متجمداً بالخيام... والدة تروي لحظات فقدان طفلها
"مسكت صغيري لكنه لم يكن يتنفس صرخت بكامل قوتي، حاولت سماع نبضات قلبه لكنه كان قد توقف بالفعل"، بهذه الكلمات تروي صفاء الرنتيسي لحظات فقدانها طفلها البالغ 35 يوماً، واصفتاً إياها بـ "الأقسى" خلال الحرب في قطاع غزة.
رفيف اسليم
غزة ـ منذ بدء الشتاء على قطاع غزة توفي ثمانية أطفال متجمدين من البرد في الخيام بحسب ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وجمعيهم رضع لم يبلغوا العام الواحد، على الرغم من اتباع أمهاتهم وسائل التدفئة المتاحة من الملابس والأغطية، إلا أن البرد كان أعنف وأشد فجرفهم الموت تاركين ورائهم حسرة وأحلام لمن أنجبنهن حديثاً.
صفاء الرنتيسي والدة الطفل يوسف كلوب الذي توفي في الثالث من كانون الثاني/يناير الجاري، في المنخفض الجوي الذي رافق بداية العام الحالي، مغرقاً غالبية الخيام في المخيم بما فيهم خيمتها التي أصبح كل شبر فيها مغطس بالمياه وحتى أرجل أطفالها الثلاثة الصغار.
وتقول إنها لا تنسى ذلك اليوم على الإطلاق ففي الوقت الذي ظنت به أنها أمنت طفلها الرضيع جيداً وراحت تتفقد الثلاثة البقية، تفاجأت عندما اقتربت من طفلها أن الغطاء قد تبلل بالماء، حينها خفق قلبها بسرعة البرق وحملته وفي تلك الأثناء تأكدت من غرق الوسادة والفراش أيضاً لتتنبأ بالفاجعة.
وتصف صفاء الرنتيسي، تلك اللحظات بالأقسى خلال الحرب التي عايشتها على مدار عام وأربعة أشهر من الخوف والنزوح والجوع والتشريد، فمسكت صغيرها لكنه لم يكن يتنفس صرخت بكامل قوتها، حاولت سماع نبضات قلبه لكنه كان قد توقف بالفعل بكت كثيراً حينها شد الطفل من يدها ليذهبوا به للمشفى، لكنها كانت تعلم أنه الحضن الأخير.
وتروي أنه "كان كـ لوح الثلج، اكتسى لونه بالزراق خاصة يديه وأظافره، فأدركت أنه ذهب تاركنا أنا إخوانه الصغار في حالة من الرعب يرثى لها"، مشيرة إلى أن "الجميع كان ينظر بصمت قطعه سؤال الأطفال أين ذهب يوسف، لماذا أخذه والدنا ورجع بدونه، هل سيعود يوماً ما".
اليوم تخاف صفاء الرنتيسي، على أطفالها الثلاثة البقية قائلة "وكأنه كان ينقصنا البرد لنخاف من الموت به ألا تكفي تلك الغارات التي تشنها القوات الإسرائيلية، والمجاعة التي تضرب عاصفة بالبطون الخاوية والتشرد، والحرمان من المنزل والملبس والدفء، ليأتي شبح التجمد اليوم يهدد النساء وأطفالهن".
لم تكن صحة الرضيع يوسف كلوب بحسب ما أفادت صفاء الرنتيسي، متردية بل ولد بصحة جيدة وكان يتفاعل بالحد الذي يسمح به عمره محاولاً اكتساب المهارات، وكانت تحلم أن تراه يكبر أمامها يوماً بعد يوم، ويملأ المكان بضحكاته وصراخه كما أخوته.
وتعاني شقيقة يوسف كلوب ذات الثلاث سنوات من عدة أمراض أبرزها حساسية القمح وسوء التغذية فكانت صفاء الرنتيسي تهيئ نفسها أنها ربما ستفقدها هي مع خضم المجاعة وحاجتها لنوع خاص من الدقيق، لكنها لم تتوقع أبداً أن الفراق سينتزع يوسف كلوب منها وبسبب البرد الشديد الذي بات يحصد أرواح عدة بلا هوادة.
ونوهت صفاء الرنتيسي إلى أن المنخفضات الجوية تشكل رعب لأهل الخيام وقاطنيها، كون البرد يأكل أطرافهم وأطفالهم، لذلك تناشد كافة المؤسسات بتوفير ملابس للأطفال الصغار وأغطية وأماكن مناسبة للنزوح خلاف الخيام التي تجرفها السيول، مشيرة إلى أنه "حتى إذا انتهت الحرب ستبقى تلك المعاناة حاضرة كون أكثر من نصف سكان القطاع بيوتهم مدمرة ولا ملابس لديهم ولا مكان يؤويهم سوى الخيمة".