تعديل المناهج الدراسية السورية يحمل أهداف أيديولوجية

يعد تعديل المناهج التعليمية في سوريا وحذف وإضافة بعض المفردات أو المواضيع غير مطمئن، فهذه التعديلات تأتي في سياق سياسي له أبعاد أيديولوجية تؤثر على المستقبل الفكري للشعب السوري.

روشيل جونيور

السويداء ـ لطالما كانت المناهج الدراسية أداة رئيسية في تشكيل وعي الأجيال لكن عندما تتحول إلى وسيلة لأدلجة العقول وتسييس التعليم فإنها تصبح خطراً على الهوية الوطنية والتنوع الثقافي.

 

تغيير الهوية الوطنية

التغيرات والتحولات التي تشهدها سوريا متسارعة وتفتقد في مضمونها منح المرأة حقوقها ومكانتها وهذا يعد ضرب لمكتسابتها ونضالها على مدى عقود من الزمن، وأخيرها الحكومة السورية الجديدة التي تم تشكيلها وضمت 23 وزيراً بينهم امرأة واحدة فقط، كما أن التعديلات التي طرأت على المناهج لم تكن مجرد تحديث أكاديمي بل جاءت ضمن سياق سياسي يحمل أهدافاً أيديولوجية فبعد عقود من ترسيخ الفكر القومي البعثي الذي ركز على تمجيد الفرد القائد والانتماء القومي جاءت تغييرات ذات طابع ديني إسلامي مثل استبدال مصطلحات "طريق الخير" بـ "طريق الإسلام"، هذه التحولات تكشف عن محاولات مستمرة لإعادة صياغة هوية الطلاب بما يخدم أجندات سياسية معينة وهو أمر يهدد الهوية الوطنية الجامعة.

وعن ذلك قالت مدرسة اللغة العربية سمر الحجار أن المناهج السورية شهدت تحولات أيديولوجية متتالية، من الفكر القومي البعثي إلى الطابع الإسلامي ما أثار جدلاً واسعاً حول أهداف هذه التعديلات وسرعتها وتأثيرها على المجتمع، مؤكدةً أن "من أبرز القضايا المثارة مسألة تغييب الشخصيات النسائية التاريخية، مثل زنوبيا وما يعكسه ذلك من استمرار العقلية الذكورية، كما أن فرض الطابع الإسلامي على المناهج يتجاهل حقيقة أن سوريا بلد متعدد الأديان والطوائف ما يجعل هذا التوجه غير عادل".

وترى أنه لا يمكن لأي سلطة مهما كانت استبدادية أن تفرض هوية جديدة على المجتمع بالقوة، فالتجربة أثبتت أن نظام البعث رغم عقود من الحكم فشل في إلغاء التنوع السوري وهذا ينطبق أيضاً على أي محاولة جديدة لتوجيه المناهج وفق رؤية دينية أو طائفية معينة.

ولفتت إلى أن سوريا "ليست دولة ذات طابع ديني واحد، بل تضم العديد من الأديان والطوائف، مثل المسيحيين، الدروز، الكرد، العلويين، والإيزيديين، إلى جانب المسلمين بمذاهبهم المختلفة وهذا التنوع الديني والثقافي هو جزء من الهوية السورية ويجب أن ينعكس في المناهج التعليمية بطريقة عادلة ومتوازنة"، مؤكدةً أن "فرض الطابع الإسلامي على المناهج يتجاهل هذا التنوع مما قد يؤدي إلى شعور أبناء الطوائف الأخرى بالإقصاء وعدم الانتماء".

وشددت على أن التعليم يجب أن يكون وسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية وليس لتكريس الانقسامات، لذلك من الضروري أن تكون المناهج محايدة دينياً بحيث تحترم جميع الأديان دون أن تنحاز لأي دين.

وذكرت سمر الحجار إحدى أبرز المشكلات في التعديلات الأخيرة على المناهج وهي أن الجهة التي أقرتها وهي وزارة التربية في الحكومة المؤقتة ليست مخولة قانونياً للقيام بتغيير جذري في المحتوى التعليمي "المناهج الدراسية تحتاج إلى خطط مدروسة من قبل مختصين في إعداد المناهج وليس إلى قرارات متسرعة قد تؤدي إلى ارتباك في العملية التعليمية، وأي تعديل يجب أن يكون مبنياً على أسس علمية وتربوية تأخذ بعين الاعتبار التطورات العلمية والتكنولوجية وتلبي احتياجات الطلاب والمجتمع".

واعتبرت أن إقصاء دور المرأة في التاريخ من الأخطاء الفادحة التي رافقت هذه التعديلات ومنها حذف صورة زنوبيا الملكة التدمرية التي قادت واحدة من أهم الفترات في تاريخ سوريا "تغييب هذه الشخصية يعكس استمرار العقلية الذكورية التي تهمش دور المرأة في التاريخ وهو امتداد لإقصاء المرأة من المناهج منذ عقود فكتب التاريخ المدرسية نادراً ما تذكر أسماء النساء رغم أنهن شاركن في صنع الحضارات جنباً إلى جنب مع الرجال".

وأضافت "حذف صورة زنوبيا ليس مجرد تعديل شكلي بل هو إشارة إلى أن المرأة لا تزال تقصى من السردية الوطنية وكأن التاريخ السوري لم يشهد قياديات ومفكرات ومبدعات تركن بصمتهن في مختلف المجالات وهذا التوجه يعزز الفجوة بين الجنسين ويكرس مفاهيم تمييزية تعيق بناء مجتمع حديث قائم على المساواة".

ولأن لكل مشكلة حل ترى سمر الحجار أن هناك العديد من البدائل لتعزيز دور المرأة في المناهج "إذا كان الهدف من تعديل المناهج بناء دولة حديثة فلا بد من إعادة النظر في كيفية تمثيل المرأة في المحتوى التعليمي وهناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتعزيز دور المرأة في المناهج تشمل إدراج شخصيات نسائية تاريخية تضمين شخصيات مثل زنوبيا، جوليا دومنا، نازك العابد، وغيرهن ممن كان لهن دور في التاريخ السوري، وكذلك تعزيز الدراسات الجندرية من خلال إدخال مفاهيم المساواة بين الجنسين في المناهج، لتوعية الأجيال بأهمية حقوق المرأة ودورها في المجتمع.

واختتمت مدرسة اللغة العربية سمر الحجار حديثها بالقول إنه من ضمن الحلول لتعزيز دور المرأة "إشراك النساء في صياغة المناهج، من خلال ضمان أن تكون هناك نساء متخصصات في التربية والتعليم والتاريخ ضمن لجان تطوير المناهج، وإبراز إنجازات المرأة في العصر الحديث وتسليط الضوء على مساهمة المرأة في السياسة، العلوم، الفنون، والاقتصاد، وعدم حصرها في دورها التقليدي".