الاستقرار المعيشي في الأزمات... رحلة تحدٍ لامرأة من الجنوب اللبناني

"يمكننا مواجهة الظروف والبدء كل مرة من جديد"، بهذه الكلمات تؤكد فاطمة يعقوب وهي نازحة من جنوب لبنان، أن التحديات لا يمكن أن تقف عائقاً أمام المرأة التي "تهز السرير بيمينها والعالم بيسارها".

فاديا جمعة

بيروت ـ تبقى المرأة حاضرة في قلب المعاناة، قدرها أن تواجه تبعات الحروب والأزمات في عالم يفتقر إلى العدالة الاجتماعية والإنسانية، ويفتقر كذلك إلى العدالة الجندرية أيضاً، وسط سيطرة للقوى الظلامية العالمية التي تخوض الحروب خدمة لأغراضها، ولو حساب شعوب تتطلع إلى الحرية والكرامة والأمن والاستقرار، وهذا حال منطقتنا اليوم من إقليم شمال وشرق سوريا إلى جنوب لبنان.

في لبنان، تعيش النساء الجنوبيات معاناة كبيرة وأزمات ضاغطة، فالهجمات توقفت ولكن آثارها ما تزال جاثمة في القرى والبلدات المنكوبة، ولا سيما في القرى الأمامية، وما يزال النزوح قائماً، ما يفرض على النساء تحديات جمة، أهمها التكيف مع الواقع المستجد، وتالياً الانطلاق في وجه الصعوبات، من رعاية الأبناء إلى تأمين متطلبات ومقومات الحياة، فضلاً عن أن المرأة تحولت إلى معيلة أساسية لعائلتها، وهذا ليس بغريب عن النساء الجنوبيات اللواتي واجهن حروباً كثيرة، وأكدن حضورهن في قلب الأزمات.

وثمة الكثير من الأمثلة عن نساء جنوبيات اتسمن بالقدرة على الصمود وتطويع الصعوبات بعزمهن وإرادتهن، يكفي أن نذكر أن مئات النساء، وربما أكثر، استنبطن أفكاراً لأعمال مكنتهن من بدء دورة إنتاج، في مجالات عدة، من المؤونة البيتية إلى الأشغال اليدوية، وهي أعمال رديفة وفرت الكفاية وحداً أدنى من الاستقرار المعيشي والاجتماعي.

 

فاطمة يعقوب مواطنة لبنانية من بلدة "حولا" الحدودية، تدمر بيتها وفقدت عملها ولم تعد إلى بلدتها رغم قرار وقف إطلاق، تقول "نواجه النزوح منذ نحو عام وثلاثة أشهر، قبل الهجمات الإسرائيلية كنت أعمل كمعلمة وإلى جانب عمل المدرسة كنت أعمل في أرضنا، نقوم بزراعتها وحصادها ونصنع  المؤونة البيتية، كانت معيشتنا من الأرض والتدريس ومنهما إلى جانب عمل زوجي بنينا بيتنا في القرية، وكنا مكتفين مادياً وننعم بالاستقرار مع عائلتنا، فأنا أيضاً أم لثلاثة أطفال وكذلك ربة منزل، وكانت حياتنا مستقرة نوعاً ما، حياة ضيعة بسيطة كحياة الريفيين، إلى أن حلت الهجمات فاضطررنا للنزوح، لأن موقع قريتنا قريب من الحدود شأننا شأن بقية العائلات".

وأضافت "انتقلنا إلى أكثر من بلدة، ووسط الظروف الصعبة وجدنا أنه لا بد من أن نقف من جديد وأن نتحدى الظروف، ففي بلدة بشامون القريبة من بيروت، عملت في إعداد المؤونة وأبلغت الزبائن أنني ما أزال مستمرة في عملي، واجهتني تحديات مثل إيجاد مصادر طبيعية وبلدية تستخدم في مجال تصنيع المؤونة، ولذلك اضطررت للعودة إلى الجنوب في بلدة معركة لأكون قريبة أكثر من الأرض ومن طبيعة ما يحتاجه عملي".    

 

عمل جديد

وأردفت فاطمة يعقوب "أسست عملاً جديداً لأتمكن من الصمود وتوفير مستلزمات الحياة ومتطلبات أبنائي، وتبدلت ظروف حياتنا كثيراً، نسعى الآن لتخطي هذه المرحلة الصعبة، وأن نعود ونؤمن لأبنائنا حياة أفضل، فالظروف كانت صعبة جداً والتحديات كبيرة جداً، فأنا الآن في بلدة لا أعرف عنها شيئاً، ولا أعرف طبيعة أرضها، ولكن تم احتضاننا، بالرغم من أن كل مرحلة جديدة تكون صعبة، فعوضاً عن بيتنا الكبير وضيعنا اضطررنا للسكن في بيت صغير جداً لا يكاد يتسع لنا وللعمل فيه، ورضينا وتأقلمنا مع واقعنا الجديد وقمت بتسجيل أبنائي في مدارس قريبة".

ولفتت إلى أنه "منذ شهرين هجرنا من جديد ولا سيما بعد توسع رقعة الهجمات، مررنا بظروف قاسية جداً، نزحنا تحت القذائف والصواريخ من جديد ولم اسأل عن شيء سوى سلامة وحياة أبنائي، ورغم ذلك لم أتوقف عن العمل، وبعد قرار وقف إطلاق النار لم نعد إلى قرانا فهي مدمرة كلياً، وما تزال القوات الإسرائيلية حتى اليوم تسيطر عليها وتقوم بتجريفها لمنعنا لسنوات طويلة من العودة إليها، وعدنا إلى بلدة معركة (قضاء صور) والتي نزحنا إليها سابقاً، وأسست عملاً مرة أخرى".

 

الحياة يجب أن تستمر

وفي ختام حديثها قالت فاطمة يعقوب "كامرأة أقول لجميع النساء لا شيء يقف أمامكن كل العوائق نستطيع تذليلها والحياة يجب أن تستمر، فالمرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسراها لا شيء يصعب عليها، فقدنا العديد من الأصدقاء والأقارب والاحباب خلال الهجمات ولا شيء أغلى منهم وهم الخسارة الكبرى، أما عن باقي الأمور فتعوض طالما يمكننا التأقلم مع حياة جديدة، ويمكننا مواجهة الظروف والبدء كل مرة من جديد".