النسويات تشكين من الإقصاء في المبادرات المتعلقة بالوضع السياسي في تونس

بالرغم من الأمل الذي قدمته الثورة التونسية للنساء للتمركز بقوة في الحياة السياسية بعد إقصاء دام عقود من الزمن، إلا أنهن اليوم تنتفضن ضدّ واقعهن الحالي الذين ترين فيه تهميشاً لهن.

زهور المشرقي

تونس ـ عبّرت النسويات التونسيات في محطات كثيرة عن عدم الرضا بالتموقع الحالي لهن في الحياة العامة والسياسية، فهن اللواتي تقدن المجتمع المدني وتسعين للانخراط سواء في الأحزاب السياسية أو في الانتخابات، ظلّ وجودهن غير مجدياً.

تعدّدت المبادرات السياسية في تونس منذ الثورة والتي منحت للنساء مكانة حقيقية فيها، ومنذ عام 2011 سعين إلى الظهور بقوة وإبراز مشاريعهن وصياغتها في ورقات ومنهجيات تقدم الحلول في مختلف المجالات، لكن السلطات السابقة والمتعاقبة على الحكم، لم تكن مؤمنة فعلياً بقدرة النساء على التمركز حتى تكون الحركة النسوية في مقدمة الأطراف التي تتميّز بقوة المقترحات بدل من أن يتمّ تصديرها كديكور في مختلف المحافل الوطنية والمحلية.

ورغم الأوضاع السياسية الصعبة التي عاشتها تونس خلال السنوات الأخيرة، إلا أن النساء تحدين كل النظرات الدونية وحاولن البروز والمشاركة بفعالية في صياغة أوراق سياسة عامة في مختلف المجالات وتقديمها للسلطات، والتي أنتجت العديد من القوانين منها قانون لمكافحة العنف ضد النساء.

وترى الناشطة النسوية والدكتورة في الفلسفة السياسية سارة الزواري، أن ردة الفعل السلبية نسبياً تجاه الحركة النسوية سببها أنها قد ظلت حركة نبوية ترتبط بالنخبة التي لا تملك علاقة مباشرة بعامة الشعب في بلدان العالم الثالث، وكأنها فئة منزهة تعيش في البرج العاجي، وهو ما خلق ذلك الرفض والإقصاء للحركة التي تعيش علاقة متوترة مع العامة وحتى السلطة أحياناً.

وحول أساليب عمل النسويات والتواجد في السلطة ومراكز القرار تقول "على النسويات العمل على عدة مستويات متعددة وأولها التشريعات التي تعتبر تقدمية لكنها لم تنزه المرأة وتدفع بوجودها إلى المكان الذي تستحق، حيث يثبت الواقع اليوم مدى تراجع دور النساء ومكانتهن في ظل ضياع العديد من المكتسبات المهمة على غرار مبدأ التناصف وانعدام المساواة بين الجنسين على كافة الأصعدة برغم أن الأرقام تؤكد أن نسبة الفتيات في المعاهد والجامعات تفوق كثيراً الفتيان، لكن على مستوى العمل وتوفير فرص التمركز في مراكز القرار نجد الأولوية للرجال، في وقت تعاني فيه النساء من البطالة والفقر والإقصاء وهو يدل أن التشريع في خانة والواقع يناقضه تماماً".

وأضافت "المطلوب من الحركات النسوية مضاعفة العمل لتنفيذ القوانين الموجودة وسن أخرى تتماشى مع واقعنا اليوم وتتناسق مع نضالاتنا، فضلاً عن ضرورة العمل من أجل تغيير العقليات والنهوض بها خدمةً لقضايا النساء، برغم أننا نعلم جيداً أن هناك ضعف في الإرادة السياسية من ناحية الدفاع عن قضايا النساء".

ودعت النساء إلى التضامن من أجل استرجاع التناصف الذي تم التخلي عنه وهو أبرز مكاسب الثورة النسوية، منتقدة ضعف تمثيلية المرأة في مجلس نواب الشعب لهذه الدورة الحالية، تلك النسبة الضئيلة التي لا تمثل حقيقة التونسيات ومواقعهن ومقاومتهن عبر التاريخ، مشيرة إلى أن النساء مطالبات بالنضال من أجل افتكاك مكانتهن في السلطة لاعتبار أن الحقوق تفتك ولا تهدى.

وأوضحت أن السياسات العامة في تونس وخارجها لا تؤمن بالنساء في المراكز القيادية ولا تعمل من أجل ذلك الهدف، علماً وأن النساء هن من تقدن أسرهن والمتحملات لكل المسؤوليات "النساء في الريف هن من تؤمن الأمن الغذائي لنا، لكن حين نطلع على نسب النساء اللواتي تملكن الأرض سنتفاجأ، لأنه نادراً ما يتم تمكينهن من ذلك نتيجة العقلية الأبوية المستفحلة، وهو ما يفسر وضعية التونسية التي تعيش التراجع في كل مكتسباتهن، فحين نلقي نظرة بسيطة على معاناة الريفيات والفلاحات والكادحات ونطلع على الحوادث التي تعشنها يومياً في مكان العمل حين تنقلن بشاحنات الموت وتعملن في ظروف مأساوية ودون تغطية اجتماعية وتأمين صحي وغيره من الحقوق المهضومة، سنفهم وقتها المآسي التي تعاني منها التونسيات في كافة المجالات، فضلاً عن نسب النساء اللواتي تتعرضن للقتل بأبشع الطرق، وكلها مآسي تدعونا كنساء لمراجعة نظرتنا لواقعنا وللقوانين بعيداً عن ذلك الشعور المخادع بأننا حقفنا معجزات وحررنا المرأة التونسية، لازال العمل مستمراً والمسار متعثراً".

 

 

من جانبها قالت أستاذة القانون الدستوري حفيظة شقير، أن نضالات الحركة النسوية ساهمت في النهوض بواقع النساء وهي التي بدأت كحركة ديمقراطية ونجحت في تكريس الحقوق ووضع سبل لحمايتها، لافتة إلى أنها برغم الانتقادات والإقصاء قد دفعت برفع التمييز المسلط على النساء الذي جاء جراء النظام الأبوي السائد والذي يكتسي صبغة القداسة.

وأوضحت أن الحركة النسوية التي يتم شن الحرب ضدها هي من فرضت التناصف في القوائم الانتخابية وأجبرت الحكومة على الاهتمام بالعنف المسلط على المرأة وسن قانون لمحاربته، وذلك بناءً على إيمانها أن حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وأن المساواة التامة والكرامة حقوق كونية ضرورية وكلها تندرج تحت الديمقراطية.