الكوتا النسائية ... (6) المرأة في شمال وشرق سوريا... سنوات قليلة وإنجاز كبير
على الرغم من أن سوريا كانت من أوائل الدول التي أعطت المرأة حق التصويت والانتخاب، إلا أنها على مدى 7 عقود من الاستقلال لم تستطع إنصاف المرأة وإشراكها في مراكز صنع القرار
المرأة في شمال وشرق سوريا... سنوات قليلة وإنجاز كبير
مركز الأخبار ـ ، بينما تمكنت مناطق شمال وشرق سوريا التي لم يمضي على تأسيسها سوى سنوات قليلة من إشراك المرأة وتطبيق مبدأ المساواة الجندرية في كافة المجالات.
في سوريا ومع عدم وجود قوانين تقصي المرأة من المشاركة السياسية، لم تستطع السوريات الانخراط الفعلي في الحياة السياسية، وبقيت النساء على مدى عقود على هامش الأدوار السياسية.
يعود تهميش المرأة وإقصائها إلى عدة أسباب منها طبيعة المجتمع العشائري ومنها أسباب تتعلق بالسلطة نفسها حيث أنها لا تدعم المرأة، ويشكل نظام الحزب الواحد عقبة في طريق النساء، إضافة إلى المحسوبيات التي تنخر في جسد السلطة.
تمثيل ضعيف في غياب الكوتا
كانت سوريا سبّاقة في منح المرأة حقها في التصويت من خلال الدستور الذي صدر عام 1948، إلا أنه قيدها بالعديد من الشروط وهي أن تكون متزوجة وحاصلة على شهادة التعليم الابتدائي في وقت كانت فيه الأمية منتشرة بين النساء وحتى بين الرجال.
بعد إلغاء الشروط السابقة من دستور عام 1953، لم تدخل أي امرأة إلى البرلمان على الرغم من محاولة ثريا الحافظ ترشيح نفسها للانتخابات النيابية التي جرت في ذات العام، لم تنجح ثريا نتيجة لهيمنة النظام البعثي على السلطة، كما أنها لم تحصل على الدعم الشعبي.
بعد خمس سنوات من تعديل الدستور وتحديداً في عام 1958 سجلت جيهان موصلي ووداد أزهري أول حضور نسائي في البرلمان وذلك خلال الوحدة بين سوريا ومصر.
وفي الأعوام التي تلت الانفصال تأرجحت نسبة مشاركة النساء في البرلمان، ففي عام 1966 وصل عدد النساء إلى 13 امرأة، إلا أنه انخفض في البرلمان الذي تلاه عام 1971 إلى 4 نساء فقط.
وفي انتخابات عام 1973 تمكنت 5 نساء فقط من الحصول على العضوية من أصل 186 عضو بنسبة قليلة جداً لا تتجاوز (2.89%). فيما شهد عام 2007 أعلى تمثيل للنساء في تاريخ سوريا وهو 31 امرأة.
وكان للثقافة المجتمعية دور في غياب المرأة السورية عن المشهد السياسي، حيث تكرس النموذج الأبوي الذي يفترض تقييد مراكز السلطة بيد الرجل، وتقييد المرأة في النطاق الأسري.
المرأة السورية هي امرأة طموحة لكن وضعها تحت رحمة المجتمع وترك مصيرها للأصوات الذكورية التي تفضل التصويت بشكل دائم للرجال إيماناً منهم بأن هؤلاء أكثر كفاءة من النساء، أجبر الكثيرات منهن على الابتعاد عن معركة الترشح.
لم تكن سوريا خالية من الجمعيات والتنظيمات النسوية، إلا إنه مع صعود حزب البعث إلى السلطة في عام 1963، وتطبيق نظام شمولي من خلال السيطرة على مختلف مجالات الحياة الشخصية والعامة، عانت تلك التنظيمات مثل غيرها من مؤسسات المجتمع المدني من صعوبات ومعوقات كثيرة من خلال ممارسة النظام للقمع والاستبداد والظلم وانعدام الديمقراطية التي كانت من أهم المعوقات السياسية التي أبعدت المرأة عن المجال السياسي إلى جانب الضغوط الاجتماعية.
