بعيداً عن السياسة عراقيات تؤكدن عمق الروابط مع الشعب السوري

تحمل الزيارات المتبادلة بين الحكومة العراقية وأطراف من جهاديي هيئة تحرير الشام، أبعاداً سياسية وأمنية مع وجود اتهامات تاريخية للجولاني (أحمد الشرع) بالمشاركة في عمليات قتالية ضد العراقيين بعد 2003 كجزء من تنظيم القاعدة.

رجاء حميد رشيد

العراق ـ في ظل التعقيدات السياسية والصراعات الإقليمية التي ألقت بظلالها على العلاقات بين بعض الحكومات، يبقى صوت الشعوب أقوى وأكثر تعبيراً عن الروابط الإنسانية العميقة التي تجمعها، ورغم المواقف المتباينة تجاه بعض الجهات الرسمية، فإن العلاقات بين الشعبين العراقي والسوري لا تزال قائمة على أسس الأخوة والتاريخ المشترك.

في هذا الإطار، أبدت شخصيات عراقية بارزة مواقف واضحة تؤكد التمييز بين الشعوب والحكومات، وتدعو إلى تعزيز التعاون الإنساني والثقافي رغم التحديات.

أوضحت لينا عماد الموسوي مدرس مساعد في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، أن هذا الموضوع يعد من المواضيع بالغة الحساسية في العلاقات الإقليمية، خاصة بين العراق والحكومة المؤقتة في سوريا والتي يبرز فيها دور أحمد الشرع (الجولاني) زعيم هيئة تحرير الشام سابقاً والرئيس السوري حالياً، وما يُثار حول ماضيه وجرائمه في العراق بعد عام 2003.

ويبرز ذلك من خلال أمرين الأول تأثير الزيارات المتبادلة على العلاقات الثنائية في ظل الاتهامات الموجهة لأحمد الشرع حيث تعد الزيارات المتبادلة بين الحكومة العراقية وأطراف في الحكومة المؤقتة في سوريا، والتي تمثلها قوى ذات نفوذ فعلي كهيئة تحرير الشام، تحمل أبعاداً سياسية وأمنية مركبة، لا سيما مع الاتهامات التاريخية للجولاني بالمشاركة في العمليات القتالية ضد العراقيين بعد 2003 بصفته السابقة في تنظيم القاعدة.

وأشارت إلى التأثيرات المحتملة وتشمل توتر شعبي وسياسي داخلي في العراق "أي انفتاح رسمي أو غير مباشر على الجولاني قد يُقابل برفض من قطاعات شعبية ومجتمعية واسعة، خاصة في المحافظات التي عانت من العنف بعد الاحتلال الأميركي".

 

"إعادة هيكلة الجماعات المتطرفة بغطاء سياسي"

وعن إرباك العلاقات الإقليمية، تقول "قد يؤدي هذا التقارب إلى تصعيد المواقف مع حلفاء سوريا سابقاً كإيران وروسيا الذين يعارضون هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى فرصة لبراغماتية سياسية محدودة، فبرغم التاريخ العدائي، فإن بعض الأطراف العراقية قد ترى في التواصل مع الحكومة المؤقتة مصلحة أمنية لاحتواء التهديدات العابرة للحدود من سوريا، خصوصاً فيما يتعلق بتهريب السلاح أو تسلل عناصر متشددة".

وأضافت "الأمر الثاني هو المخاوف والتحديات وكيفية تعزيز الثقة والتعاون المشترك ويشمل المخاوف الرئيسية، الإرث الدموي للجماعات المسلحة خاصة مشاركة الجولاني في معارك الفلوجة والرمادي ضمن تنظيم القاعدة، وهو ما يجعل أي تقارب معه مسألة أخلاقية وسياسية مثيرة للجدل".

