كيف تدمر الحروب نفسية وحياة النساء؟
تتعرض النساء في مناطق النزاع والصراعات المسلحة، لتحديات نفسية واجتماعية تفوق ما يتم تداوله أو الالتفات إليه.

زهور المشرقي
تونس ـ رغم أن تونس ليست منطقة نزاع، إلا أن التونسيات تظهرن وعياً كبيراً بما يحدث في مناطق النزاع مثل فلسطين، وسوريا، والسودان، حيث تتابع التونسيات عن كثب الأوضاع الإنسانية هناك ويعبرن عن تضامنهن مع المتضررات من الحروب.
رغم أن الحروب تؤثر على جميع الفئات، إلا أن النساء هن الأكثر تضرراً، خاصة بسبب تعرضهن للعنف الجنسي والتهجير القسري، وفقدان الأمن والاستقرار، لكن ما يزيد من معاناتهن هو التهميش النفسي، حيث لا يحظى الجانب النفسي للمرأة في هذه المناطق بالاهتمام الكافي سواء من المؤسسات الرسمية أو من محيطها الاجتماعي، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن أكثر من 30% من النساء في مناطق النزاع يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف الجنسي والنفسي، وفي تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2023، تم التأكيد على أن النساء والفتيات يُستخدمن كأدوات حرب في النزاعات المسلحة، مما يزيد من معدلات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، ورغم هذه المعاناة، تواجه النساء ضغوطاً مجتمعية تجعل من الصعب عليهن طلب الدعم النفسي، مما يؤدي إلى تفشي المشاكل النفسية بشكل أكبر.
تقول الدكتورة التونسية حياة الورتاني أخصائية علم النفس الإكلينيكي، إن اهتمام التونسيات بما يحدث للنساء في مناطق الصراع، نابع من انفتاحهن الثقافي واهتمامهن بالقضايا الحقوقية، ما يجعلهن في موقع المتابعة والدعم رغم العيش في بيئة مستقرة نسبياً مقارنة بتلك التي تشهد النزاعات المسلحة.
وأما عن قراءتها للحالة النفسية للنساء في مناطق النزاع، كأخصائية علم النفس الإكلينيكي تشير إلى أن النساء في هذه البيئات تعشن تحت ضغط نفسي مستمر بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة والتهديدات اليومية التي تواجهنها.
وأكدت أن الحروب تؤثر بشدة على النساء نظراً لوضعهن الهش في المجتمعات التي تشهد نزاعاً، موضحةً أن النساء في مناطق النزاع يجبرن على أداء أدوار متعددة كأمهات وزوجات ومسؤولات عن أسرهن في ظل بيئة تفتقر إلى الأمان والاستقرار "هذا يؤدي إلى ظهور أمراض نفسية خطيرة مثل الاكتئاب، والشعور بالذنب، والقلق المزمن، واضطرابات ما بعد الصدمة".
وأوضحت حياة الورتاني أن التعرض المتكرر للصدمة، مثل سماع صوت القنابل والانفجارات يومياً، يخلق حالة من التوتر المستمر والخوف من المجهول، مما يؤدي إلى آثار جسدية مثل الإرهاق المزمن، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، ومن أبرز الأزمات النفسية التي تواجهها النساء في مناطق النزاع هو التهجير القسري، الذي يزيد من تعقيد معاناتهن، فقدان المنزل، الذي يعتبر مصدر الأمان والانتماء، ويسبب مشاعر العزلة، الاكتئاب، والانهيار النفسي، وغالباً ما تجبر النساء على العيش في مخيمات تفتقر إلى الخصوصية والراحة، مما يزيد من تعقيد وضعهن النفسي.
وبنيت أن المجتمع في هذه المناطق يضغط على النساء لكتمان آلامهن النفسية، حيث يعتبر من الأسهل عليهن الحديث عن الألم الجسدي بدلاً من الاعتراف بمعاناتهن النفسية "هذا الكتمان يؤدي إلى تفاقم المشاكل النفسية على المدى الطويل، مما يحولها إلى أمراض مزمنة"، مشددة على ضرورة وجود دعم نفسي حقيقي للنساء في مناطق النزاع "المجتمعات المعافاة يجب أن تتبنى دوراً أكبر في تقديم الدعم النفسي والتضامن مع المتضررات من الحروب".
وأكدت حياة الورتاني أخصائية علم النفس الإكلينيكي في ختام حديثها على أن الصحة النفسية يجب أن تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وضرورة تغيير النظرة الاجتماعية تجاه هذه القضية "التدخل النفسي المبكر هو المفتاح لمساعدة النساء على التعبير عن آلامهن وحمايتهن من التحول إلى أمراض مزمنة".