بقيت رابطة النساء السوريات التي تأسست في عام 1948، وهي من أولى المنظمات النسائية التي انضمت إلى الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. لكنها اغلقت هي الأخرى بعد إصدار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في 13 كانون الأول/ديسمبر 2006 كتاب إلى مديريات الشؤون في كافة المحافظات للتعميم على الجمعيات التابعة للحكومة بعدم التعامل مع الرابطة، بحجة أنها غير مرخصة وتابعة إلى الحزب الشيوعي السوري، وذلك بذريعة أن قانون الجمعيات يحظر عليها العمل بالسياسة.
النساء اللواتي استطعن الوصول إلى البرلمان كن على صلة قرابة بأحد السياسيين، كما كشفت ورقة للباحثين صموئيل عبود وهالة سليمان عن الأداء البرلماني للمرأة السورية "إن أغلب البرلمانيات وصلن إلى المجلس من خلال أحزابهن الموالية لنظام البعث، وكانت غالبيتهن عضوات في الاتحاد النسائي".
الاتحاد النسائي وهو الهيئة الوحيدة العاملة بعد أن حلت السلطة المنظمات النسائية التابعة لكافة الأحزاب المعارضة لها، لم يكن أكثر من أداة بيد النظام، يميل إلى الآخذ بخيارات ورغبات السلطة الحاكمة وليس تطلعات الطبقة الاجتماعية والنسوية.
لا يثق الشعب السوري بالبرلمان، وجزء كبير منه لا يساهم في العملية الانتخابية التشريعية ولا يدلي بصوته لأي مرشح، المرأة السورية كانت واعية لسخافة الانتخابات وحتى دور البرلمان الذي ليس إلا مجرد واجهة شعبية لا تقدم ولا تؤخر في القوانين والدساتير.
أما النساء اللواتي حصلن على عضوية في حزب البعث ومجلس الشعب (البرلمان)، فكان واقع حضورهن شكلياً لم يتجاوز تنفيذهن لأجندات النظام، وهو الأمر الذي لم يكن له علاقة بطرح قضايا المرأة ومعالجتها.
سنوات الحرب... إقصاء تام
مع زيادة وتيرة الصراعات في الشرق الأوسط بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، وتدخل العديد من الدول في الأزمة السورية وفشل المحادثات السياسية والدستورية التي عقدت لحل الأزمة، تعالت أصوات الشعب السوري لضرورة إيجاد حل سياسي سلمي ينهي الأزمة التي قتلت وشردت الآلاف من الشعب السوري.
في ربيع 2011 انتفض الشعب السوري في وجه الظلم والديكتاتورية والدولة القومية المستبدة وهيمنة السلطة، وشاركت المرأة في الاحتجاجات التي شكلت النقطة الفاصلة في حياتها، وحاولت الاستفادة من الثورة لتحصيل حقوقها التي سُلبت منها طوال عقود من الزمن.
لكن وعلى عكس المأمول تراجع الحضور النسائي داخل أجهزة الدولة مقارنة بما كان عليه قبل عام 2011، شهدت الدورة البرلمانية لعام 2016 تراجعاً في أعداد النساء الذي وصل إلى 24 امرأة فقط بالتزامن مع وصول هدية عباس كأول امرأة في تاريخ سوريا إلى رئاسة البرلمان، إلا أنها أعفيت بعد عام واحد فقط من توليها المنصب بشكل مفاجئ لحسابات سياسية.
يعزى تراجع الإقبال النسائي على الانتخابات ترشحاً أو ترشيحاً لفقدان الثقة بهذا البرلمان، وارتفعت الأصوات المطالبة بانتخابات نزيهة وبدور حقيقي في البرلمان وعدم كون المترشحين ونظام الترشيح أداة في يد السلطة.
وعلى الرغم من أن القرارات الدولية نصت على نسبة الكوتا النسائية كحد أدنى (30%) لحصول المرأة على تمثيل حقيقي في مفاوضات السلام، وما يليه من حلول لوضع السياسات وإقرار السلام، إلا أنه حتى الآن لم يتم الالتزام بتلك القرارات.
وتسعى الناشطات النسويات في سوريا إلى تفعيل القرار الأممي (1325) الذي يعتبر أن المرأة عنصراً فاعلاً في السلام والأمن وخاصة أثناء تسوية النزاعات، لإشراك النساء في صناعة السلام وإدماجها في المفاوضات وجعلها جزءاً من صناعة القرار ومستقبل سوريا.
