المرأة الكردية في سوريا من الهامش إلى الطليعة السياسية
تتقدم النساء الكرديات بمشروع متكامل لتحرير المرأة، ليس فقط من قيود المجتمع، بل من قيود الدولة المركزية ونظرتها الأحادية للهوية والسياسة.

لميس ناصر
دمشق ـ في خضمّ نضال طويل ضد التهميش والاضطهاد، شكّلت المرأة الكردية أحد أبرز وجوه الحراك السياسي والاجتماعي في سوريا، فبينما فُرضت قيود مشددة على الحضور النسائي في الفضاء العام، استطاعت النساء الكرديات، منذ خمسينيات القرن الماضي، أن يشكّلن نموذجاً مختلفاً في النضال والتمثيل السياسي، وفرضن وجودهن في المشهد العام، سواء عبر المشاركة الحزبية، أو التنظيم المجتمعي، أو حتى المقاومة المدنية.
جذور سياسية عميقة
تعود جذور هذا الحضور النسائي الكردي إلى اصالة المرأة الكردية ودورها الريادي في تأسيس المجتمعات، حيث كانت المرأة حاضرة رغم كل العوائق، وعن ذلك قالت ستير قاسم، عضو مجلس المرأة بإقليم شمال وشرق سوريا "المجتمع الكردي لم يشكل عائقاً أمام دخول المرأة في العمل السياسي، رغم وجود بعض القيود التقليدية. كان للمرأة حضور في الأحزاب السياسية، وإن لم تصل دائماً إلى المواقع القيادية، لكنها مهدت الطريق لانطلاقتها اللاحقة".
من جهتها، أكدت عبير حصاف، ناشطة سياسية وعضو مؤسس في مجلس المرأة بإقليم شمال وشرق سوريا، أن مشاركة المرأة الكردية في الحراك السياسي كانت طبيعية نظراً لحجم الاضطهاد الذي تعرض له المجتمع الكردي بشكل عام "المرأة لم تكن بعيدة عن الحياة السياسية، وكانت سبّاقة في المشاركة بكل مراحل النضال الكردي، من التظاهرات إلى التنظيم الحزبي، وصولاً إلى الثورة السورية".
الثورة نقطة تحول
شكلت الثورة السورية منذ 2011 محطة بارزة في مسيرة النساء الكرديات، اللواتي وجدن فيها مساحة لتوسيع مشاركتهن في كافة جوانب العمل العام، فإلى جانب المقاومة، لعبت المرأة الكردية دوراً محورياً في نشر المفاهيم الديمقراطية، وتنظيم العمل المدني والعسكري والاقتصادي.
وبينت عبير حصاف أنه "خلال الثورة، لعبت المرأة الكردية دوراً طليعياً في تنظيم باقي النساء والمكونات، وساهمت في كسر الخطاب الذكوري والطائفي الذي كان يعطل المشاركة المجتمعية الفعالة".
ماذا تريد النساء الكرديات من الحكومة المقبلة؟
ترى كل من عبير حصاف وستير قاسم أن النساء الكرديات يطمحن إلى تمثيل سياسي عادل ومنصف، ليس فقط لأنهن يشكلن نصف المجتمع، بل لأنهن كنّ في مقدمة من نظم وأدار الحياة المدنية في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا.
فتقول عبير حصاف "نريد تمثيلاً يعكس خصوصيتنا كنساء وكرديات، ونطمح أن نكون شركاء حقيقيين في صياغة مستقبل سوريا، وفي مراكز صنع القرار", بينما تؤكد ستير قاسم أن "المرأة الكردية قدمت الكثير، ومن غير المنصف أن تُقصى عن مواقع القيادة في المستقبل، خاصة وأنها أثبتت نجاحها في كافة المستويات".
عقبات أمام التعميم والنقل
ورغم نجاح التجربة النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا، لا تزال هناك صعوبات في تعميم هذا النموذج على باقي المناطق السورية. وترى الناشطتان أن أبرز العوائق تتمثل في الانقسامات المجتمعية، والأحكام المسبقة، والخطابات التخوينية التي روجت لها الأنظمة الاستبدادية.
وتوضح ستير قاسم أن "الأنظمة القديمة عملت على تفريق المكونات السورية، وزرعت الشك بينها، لكن اليوم، هناك محاولات جادة للتواصل والانفتاح، ونحن نحاول نقل هذه التجربة لباقي النساء السوريات".
في حين تؤكد عبير حصاف أن "حرية المرأة يجب أن تتحول إلى ثقافة مجتمعية، وإن بقيت المرأة محصورة في مناطق محددة أو مشاريع فردية، فسرعان ما ستتبخر".
اليوم، وبعد أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية، تتقدم النساء الكرديات بمشروع متكامل لتحرير المرأة، ليس فقط من قيود المجتمع، بل من قيود الدولة المركزية ونظرتها الأحادية للهوية والسياسة، وبينما يفتح سقوط النظام الباب أمام مرحلة جديدة، تصرّ هؤلاء النساء على أن تكون التجربة التي قدمنها، حجر أساس في بناء سوريا ديمقراطية، تتسع للجميع نساءً ورجالاً.