وتتخوف من إعادة هيكلة الجماعات المتطرفة بغطاء سياسي "يُخشى أن يُمنح للجولاني شرعية تدريجية عبر الحوار السياسي، ما قد يشجع جماعات أخرى على محاولة الوصول للسلطة بالسلاح، فضلاً عن تهديد استقرار المناطق الغربية في العراق بسبب احتمالية تمدد النفوذ الفكري أو التنظيمي لهيئة تحرير الشام عبر الحدود".

واقترحت لينا الموسوي خطوات لتعزيز الثقة من خلال وضع معايير واضحة للتواصل، بما يشمل اشتراط تخلي الحكومة المؤقتة عن الشخصيات المرتبطة بانتهاكات سابقة بحق العراق، وفتح قنوات دبلوماسية مشروطة ومحددة المهام: مثل التنسيق حول أمن الحدود، ومكافحة التهريب، دون الاعتراف السياسي الكامل، ويمكن أيضاَ إشراك أطراف دولية كوسيط لتخفيف حدة التوترات وضمان عدم انزلاق العلاقات إلى دعم قوى مشبوهة.

 

 

"لا يمكن معاقبة شعب بأكمله بسبب تصرفات فرد"

من جانبها قالت مها الصكبان رئيسة مجلس إدارة مركز حقوق المرأة  الانسانية، إن شريحة واسعة من العراقيين تحمّل الحكومة المؤقتة في سوريا، وعلى وجه الخصوص أحمد الشرع "الجولاني"، مسؤولية المشاركة في الأعمال القتالية ضدهم منذ سقوط النظام في العراق عام 2003، وهو أمر تؤكده المذكرات الدولية وشهادات الشهود، بالإضافة إلى الجائزة التي رصدتها الولايات المتحدة لمن يساهم في القبض على الجولاني.

وأكدت أنه لا يمكن معاقبة شعب بأكمله بسبب تصرفات فرد، فالجولاني هو شخص واحد، لكن حينما أصبح ممثلاً لدولة، من غير العدل تحميل الشعبين السوري والعراقي تبعات ما ارتكبه، كما أن المناصب ليست دائمة، وقد يأتي الوقت الذي يغادر فيه الجولاني موقعه الرسمي وتزول عنه الحصانة، وعندها يمكن محاسبته كفرد لا يمثل دولة.

 

 

فيما أكدت الإعلامية أشواق البدري رئيسة منظمة العائلة والمجتمع للتنمية المستدامة، أن الشعب العراقي يرتبط بعلاقة أخوة ومودة عميقة مع الشعب السوري، ولا توجد أي عداوة أو ضغينة بين الشعبين "لا يوجد خلاف مع الشعب السوري، بل الخلاف يتركز فقط على الحكومة السورية، بسبب ما تسببت به من أضرار كبيرة في العراق خلال فترة سيطرة داعش، وما خلفته من جراح عميقة في نفوس أهالي الشهداء نتيجة للقتل، والسبي، والتهجير الذي طال المحافظات المتضررة".

وأضافت "لهذا السبب، نحن نرفض الحكومة السورية ونتجنب التواصل معها، لأنه لا يمكن التوصل إلى تفاهم معها في ظل هذه الظروف. لكن في المقابل، لا توجد لدينا أي مشكلة مع الشعب السوري، فهم أهلنا وأشقاؤنا، والعراق هو بيتهم الثاني، كما أن سوريا الشقيقة هي بيتنا الثاني أيضاً".

وأوضحت أشواق البدري أن الشعبين العراقي والسوري يلتقيان باستمرار في المحافل الثقافية والفعاليات التي تنظمها المنظمات المدنية، مؤكدة أن هذه اللقاءات تعكس الروابط الأخوية العميقة بين الشعبين، مختتمة بالقول "نتألم بشدة لما يمر به أهلنا في سوريا من معاناة، من تهجير وقتل وقسوة، لأننا مررنا بتجارب مماثلة ونعلم تماماً حجم الألم الذي يعيشه الشعب السوري".