نسرين المؤدب: الكاتبات وحدهن تعرفن كيف تنبض روح المرأة في الكتابة

تؤمن الأديبة التونسية نسرين المؤدب أن إيصال معاناة النساء مهمة تنجح فيها الكاتبات فقط، لذلك من الضروري الاستماع لهن ودعمهن وتوفير المسارات لتكتبن وتبدعن.

زهور المشرقي

تونس ـ تقول نسرين المؤدب في أسئلتها الثائرة "كيف نروي سيرة نساء ثلاث من دون أن نسقط في فخ الوصفات الأنثوية الجاهزة؟ وكيف نحول وصم النبت الشيطاني أو زريعة إبليس، بحسب العبارة التونسية الدارجة، إلى كشاف يسلط الأضواء على المسكوت عنه في قصص النساء وأعطابهن وآلامهن وميراثهن المخفوق جيداً في وعاء المحرم الاجتماعي من دون أن نجازف بالهتك... هتك سحر القصص نفسها؟ بل كيف نقبض على الأنثوي الهارب من الأنثى إلى الصدور المغلقة والرسائل المضمخة بالدموع والأسرار المنقولة من جيل إلى جيل من دون أن نغامر بإرهاق السرد بالألاعيب الإيهامية؟".

اعتبرت الكاتبة نسرين المؤدب، أن كتاب "زريعة ابليس" الذي كان عنوانه استناداً على الموروث الشعبي وعبارة توصف بها النساء وتناولت موضوع الإثم والخطيئة ونظرة المجتمع لهن من خلال ثلاث نساء من ثلاث أجيال متعاقبة اللواتي عانين من كارما توارثنها عبر أجيال وكيف حاولت "حورية" الشخصية الرئيسية الخروج من هذه الكارما بأسلوبها دون خوض ثورة عنيفة وسعت للقطع مع الفكر الذكوري بطريقة مختلفة دون صدام بل حاولت الغوص في داخلها ومشاعرها في مسار يُخرجها من تلك اللعنة لتغيير مصير أسرتها.

وعن اختيارها التحيز للنساء، قالت "لا يمكن أن أكون امرأة ولا أحمل مشاكلها ومشاغلها في مجتمع أبوي ذكوري حيث برغم المكتسبات التي حققتها التونسيات لازالت المعاناة مستمرة عبر سلوكيات ومظاهر مختلفة تشعر بها المرأة فقط، وأيضاً أخترت التحيز لكل القضايا الإنسانية العادلة وأن كانت قضية المرأة جزءاً منها، لا أحبذ أن يتم حصري في قفص ما، أريد التحليق نحو كل القضايا ولذلك كتبتُ "الخرزة الزرقاء" التي غُصتُ عبرها في قضايا إنسانية كاملة في علاقة بالتكنولوجيا والبيئة وكل ما نشاهده اليوم فيما يخص التحديات التي تواجهها الإنسانية".

وعن كتابها "الخرزة الزرقاء"، أوضحت نسرين المؤدب أنها تحاكي قيمة الإيمان والأمل في عصر طغت فيه التكنولوجيا والحروب وبدأت الرواية في عيد الحب وانتهت أيضاً بنفس الموعد "جاءت الفكرة وأنا أتحسس مناخ التوتر الذي نعيشه، ومخاوف كثيرة وُلدت من رحمها الخرزة التي فيها من الواقعية السحرية والكثير من الخيال الممتع".

وبالعودة لأول عمل للكاتبة نسرين المؤدب وهي رواية "المرآة الآسنة"، علقت "كانت الفرحة الأولى بعد سنوات من الصمت عن الكتابة والكلام، أفكار مكبوتة حاولتُ إخراجها للعالم، هي الرواية الأقرب لي، كنت عفوية في مرآتي".

وعن الكتابة النسوية وأهمية وجودها للتعبير عما تعيشه النساء، أكدت أنها مهمة وتنجح دائماً في وصف شعورهن وإيصال المعاناة كما هي وتتألق دائماً الكاتبات في معالجة القضايا النسوية بشكل واضح وسلس لأنهن غالباً تعشن تلك القصص.

وعن مدى مساعدة الثورة التونسية عام2011 للأديبات للكتابة بشكل أكثر حرية وجرأة في عرض القضايا، قالت "كسرت صمت النساء وأزالت العواقب عنهن وبنت لهن مساحةً للكتابة والظهور أكثر، وقد برزت كاتبات كثيرات بعد الثورة واكتشفت ذواتهن وإبداعاتهن، وبرغم بعض التابوهات في مجتمعنا استمرت النساء في الكتابة دون خوف مع العلم أن هناك مواضيع تقربها الكاتبات بوجل لاعتبار حساسية المجتمع".

وأضافت "كتابة الرواية بصفة خاصة تجعل القلم أكثر تحرراً، حيث تمنح المساحة رمزية لإيصال الفكرة، وتعطي الفرصة للكاتبة الكتابة في كل المواضيع دون خدش المجتمع وهذا يخدم مختلف القضايا".

وعن التعامل مع الكاتبة من قبل المجتمعات الشرقية عموماً، أفادت بأنها عادة ما تكون قاسية خاصة في تناول القضايا الجريئة لذلك يسعى المجتمع الذكوري للسخرية من الكتابات والتقليل من شأنهن مقارنة بكتابات الرجال، لكن هذا لا يمنع وجود كتاب ذكور يدعمون كثيراً النساء ويؤمنون بهن "نتمنى الخروج من باب المقارنات ونتحدث فقط على الكتابة ومعالجاتها الإنسانية لقضايا حقوق الإنسان بشكل عام، نحن نكتب من أجل الإصلاح والتطوير والنهوض بقضايا النساء ولا نريد أن نقارن بعضنا لأن الهدف واحد".

وتطرقت إلى الروابط بين الكاتبات من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودعمهن المتبادل، مشيرة إلى أن مسيرتها الأدبية انطلقت من خلال كتاب جماعي بعنوان "عاشرهن"، الذي كتبته تسع كاتبات بالتعاون لإنتاج رواية تعبر عن تجاربهن بحرية، لافتةً إلى أن الصحفي والكاتب وليد أحمد الفرشيشي هو من تبنى هذا المشروع، وهو يعد من أبرز الداعمين للأدب النسائي في تونس من خلال دار النشر "اركاديا".

تتناول هذه التجربة، التي تُعتبر سلسلة من القصص، مساهمات من أقلام حرة نسائية ورجالية، تتحدث عن رجل ترك آثاراً سلبية في حياة كل واحدة منهن، حيث اعتُبر منحرفاً نرجسياً. حاولت هؤلاء النساء تصفية حساباتهن معه، ليس من خلال شيطنته، بل من خلال فهم الجانب النفسي لشخصيته ومعالجة الأسباب التي دفعته للتعامل معهن بهذه الطريقة المؤذية.

تحدثت نسرين المؤدب عن رغبة بعض النساء في الكتابة، وما يعتريهن من مخاوف بشأن ردود الفعل المجتمعية أو الفشل، موجهة إليهن رسالة مفادها "أنا أؤمن بشدة بنداء الروح. إذا شعرتِ أن الكتابة هي طريقك، فلا تترددي في السير فيه، متجاهلة الأصوات المحبطة. استمري في الاستماع إلى حدسك، فالتشبث بالحلم أمر ضروري، ويجب العناية به ورعايته من خلال توفير الظروف الملائمة لتحقيق النجاح".