فتحية السعيدي: "الشّعبوية" يمكن أن تعود بالمرأة التونسية إلى ما قبل الحداثة

أكدت الدكتورة في علم الاجتماع فتحية السعيدي أن "الشعبوية" في تونس على مستوى النظام السياسي يمكن أن تعود بالمجتمع إلى ما قبل الحداثة وتلغي أي حقوق للنساء.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ صعدت "الشعبوية" للحكم، بالآليات الديمقراطية ذاتها التي وضعتها النخب التونسية بعد الثورة، فاستفادت من الحريات التي كرستها، وبذلك يمكن القول إن جذور الشعبوية في تونس تعود للأزمات التي عاشتها البلاد على امتداد السنوات العشر التي لحقت بالثورة، وتم تعريفها من قبل عدد من الفلاسفة بأنها آلية من آليات الوصول إلى الحكم.

عرفت الدكتورة في علم الاجتماع فتحية السعيدي الشعبوية في علم الاجتماع على أنها إيديولوجيا الاستياء بمعنى هي ردة فعل على وضع أو حالة استياء عامة داخل المجتمع أو على مجتمع يعيش أزمة أو أزمات متعددة.

جاء حديث فتحية السعيدي على هامش الندوة العلمية التي نظمها المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس بالتعاون مع الجمعية التونسية لعلم الاجتماع، والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والجمعية العالمية للسوسيولوجيين الناطقين بالفرنسية، ومخبر ايكيموس تحت عنوان "المجتمع الآتي من راء الأزمات".

وأوضحت فتحية السعيدي أن صعود الشعبوية في المجتمع التونسي هو صعود تيارات مختلفة ومتنوعة "يمكن أن نجد جذور هذه الشعبوية في الأزمات التي عاشتها تونس على امتداد السنوات العشر التي سبقت 2021 والتي اتسمت بالعديد من الأشياء التي تبين خلالها وجود مجموعة من الأزمات".

وأضافت أن الحوار العام أو العمومي لم يكن حواراً حول البرامج الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن حواراً حول كيفية إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وإنما كانت هناك معارك حول الهوية أي بين قيم الحداثة وقيم الأصالة وبين الإسلام السياسي والحداثيين، كما يوجد خلاف أيضاً ومعركة كبرى حول الدستور ومدنية الدولة التي تراجعت بدورها.

ولفتت إلى أن "مدنية الدولة بعد إقرارها في 2014 تم التراجع عنها في 2022 وهي معركة من المعارك التي خاضها المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين داخل المجلس الوطني التأسيسي وبعدها المعركة حول إدارة السلطة والحكومة والاستئثار بالحكم أي مختلف التحالفات ومن يحكم مع من".

وأشارت إلى أنه "كان هناك بلورة لكل ما هو سياسي وابتعاد شبه كلي عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي مجموعة الأهداف التي قامت من أجلها الثورة على غرار العمل والكرامة فلم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تحقيق شيء ملحوظ في مجالها، وفشلت السياسات العمومية وتواصل فشلها حتى بعد 25 تموز 2021".

وأكدت أنه تم استغلال تلك الأوضاع وطفت على السطح تيارات وأحزاب شعبوية خاصة بعد انتخابات 2019 "الشعبوية موجودة بعد 2011 ومنها حزب العريضة الشعبية الذي سوق خطاباً شعبوياً خلال الانتخابات وقدم وعوداً انتخابية زائفة، ولكن بعد انتخابات 2019 رأينا انتخابات شعبوية موجودة في البرلمان أو موجودة على رأس السلطة أي في مستوى رئاسة الجمهورية وهي تيارات شعبوية متصارعة مثل ائتلاف الكرامة".

وأيدت فتحية السعيدي رأي عدد من الفلاسفة الذين يعتبرون الشعبوية آلية من آليات الوصول للحكم "الشعبوية بالنسبة لي هي أكثر من وصم اجتماعي وهي كما اعتبرها الفيلسوف الأرجنتيني أرنستو لاكلو والناشطة البلجيكية شانتال موف بآلية من آليات الوصول إلى الحكم وهي استراتيجية اتصالية تحاول القيام بها بناء ما يسمى بالشعب والشعب في نهاية المطاف ليس معطى موضوعياً، وإنما مجموعة من الفاعلين حول حزب سياسي شعبوي أو حول زعيم شعبوي لذلك داخل الشعبوية نجد نوعاً من التماهي مع الزعيم الشعبوي سواء زعيم حزب أو زعيم تيار يمثل الشعب في مطالبه وطموحاته".

