بعيداً عن الإيجارات وازدحام المخيمات.. نازحات يلذنّ بالمناطق الأثرية في إدلب

دفع ارتفاع إيجارات المنازل بالنازحين للسكن في مناطق أثرية متعددة في إدلب بعد أن وجدوا فيها ملاذاً يلجؤون إليه في ظل فقرهم وتدهور أحوالهم

سهير الإدلبي
إدلب ـ .
قالت سعدية المحمد (٣٨) عاماً، أنها نزحت مع عائلتها من بلدة الدير الشرقي جنوب إدلب منذ أكثر من عامين، فسكنت إدلب المدينة مع زوجها المصاب بقدمه اليسرى جراء القصف ما تسبب له بإعاقة دائمة، وأبنائها الخمسة وأكبرهم في الثاني عشرة من عمره.
سكنوا في بادئ الأمر في شقة حديثة البناء وتخلو من أي أبواب أو نوافذ أو تمديدات صحية أو كهربائية، اختاروا السكن في هذا المكان لعدم طلب صاحب الشقة أي بدل إيجار منهم بل سمح لهم بالسكن مؤقتاً ودون مقابل، ولكنه بعد مدة من الزمن طالبهم بإخلاء المنزل أو دفع بدل إيجار قيمته ٣٠٠ ليرة تركية، فما كان منهم إلا المغادرة بعد عجزهم عن تأمين ما طلبه منهم في الوقت الذي يعانون فيه من تأمين حتى متطلباتهم الأساسية.
انتقلت سعدية المحمد بصحبة عائلتها للسكن في إحدى المواقع الأثرية التي تقع شمال إدلب بعد معاينتها سعة المكان ومتانة جدرانه وملائمته للسكن وإقامة بعض العائلات على مقربة منه.
وضعت سعدية خيمتها المتواضعة وسط المكان وبدأت العائلة تتأقلم مع الحياة داخل الموقع الأثري الذي وجدوا في أبنيته القديمة المتهالكة "ألفة وحنان ورأفة بحالهم أكثر ما وجدناه عند البشر" كما تقول سعدية المحمد.
حيان الصبور الابن الأكبر لسعدية ويبلغ من العمر (١٢) عاماً يقول "المكان هادئ هنا وجميل وفيه ساحات للعب والمتعة، غير أنه بعيد بعض الشي عن مراكز المدن والبلدات ولا تعليم هنا أو مدارس".
لم تكن عائلة سعدية الوحيدة التي سكنت المواقع الأثرية وإنما كان هناك الكثير من العائلات اللواتي اتخذن من الآثار مسكناً لها وأعادوا الحياة إلى تلك الأطلال الأثرية، كعائلة فاطمة الشواف (٤٠) عاماً والتي نزحت من مدينة خان شيخون بصحبة عائلتها وعائلة أخيها منذ أكثر من عامين وجعلت من خيمتها وسط الجدران والأوابد حياة جديدة تسكن التاريخ العريق بآثاره وشواهده الإسطوانية المتعددة.
لا تجد فاطمة الشواف أن السكن في المناطق الأثرية سيء بل يبقى أفضل بكثير من الحياة في المخيمات المكتظة بالسكان والتي يملأها الضجيج، عدا أن المخيمات تخلو من أي عوامل حماية للخيام من عوامل الطقس والطبيعة عكس المناطق الأثرية التي تشكل جدرانها وأبنيتها عامل يصد الرياح ويمنع اقتلاع الخيام في فصل الشتاء.
اتخذت عائلة فاطمة المؤلفة من زوجها وأربع أبناء من جب روماني قديم بالقرب منها خزاناً لحفظ مياه الشرب، ملأوه بعد تنظيفه وبدأوا يستفيدوا منه، كما جعلت فاطمة الشواف أمام خيمتها موقداً للطبخ صنعته من الحجارة المتناثرة ووضعت حبال لنشر الغسيل بين الأعمدة الممتدة حولها، وصنعت قناً للدجاج البلدي الذي تربيه للاستفادة منه في تأمين اللحم والبيض.
تحب فاطمة الشواف العيش في المكان واعتادت عليه مع أسرتها غير أن كل ما يقلقها هو خوفها على أبنائها من انهيار الحجارة عليهم أثناء لعبهم عليها كونها متهالكة وآيلة للسقوط في أي لحظة، عدا عن وجود الحشرات والزواحف في كل مكان.
تتأمل فاطمة تلك الحجارة والأعمدة التي تحكي تاريخاً مرت به المنطقة ويعيد نفسه في كل مرة على مر العصور تعرضت فيه البلاد لشتى أنواع الغزوات والحروب والزلازل.
والجدير بذكره أن الحضارة القديمة في العصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية والعثمانية تركت مواقع تاريخية قبل آلاف الأعوام، حددت منها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو ٦ مواقع للتراث العالمي بما في ذلك الأطلال الموجودة في الشمال الغربي التي يطلق عليها "القرى القديمة في شمال سوريا" والتي باتت ملجأ النازحين ومكان استقرارهم مع استمرار الحرب في سوريا ونزوح ما يقارب ٦ مليون مدني داخل البلاد.