'العمر ليس إلا مجرد رقم يجب ألا نشعر بالاكتئاب مع تقدمه'

حصلت على الشهادة الجَّامعية في التّربية بعد أن تجاوز عمرها الـ 40 عاماً، وما تزال تنمي موهبتها بكتابة الخواطر

رهف يوسف
قامشلوـ ، وتشيد بنظام التَّعليم وروح المحبة التي كانت سائدة في السَّابق، داعية لإضافة حصة للأخلاق إلى المناهج التّعليميّة الحديثة.
"رحلة النَّجاح لا تتطلب البحث عن أرض جديدة، ولكنها الرَّغبة والنّظر إلى الأشياء بعيون جديدة" حقيقةٌ أثبتتها نساء شمال وشرق سوريا، فبعد أن كنَّ يبحثنَّ فقط عن دورات محو الأمية لتعلم القراءة والكتابة، ها هنَّ اليوم يحصلنَّ على الشّهادات الأكاديمية، ويتفوقنَّ في مجال دراستهنَّ وعملهنَّ.
 
"قدمتُ الثّانويّة وأنا حامل والتحقت بالجامعة مع ابني"
نوركل حرسان (50) عاماً، أمٌ لخمس أبناء، تعمل في مجال المُجتمع المدني منذ ثماني سنوات تقريباً، قالت "كنت عضو وإدارية بجمعية شاويشكا، وحالياً إدارية بمنظمة فجر لتنمية وتمكين الشَّباب، تخرجت في عام 2018 من جامعة روج آفا".
وشاويشكا جمعية نسائية مستقلة تدعم المرأة من كافة الجوانب وتحافظ على تراثها، أعلنت عن افتتاح مكتبها في قامشلو عام 2012.
وتروي لنا نوركل حرسان، تجربتها بالتّعلم بعد أنَّ كبر ابنائها "دخلت الجّامعة، بعد افتتاحها مباشرة عام (2016)، فلم يكن هناك أعمار ومواليد محددة، لذا تقدمت للدراسة مع ابنتي وابني". لقد سجل ابنها في قسم التَّاريخ، أما هي فقد اختارت قسم التّربية معلم صف في الوقت الذي كانت تبلغ فيه من العمر (45) عاماً.
وأضافت "درست لعامين متواصلين، وكنت الأولى على دفعتي، تلقيت دعماً وتحفيزاً كبيراً من زوجي وأولادي، وامتلكت رغبة جامحة لأتابع تعليمي"، وذكرت أن أكبر مشجع لها كان ابنتها التي تخرجت من كلية الهندسة الزّراعية "حثتني على خوض غمار التّجربة".
وبينت أنها عاشت طفولة صعبة، فوالدها المزارع ورغم أنه أحب التّعليم، إلا أن العادات والتَّقاليد السَّائدة في ذلك الوقت كالزَّواج المبكر والحيار هي المُتحكمة بقرارات الجميع "زوجوني في الـ 17 من عمري، وقدمت الثَّانويَّة بفرعها الأدبي بعد زواجي، كنت في الشَّهر الثَّاني من الحمل، وبعد أسبوع من ولادة ابني البكر، صدرت النتائج ونجحت".
وعن سبب عدم قدرتها على المتابعة آنذاك قالت "الطَّفل بحاجة لحب واهتمام، وتربيّة، ومتابعة، لذا لم أستطع أن أكمل دراستي".
وبينت أنه في ذلك الوقت كانت قلة من الفتيات يكملنَّ تعليمهنَّ، وترجع الأسباب إلى الزّواج المبكر، وعدم وجود الانفتاح والسّماح لهنَّ بالابتعاد عن المنزل "العائلات التي كانت تُعلم الفتيات قليلة، ورغم أنَّ أسرتي منها، لكن ضغط العادات والتَّقاليد لا يرحم".
 