وأشارت إلى أن الواقع لم يثبت ذلك لأنه "بالنسبة لنا لم يكن هنالك أي انجاز في هذا الاطار إذاً الشعبوية هي آلية من آليات الوصول إلى الحكم من أجل الحكم أو ما يسمى الديمقراطية الراديكالية التي تعتمد على نوع من الديمقراطية المباشرة، لكن في نهاية المطاف بالنسبة للفيلسوفين الذين نظرا لشعبوية اليسار وجدا نوعاً من التناقض في المجال السياسي العام بمعنى كيف يمكن أن نحل الإشكال بين الـ "نحن" و"الهم" ولذلك شانتال موف تتحدث عن الديمقراطية المنتفضة لكن في نهاية المطاف تبين أن الشعبوية تؤدي إلى نوع من النظام الكلياني الشمولي الذي يأخذ كل السلطة لديه وهذه سمة الشعبوية عند اليسار أو اليمين".

وبينت فتحية السعيدي أنه "في نفس الإطار من بين الأشياء المهمة نجد أن الشعبوية تطمس الانقسام السياسي بين اليمين واليسار لأنها تضع الخلاف السياسي أو المنازعة السياسية في المجال الأخلاقي المعياري، وهنا تجدها بين الصادق وغير الصادق، والنزيه وغير النزيه، وتعتبر هذه الثنائيات بين الـ "نحن" و"الهم" في نهاية المطاف تقسيم للشعب بين الشعب والنخبة، وبين الشعب كجسم اجتماعي غير مهيكل، والشعب كجسم مهيكل ومدني من جمعيات وأحزاب ونقابات لذلك تلغي الشعبوية الأجسام الوسيطة".

وأشارت إلى أن "الشعبوية برزت نتيجة أزمة في صفوف النخبة والسياسيين والأحزاب وعندما نعود إلى سنة 2019 نجد اهتراء للأحزاب وتفككا وصراعات حول السلطة والحكم لكن الشعبوية بما أنها تتجه إلى الديمقراطية المباشرة فإن الزعيم الشعبوي أو الحزب الشعبوي لا يرغب في وسيط من مجتمع مدني بجمعياته وأحزابه لذلك تم الغاء جميع الوسائط بما في ذلك وسائل الإعلام". 

وأوضحت أن الشعبويين أو التيارات الشعبوية لا تعتمد وسائل الإعلام بل وسائل التواصل الافتراضي لأنها وسيلة مباشرة تضع الحاكم في نقاش مباشر مع الشعب "نذكر كيف لعبت وسائل التواصل الافتراضي دوراً في صعود حركة النجوم الخمسة في إيطاليا وترامب في الولاية الأولى لأن ترامب نفسه هو زعيم يميني شعبوي وستكون لسياساته انعكاسات سلبية على المجتمع".

 

تأثير الشعبوية على النساء

ولأن المرأة تتأثر بجميع السياسيات وربما هي المستهدف الأول أكدت فتحية السعيدي أنه "بالنسبة لتونس باعتبار أن الشعبوية يمينية سيادية وشعبوية محافظة فإن الآثار ستكون مضاعفة على النساء وهذا نجده من خلال التراجع في التناصف والعودة إلى مقاصد الشريعة في الفصل 5 من الدستور، وماله من آثار على العديد من المكتسبات على المرأة بما في ذلك التبني وزواج المسلمة بغير المسلم فبشكل عام هناك تراجع وعدم اعتراف بدور النساء ولو كان بشكل غير مباشر، وأدى ذلك إلى تسجيل نسبة ضعيفة في المجالس النيابية المنتخبة والبرلمان لأنه تم إلغاء التناصف كاستراتيجية مرحلية للتمكين السياسي للنساء".

وأضافت "تونس اتجهت إلى نظام اقتراع قائم على الأفراد ونحن مجتمع مازال يعيش ثقافة جمعوية والفرد لا قيمة له في إطار الجماعة وعندما تكون هناك ما نسميه الجماعة فإن السلطة فيها تكون للرجل وليس المرأة التي لن تجد نفسها في نظام قائم على الأفراد في الأرياف لأنهم يعتبرون مكانها المنزل وليس المجال العام وهي العقلية السائدة".

واختتمت الدكتورة في علم الاجتماع فتحية السعيدي حديثها بالتأكيد على أن "الشعبوية التي نعيشها في تونس على مستوى النظام السياسي ستعيد المجتمع ربما إلى ما قبل الحداثة أي إلى ما قبل حقوق النساء، وبطبيعة الحال حقوق النساء هشة والتراجعات كثيرة وكل الظواهر الاجتماعية في ارتفاع من قتل وعنف ضد المرأة وغير ذلك، رغم القانون عدد 58 الذي يعتبر أول قانون على مستوى عربي وخامس قانون على مستوى دولي فهذا القانون لم يمنع العنف الذي هو بارتفاع مستمر وكأنه لا قيمة لحياة النساء، ففي الأيام القليلة الماضية تم تسجيل خمس جرائم قتل بحق نساء ونحن ربما في علم الاجتماع نفسر ذلك بأنه عندما نكون في أزمة فإن الجريمة والعنف وكل الظواهر الاجتماعية تزيد".