وتوقيع سوريا على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" في عام 2002 بقي إنتاجاً نظرياً وحبراً على الورق فقط، بعدما تحفظت على أهم بنودها وهي المادة الثانية التي ضمت خمس فقرات نصت مجملها على إلغاء أي تمييز دستوري أو قانوني أو تشريعي قد يكرس أي ممارسة تمييزية ضد المرأة.
تمكين المرأة سياسياً في شمال وشرق سوريا
لعبت المرأة في شمال وشرق سوريا دوراً ريادياً منذ بداية ثورة روج آفا في 19تموز/يوليو2012 وكجزء من النضال التحرري، قادت المرأة هذه الثورة واتسمت بطابعها الخاص، واستطاعت من خلال الثورة إظهار قدراتها بأن تكون الأم والقيادية والسياسية والدبلوماسية في آن واحد، وعلى إثر ذلك عرفت الثورة في شمال وشرق سوريا بثورة المرأة.
وأعلن بشكل رسمي عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في 21 كانون الثاني/يناير 2014، وهي الصيغة التي وصل إليها ساسة وشيوخ العشائر وأعيان المنطقة من مختلف المكونات على مبدأ التعايش المشترك، وتأسيس أمة ديمقراطية تكون فيها المرأة أساس المجتمع ومنطلق حريته.
على هذا الأساس شاركت المرأة في كافة المجالات وخاصة السياسية منها، فمشاركة المرأة في الرئاسة المشتركة ساهم في إفساح المجال أمامها لتفعيل طاقاتها وسد الطريق أمام احتمال بقائها في إطار الأعمال التي حددها لها الرجل.
اعتبرت الإدارة الذاتية الديمقراطية أن إدارة العمل بذهنية المرأة إلى جانب الرجل في مؤسسة الرئاسة المشتركة في كافة المراكز سيفتح الباب أمام دمقرطة المجتمع، كما واعتبرت أن مشاركتها وتمثيلها بشكل متساو في جميع مجالات الحياة يجب أن يكون مصاناً كمبدأ أساسي في العقد الاجتماعي.
وبذلك ظهر الفرق الشاسع بين دولة كسوريا لم تستطع إنصاف المرأة ولو بجزء بسيط من حقوقها وبين الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا التي نهضت بالمرأة بغضون سنوات قليلة.
سنوات قليلة وإنجاز كبير
لصون وحماية حقوق المرأة جاء في البند الـ 47 من العقد الاجتماعي إن عدد أعضاء المجلس التشريعي يجب أن يمثل كافة المناطق والمدن والقرى في الإدارة الذاتية بنسبة كوتا لا تقل عن 40% للجنسين وفق قانون الانتخاب الذي يراعي التمييز الإيجابي.
ازداد انضمام النساء إلى أجهزة وهيئات الإدارة الذاتية الديمقراطية بعدما منحت المرأة فرصة تأسيس آلياتها السياسية الخاصة بها من أجل تحقيق نضال ناجح ضد النظام الذكوري بكل ماهياته، ولتلعب دورها الريادي في كافة المجالات، وبما أن الإدارة المشتركة تسعى للوصول إلى الحرية والمجتمع الكومينالي المشترك حينها توجب على المرأة أن تتعمق في دورها.
بعد مضي سنوات على الحرب وتمكين أسس الإدارة الذاتية التي اعتمدت على مبدأ المساواة الجندرية، خطت المرأة خطوات هامة في طريق الحرية والتخلص من الذهنية التي حدت من تطورها، وتمكنت خلال أعوام وجيزة من ترسيخ نظامها الديمقراطي وتشكيل مجالسها وهيئاتها، وحققت مكتسبات عديدة من الناحية السياسية، وما زالت مستمرة في تحقيق المكاسب والإنجازات.
دور التنظيمات النسوية
بمبادرة من مؤتمر ستار الذي تأسس في الـ 15 من كانون الثاني/يناير 2005 باسم اتحاد ستار شكلت المرأة المجالس واللجان والكومينات الخاصة بها لتسيير نشاطاتها وفعالياتها وآلية عملها وترسيخ نظام المرأة في المجتمع من خلال تنظيم جميع النساء.