"خسرنا روح الجّماعة والمحبة"
وترى نوركل حرسان، أنّ المعلمين/ات في وقتها كانوا أكثر التزاماً "كانوا يعطون الدَّروس بضمير وطاقة، ويعتبرون الطّلاب كأبنائهم، ولأنني تفوقت في مدرستي لقيت اهتماماً كبيراً من المعلمين والإدارة".
وعن جمالية تعليم ذلك الوقت وتفرده عن الحاضر، قالت "عدم توفر التَّلفزيونات ومواقع التّواصل الاجتماعي، في ذلك الوقت ساهمت بأن يحب الأطفال المدرسة وأن يروها بمثابة مساحة للخروج من المنزل والحصول على المعرفة".
وتعتبر أن الواقع التعليمي والاجتماعي خسر اليوم روح الجّماعة والمحبة المتمثلة بـ "مسافة الطَّريق التي كنا نقطعها للمدرسة مع رفاقنا ذهاباَ وإياباً، وألعابنا الممتلئة بالحياة والحركة، والتي تعطي الحيوية والنَّشاط للجسم كالحبلة، والاختباء، والرَّميلة وغيرها، إضافة لفرحة امهاتنا بعودتنا للمنزل وتحضيرهنَّ الطعام من أجلنا يومياً وفخرهنّ بنا، أحنَّ إلى كل ذلك".
وتابعت "فهمنا الكثير من الأشياء بسلبية، فصرنا حبيسي مواقع التّواصل الاجتماعي التي سيطرت على حياتنا وأصبحت من ضرورياتها، وانقطعنا عن التّواصل الحقيقي مع أسرتنا، وأقاربنا، وأصدقائنا، لدرجة أننا نسأل عن بعضنا عن طريق الهاتف المحمول ونحن في نفس المنزل، وكل فرد أصبح مشغولاً بنفسه، إضافة لحالة الحرب وغلاء الأسعار، وصعوبة تأمين متطلبات المعيشة".
 
"نقلت حب التّعليم لأبنائي... ولم أترك الكتابة" 
تهوى نوركل حرسان المُطالعة "لدي مئات الكتب، وأقرأ دائماً دون كلل أو ملل، ولم أنسى حب التّعليم يوماً". وتشير إلى أنها نقلت لأبنائها هذا الحب "كنت دائمة التّركيز على تحفيز أبنائي للدراسة، وأجلس معهم لساعات طويلة لأضمن حصولهم على التّحصيل العلمي المُناسب، لدرجة أنَّ التّلفاز تحول في منزلنا لجزء من الأثاث فقط، فلم نكن نستخدمه كثيراً".
وتقرأ بكثرة لأدهم الشّرقاوي "أسلوبه يجذبني فمن شدة تعلقي بكتاباته أحفظ اسماء الشّخصيات، لأنني أشعر أنه يعطي قيمة لكل شيء ويُلحن جمله، وأقرأ أيضاً لأحلام مستغانمي، وأثير عبد الله النّشمي، باولو كويلو، وجبران خليل جبران"، وتضيف "تضم جمعيتنا منتدى (الصَّالون الأدبي) نقرأ شهرياً رواية أو كتاب ونناقشه". 
وتكتب الخواطر من الصَّف العاشر، حتى أنها أثارت دهشة معلميها بموهبتها "لم أترك الكتابة، وانشر اليوم خواطري على صفحات مواقع التّواصل، ولي متابعين بالمئات، وأشعر أنني قادرة على التّطور في هذا المجال".
تؤكد نوركل حرسان أنها فخورة بنفسها وتعتبر أن العمر ليس إلا مجرد رقم، يجب ألا نشعر بالاكتئاب مع تقدمه، "الحياة مستمرة ويجب أن نعيشها، لذا علينا مواكبتها، ومجتمعاتنا اليوم منفتحة أكثر".
وبالنسبة لمجال عملها أسهم التّعليم بتطوره، "وصلت لمستوى زميلاتي التَّعليمي، وزادت ثقتي بنفسي، ومعلوماتي وثقافتي توسعت، مما أسهم في تقوية ونمو شخصيتي". 
وتدعو المدرسين للالتزام والاعطاء بضمير، مشددةً على وجوب وضع "حصة للأخلاق" ضمن المناهج، "في ظل هذا الغزو الثّقافي نحتاج لذلك، فقد اكتسبنا العديد من الاشياء الخاطئة". 
وتؤكد على أن المرأة التي تمتلك الطموح والرَّغبة لا يوجد حدود أو عوائق يمكن أن تُثبط من عزيمتها، وستكمل الطَّريق رغم كل شيء.