزة والجميلة وتنميتها وتطويرها خاصةً بعد أعوام من غياب دور المرأة والفن في المنطقة باتت اليوم هناك نهضة ثقافية وفنية نسائية".

وتعتبر أن الغناء جزء منها وهو الحالة الوحيدة التي تتمكن من خلاله من إيصال إحساسها "الغناء يمثل الحياة بالنسبة لي وهو رسالة  للتعبير عن الواقع وما يعيشه المجتمع من قضايا، وهو وسيلتي الوحيدة للبوح بأشياء من الصعب إظهارها".

وطلبت من النساء والفتيات أن تنمين مواهبهن "أشجع جميع الشابات اللواتي يمتلكن أي موهبة كانت سواء غناء أو عزف ألا يترددن بالانضمام إلى مركز الهلال الذهبي وتنمين مواهبهن، وأن تكسرن حاجز الخوف وتخضن تجربتهن وتصبحن قدوة لغيرهن فالمرأة قوية وقادرة، فمن خلال تعزيز مواهبها ترتقي بمجتمعها" .

 

 

المراكز الفنية تساهم بارتقاء المجتمع

وعن تجربتها في مجال الدبكات الشعبية قالت العضوة في مركز الهلال الذهبي ميرال محمد "منذ صغر سني كان لدي ميول وحب لفنون الدبكات الشعبية، وبعد أن كبرت بات لدي شغف أكبر لتعلم فنون الدبكة لذا انضممت إلى مركز الهلال الذهبي، وتعلمت العديد من الفنون الأخرى كالعزف على الدف والكمان أيضاً".

وبينت أنه "واجهتني العديد من الصعوبات من خلال ممارستي لأكثر من موهبة والتنسيق بينها في آن واحد وهذا ليس بالأمر السهل لكني لم أستسلم بل تحديتها بكل عزيمة وإصرار فلا نجاح وتفوق دون تعب ومجهود".

ووصفت ميرال محمد تأسيس مركز الهلال الذهبي بنقطة مفصلية في واقع الفن عامة والمرأة خاصةً "ساهم مركز الهلال الذهبي من خلال افتتاح العديد من التدريبات في كافة المجالات الفنية في تشجيع المجتمع على التحرر الفكري والثقافي تجاه الجانب الفني وتعزيز دور المرأة فيه".

ونوهت إلى أن مركز الهلال الذهبي يعمل منذ تأسيسه على الاهتمام ودعم وتشجيع المواهب الفنية للفئة الشابة، "أدعوا جميع الفتيات الموهوبات لأن ينضممن للمراكز الفنية في المنطقة، ويغتنمن هذه الفرصة المميزة".

وتعتبر ميرال محمد تجربتها وتنمية عدة مواهب فنية في آن واحد إنجاز حقيقي وجميل بالنسبة لها كامرأة "أشعر بالفخر والاعتزاز حيال تجربتي الفنية فقد تمكنت من الانخراط والمشاركة في مختلف الفنون وأصبحت قدوة للعديد من الفتيات".