طفولة مسروقة... عمالة الأطفال في دمشق

عمالة الأطفال ظاهرة عالمية، انتشرت بشكل كبير في سوريا خلال سنوات الحرب أكثر مما قبلها. منهم من يعمل بعد ذهابه إلى المدرسة ومنهم من يخضع للتدريب المهني وآخرون تسربوا من مدارسهم

أماني المانع
دمشق ـ .  
تعددت أسباب تشغيل الأطفال وذنبنا واحد، منها ما يتعلق بالأهل كالفقر والجهل وضعف وعيهم بالنتائج السلبية أو اتباعهم التقاليد السائدة والتي تشجع على تعليم الطفل (صنعة) أو لسداد ديونهم، ومنها ما يتعلق بظروف البلاد السائدة وانهيار الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة، وأسباب أخرى تتبع التسرب المدرسي واستغلال أصحاب المهن لرخص يد العامل الصغير وتحمله أعباء العمل.  
هؤلاء الأطفال وإن كانوا يبدون الأكثر صلابة، هم الأكثر ضعفاً واستغلالاً، يتعرضون للإيذاء العاطفي والنفسي والتنمر والرفض من ذويهم ومن المجتمع، وقد يصل هذا الرفض حد الإيذاء الجسدي والجنسي وسوء المعاملة مما يؤثر على حياتهم الاجتماعية في المستقبل، هذا بالإضافة لاكتسابهم عادات سيئة وإمكانية ممارسة سلوكيات عدوانية وشاذة وزيادة فرصة الإدمان، كما لا ننسى وهو الجانب الأهم ضعف قدرتهم لمتابعة تعليمهم أو تدني مستواهم الدراسي والأضرار الصحية والدائمة منها في بعض الأحيان كالإعاقات.   
الطفل (أ. إ) طالب في الصف الرابع يعيش مع أسرته المكونة من ٩ أشخاص في بيت إيجار في ريف دمشق، يعمل في كشك بعد الدوام ليؤمن مصروفه، يحلم أن يكون مهندساً يحب مدرسته ويسعى للتوفيق بين دراسته وعمله لكنه في بعض الأيام يتغيب عن المدرسة حين لا يسعفه الوقت في حفظ دروسه وكتابة واجباته. لكن رغم هذه الصعوبات يضطر للعمل والاعتماد على نفسه ومساعدة أسرته فهو على اطلاع دائم بالأسعار ويعلم كم يعاني والده ليدفع إيجار المنزل ويؤمن لهم متطلباتهم، وهذا ما ذكره لنا والده الذي يعمل سائق تكسي يقبض أجره (باليومية)، وأنه على الرغم من فخره بما يفعل أولاده الثلاثة الكبار وهما اثنان في المرحلة الإعدادية وواحد في الابتدائية إلا أنه يحزن حين يقارنهم بذويهم ممن قدمت لهم الحياة سُبل العيش الرغيد، كما يحرص أشد الحرص على مواصلتهم لتعليمهم، واختصر الحكاية بـ "هيك الحياة بدها" وأنه يتمنى أن يصبح ابنه مهندساً كما يحلم هذا الصغير. 
الطفلة (ش، خ) أخبرتنا أنها تعمل وإخوتها في بيع ما تيسر لهم من ورد أو علكة أو خبز أو بسكويت لمساعدة والدتهم الأرملة التي وجدت نفسها وحيدة مسؤولة عن ثلاثة أطفال تتفاوت أعمارهم ما بين ٧ و١١ سنة، يحتاجون للغذاء والمأوى بعد أن نزحوا إلى دمشق بعد وفاة الأب. 
الطفلة تتمنى متابعة دراستها، وتأمل أيضاً أن يكمل أخوها الصغير دراسته بعد أن تسرب الأخ الأوسط، لكن والدتها فضلت أن يعمل أولادها معها بعد أن عانت هي وأخويها من استغلال أصحاب العمل وإهاناتهم المستمرة دون شفقة، فأحد أصحاب العمل ضرب أخاها في أحد المرات. تحلم أن يصبح أخاها الصغير طبيباً وأن تفتتح في المستقبل صالون تجميل لتعمل فيه، أما حلمها القريب أن تشتري بيتاً لأمها وأخويها.   
وبالوقوف عند إحدى إشارات المرور يتجمع حول السيارات الخاصة ثلاثة إخوة (ع. ع) (ف. ع) (ح. ع) تتفاوت أعمارهم ما بين ٧ سنوات و١٢ سنة يتسولون من أجل المال ويقومون بتوزيع ما يجنونه فيما بينهم بالتساوي. وبالحديث معهم عرفنا أنهم يسكنون في إحدى عشوائيات مدينة دمشق، في منزل يضم ثلاث عائلات، يخرج كل يوم الرجال والأطفال للعمل وتبقى النساء في البيت، فيعمل الكبار والصغار بما يتيسر لهم من العمل. يخبرونا أنهم يعتبرون التسول مهنة حين لا يمتلكون ثمن البضاعة أو أدوات مسح السيارات، وأنهم يتهربون من المدرسة وخاصة في المواسم كما سموها أي في الأعياد والعطل وفي بعض الأحيان يقصدون الأماكن المزدحمة بعد دوام المدرسة. أما عما يتعرضون له فقد حدثونا عن الكثير والكثير من الاستهزاء وسوء المعاملة والشتم والتعرض للمخاطرة في التسلل بين السيارات خلال هطول المطر وأوقات الازدحام، وختموا معاناتهم بـ "بس نحنا نعرف نرد ونتصرف ونحنا تعودنا على الناس هيك" وبالنسبة لأحلامهم فقد كانت العودة إلى الدراسة وتحسين أوضاع عوائلهم. 
هؤلاء الأطفال العاملون ضحية الظروف السياسية والمعيشية والعائلية والاقتصادية والمجتمعية، لا يحظون بالرعاية والاهتمام ويفقدون يوماً بعد يوم طفولتهم البريئة.