في إدلب... ما تزال المرأة تحرم من ميراثها

برزت في إدلب والشمال السوري ظاهرة حرمان المرأة من الميراث نتيجة عوامل عدة، تمثلت بالعادات والتقاليد والموروث الثقافي

سهير الإدلبي 
إدلب ـ والسيطرة الذكورية التي تنظر للمرأة على اعتبار أنه لا يحق لها ما يحق لغيرها من الذكور، فلا يجب أن ترث شيئاً من تركة الوالد التي هي بنظرهم حقاً لذكور العائلة فقط، وهو ما تسبب بمشاكل عائلية وشقاق بين أفراد الأسرة الواحدة.
"هذا ليس عدلاً، فأنا لدي حق ويجب أن أحصل عليه"، هكذا عبرت حليمة الرفاعي (٣٥عاماً) عن معاناتها وظلمها، إذ لم تعد قادرة على تحمل ظلم أخوتها لها وحرمانها من حقها في الميراث في الوقت الذي تعيش فيه الفقر والحرمان، بينما ينعم إخوتها بالغنى والثروة، ولذا قررت المطالبة بحقها والحصول على ميراثها من تركة والدها المتوفى منذ أكثر من خمس سنوات.
رفعت حليمة الرفاعي دعوى قضائية لمحكمة إدلب الشرعية للحصول على حقها بعد أن امتنع إخوتها عن إعطائها أي شيء بطرق سلمية ودون تدخل المحاكم، تقول حليمة التي تنحدر من مدينة حزانو أنها لم تعمد لهذا الإجراء إلا بعد أن يئست من قبول إخوتها بتحكيم الشرع ومنحها حقها بالتراضي، لذا لم يكن أمامها أي خيار آخر، وعن حاجتها لحصتها في الميراث تقول "لطالما تغاضيت عن حرماني من الميراث لكون وضعي المادي كان جيداً نوعاً ما، وكنت مضطرة للسكوت بعد صمت أخواتي عن حقوقهنَّ، فأمي وعماتي وخالاتي وكل نساء العائلة كنَّ تنازلنَّ عن حقوقهنَّ في الميراث لإخوتهنَّ بدعوى عدم انتقال ممتلكات العائلة للغرباء والمقصود بالغرباء هم أزواجنا" وتضيف "لكن بعد نزوحنا من مدينة زوجي خان شيخون منذ قرابة العامين تدهورت أوضاعنا المادية ونفذ ما بحوزتنا من مال، وخسر زوجي عمله بعد خسارته لمحله التجاري جراء القصف، ولم يعد لدينا ما يمكن الاعتماد عليه في المعيشة بينما ينعم إخوتي بتركة والدي الضخمة".
حليمة الرفاعي التي قررت الحصول على حقها مهما بلغت النتائج تختلف عما تفكر به الكثيرات ممن ينتابهنَّ الخوف من مجرد المطالبة بحقهنَّ أو التعبير عن الظلم الواقع عليهنَّ، والذي يأتي نتيجة المحيط الأسري للنساء والتهديد المباشر وغير المباشر من الإخوة، أو ربما الخوف من تخلي أسرهنَّ عنهنَّ وحدوث شرخ ونزاعات في العائلة.
راميا صبيح (٢٨عاماً) من مدينة كللي بريف إدلب الشمالي امتنع إخوتها عن منحها حصتها من إرث والدها رغم فقرها وحاجتها للمال، لكنها امتنعت عن المطالبة بحقها في الإرث خوفاً من خسارة إخوتها في حال توجهها للمحكمة للمطالبة بميراثها وهي تشعر بالظلم وتتساءل "لماذا علينا نحن النساء أن نصمت عن حقنا وإلا يتوجب علينا خسارة أهلنا وإخوتنا، لماذا لا نمنح حقنا دونما خوف مما قد ندفع ثمنه من العزلة الاجتماعية والعداوة وخسارة رابط الأخوة، كل ذنبنا أننا خلقنا نساء في مجتمع ذكوري بحت بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".
توجد العديد من النصوص الدينية والقانونية التي وردت فيما يخص حق المرأة في الميراث، لكن العرف الاجتماعي الذي يورث الابناء الذكور كامل التركة على حساب حق النساء مستشر بشكل كبير في المجتمع. 
ويعتبر بعض الآباء أن منح الفتاة حصتها من الميراث هو هدراً لتعبهم وجهدهم طيلة حياتهم ظناً منهم أنه يذهب لزوج البنت الغريب عن العائلة، ولذا هم يلجؤون إلى نقل جميع أملاكهم لأبنائهم الذكور على أساس البيع والشراء إمعاناً منهم في حرمان بناتهم من الميراث، وعدم قدرتهنَّ مستقبلاً على المطالبة بحقهنَّ بعد وفاة الأب أو اللجوء إلى المحاكم للحصول على أي إرث.
وحول رأي القانون والشرع في توريث النساء قال المحامي أنور الشيخ علي (٣٩ عاماً) أن الثقافة الذكورية السائدة والعرف أقوى من القانون في المنطقة، وخاصة في ظل الفهم الخاطئ للشريعة الإسلامية وجهل المرأة، وعدم معرفتها بحقوقها والمطالبة بها، كل ذلك عرضها للتمييز على كافة الأصعدة.
وأكد أن "القانون يكفل حق المرأة في الميراث والنصوص واضحة حتى وإن كانت حصتها تعادل نصف حصة الرجل فقط كون القوانين مشتقة من الشريعة الإسلامية".
مشيراً إلى أن أي اتفاق يتضمن التحايل على أحكام الميراث خلال توزيع التركة ووفاء الديون سواء كان بيع أو هبة أو وصية يعتبر باطلاً حيث أن الدين ينص على أن "لا وصية لوارث" إذ لا يجوز للمورث سواءً بحياته أو بوصية بعد وفاته إسقاط حق الميراث أو التنازل عنه لغير الورثة الحقيقيين.
وفي ختام حديثه دعا المحامي أنور الشيخ علي لضرورة التوعية القانونية والدينية والاجتماعية للمرأة؛ لتعرف ما لها من حقوق وما عليها من واجبات، وإتباع التنشئة الاجتماعية السليمة في الأسرة من خلال عدم التمييز في المعاملة بين الذكور والإناث، ومنح المرأة حقها في الميراث لتمكينها اقتصادياً وخلق امرأة واثقة من نفسها وقادرة على المشاركة في قطاعات الحياة كافة دون اتهامها المسبق "بالعيب والخروج عن العرف والعادات والتقاليد".