وبعد اندلاع الثورة في روج آفا، تطور اتحاد ستار ليصبح مؤتمر ستار خلال مؤتمره السادس الذي عقد في 25 شباط/فبراير 2016، ليشمل النساء من كافة مكونات شمال وشرق سوريا بعد تحرير المناطق ذات الغالبية العربية من مرتزقة داعش.
وبعد توسع مؤتمر ستار وتغير شكله المؤسساتي، بدأت كافة الجمعيات والمؤسسات والتنظيمات الخاصة بالمرأة في شمال وشرق سوريا تعمل تحت سقفه إلى جانب العديد من اللجان ومجالس المرأة التابعة للمؤسسات العامة والأحزاب السياسية.
كما أن المرأة في شمال وشرق سوريا قد شاركت في النشاطات الدبلوماسية للإدارة وشكلت تنظيمها الخاص في هذا المجال، ففي بداية عام 2013 وبمشاركة نساء من كافة المكونات تم تشكيل مبادرة المرأة السورية، التي انضمت بدورها إلى العديد من الاجتماعات على المستوى العالمي، المبادرة طالبت الأمم المتحدة بالمشاركة في المحادثات المتعلقة بحل الأزمة السورية.
وفي الخامس من شباط/فبراير 2016 تم عقد مؤتمر موسع لمبادرة المرأة السورية، وخلال المؤتمر تم تشكيل هيئة المرأة السورية الحرة التي أصبحت مظلة لأعمال المرأة، وتسيير هذه الهيئة للنشاطات المتعلقة بحقوق المرأة التي يجب أن تتواجد في الدستور السوري.
شاركت المرأة في شمال وشرق سوريا في الكونفرانسات العالمية ومنها مؤتمر "صانعات السلام السوريات" الذي عقد في الفترة ما بين 20ـ22 نيسان/أبريل 2016، والكونفرانس الثاني للمرأة العالمية الذي عقد في الفترة ما بين 13ـ 18 آذار/مارس 2016 في العاصمة النيبالية كاتماندو.
ولحماية المكتسبات التي حققتها المرأة خلال ثورة روج آفا، لجأت منظمات المرأة والتنظيمات النسائية في الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المرأة، وممثلات المجالس والناشطات في مجال المرأة والشبيبة، إلى تشكيل مجلس يجمعهم تحت سقف واحد؛ ليكون خطوة استراتيجية من أجل تمكين النساء في كافة المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
تم تشكيل مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا في 14 حزيران/يونيو2019، ومن خلاله استطاعت النساء تنظيم أنفسهن وانخرطن في كافة مجالات الحياة محققات خطوات تاريخية.
ويقوم المجلس بالمناقشة والبت في القضايا التي تمس المرأة، ويعمل على تعزيز مشاركتها في مراكز صنع القرار بشأن القضايا الاستراتيجية والمصيرية المتعلقة بالمرأة والمجتمع بشكل عام، ويسعى إلى إشراكها بنسبة عالية في العملية التفاوضية وفي لجنة كتابة الدستور السوري بما يضمن كافة حقوقها.
وتأسس ليكون المظلة السياسية والحقوقية والاجتماعية والثقافية للمرأة، ويعمل المجلس على إقامة وتوثيق العلاقات مع المنظمات النسائية والإقليمية والعالمية، بهدف تبادل التجارب وتعزيز العمل المشترك بين المجلس وتلك المنظمات.
المناطق ذات الغالبية العربية... التغلب على العادات والتقاليد
كانت الخطوة الأبرز بعد تحرير النساء في مدن الرقة والطبقة على التوالي في عام 2017 ودير الزور في أواخر آذار/مارس 2019، تشكيل إدارات ومجالس للمرأة إلى جانب تشكيل إدارات مدنية ومحلية في تلك المناطق في أوقات مختلفة فور تحرير كل مدينة.
لتتغلب هي الأخرى على الأدوار النمطية التي همشت دورها في المجتمع، وتطور نفسها من الناحية الفكرية والاجتماعية والسياسية ولتصبح عضو فاعل في النهوض بالمجتمع ومعالجة قضاياه.
ومع انضمام المناطق المحررة (الرقة والطبقة ودير الزور) أعلن عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا في السادس من أيلول/سبتمبر 2018، وارتفعت نسبة تمثيل النساء في مختلف الإدارات المدنية والعسكرية إلى (50%) في سابقة لم تصل إليها أكثر الدول المتقدمة في مجال حقوق المرأة.