السوريات هن المتضرر الأكبر من العقوبات ورفعها فرصة لاستعادة دورهن
انعكس تأثير العقوبات على سوريا في مختلف المجالات واستهدف الشعب لا السلطة، والنساء أكثر من غيرهن فأصبحن عرضة للاستغلال والعنف وغيرها من الانتهاكات.

لميس ناصر
دمشق ـ في بلد يعيش أكثر من 90% من سكانه تحت خط الفقر، وانهارت فيه شبكات الدعم والرعاية، لم تكن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري مجرد أداة ضغط سياسية، بل تحولت بمرور الوقت إلى أعباء ثقيلة يدفع ثمنها المواطنون، وفي مقدمتهم النساء.
تصف الناشطة المدنية تيما عيسى من الجولان وتسكن العاصمة دمشق هذه المرحلة بالقول "كانت النساء العمود الفقري الصامت لتحمل الأعباء، لكن الصمت لا يعني الغياب، بل المقاومة اليومية"، فمع انهيار الاقتصاد السوري، وتراجع الخدمات الأساسية، تحولت النساء إلى خط الدفاع الأول في مواجهة الجوع، وانعدام الرعاية، وفقدان الأمن الاجتماعي.
من السوق السوداء إلى العمل غير الرسمي
تقول تيما عيسى إن العقوبات عززت من هشاشة وضع النساء، ودفعت كثيرات للعمل في مجالات غير رسمية وغير محمية قانونياً "تعمل النساء بأعمال خدمية أو بيع مفرق أو مهن زراعية خطرة، في ظل غياب أي حماية من التحرش أو الاستغلال أو الظلم في الأجور"، لافتةً إلى أن غياب آليات الشكوى، والانهيار المؤسساتي، جعلا من النساء فريسة سهلة في بيئات عمل لا تنظر إليهن إلا كيد عاملة رخيصة.
وبينما تسدّ النساء فجوات الاقتصاد المنهك، تدفعن أيضاً الثمن في منازلهن، إذ ارتفعت نسب العنف الأسري، وازدادت الضغوط النفسية على الأمهات، في ظل العجز عن تلبية حاجات العائلة أو الوصول إلى أبسط مقومات العيش الكريم.
النساء في قلب الخطر
لم يقتصر تأثير العقوبات على سوق العمل، بل انعكس بشكل مباشر على القطاع الصحي، حيث باتت كثير من الأدوية الأساسية نادرة أو باهظة الثمن، تقول تيما عيسى "النساء فقدن القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، والمتابعة خلال الحمل والولادة، وحتى الفوط الصحية صارت رفاهية أضف إلى ذلك أزمة المياه والجفاف وتدهور الأمن الغذائي، وكلها عوامل جعلت النساء أكثر عرضة لسوء التغذية والأمراض".
في هذا السياق، لا يبدو تراجع أوضاع النساء تفصيلاً جانبياً، بل تهديداً مباشراً لاستقرار المجتمع "عندما تنهار صحة النساء، تنهار الأسرة، ينهار التعليم، وتنهار أي قدرة على النهوض".
رفع العقوبات فرصة يجب أن تكون لصالح النساء
رغم تعقيد المشهد، ترى تيما عيسى أن رفع العقوبات لا يجب أن يُفهم فقط كقرار سياسي أو اقتصادي، بل كفرصة حقيقية لتمكين النساء واستعادتهن لدورهن الريادي في المجتمع السوري "أعظم انتصار ممكن أن تحققه النساء من رفع العقوبات هو استعادة المساحات التي خسرنها قسراً"، مشددة على أن أي عملية تعافٍ اقتصادي أو سياسي يجب أن تضع النساء في قلبها لا على هامشها.
وأضافت "نحن لا نطالب بالامتيازات، بل بالحقوق الأساسية وهي الغذاء، الدواء، التعليم، الأمن الشخصي، والمشاركة السياسية، فالنساء هن من حافظن على نسيج الحياة السورية في أسوأ الظروف، وهن من يجب أن يُمنحن الدور الأكبر في عمليات إعادة البناء والمصالحة والعدالة الانتقالية".
نساء السلام لا نساء الحرب
وفي ختام حديثها ترفض تيما عيسى فكرة تصوير النساء فقط كضحايا، وتقول "نعم، النساء دفعن الثمن الأكبر، لكنهن أيضاً حافظات الذاكرة، وصانعات السلام الحقيقي. لا عدالة في سوريا من دون النساء، ولا سلام مستدام إذا لم تكن النساء في مراكز صنع القرار".
تلك الرؤية التي تحملها تيما عيسى ليست مجرد أمنية فردية، بل مشروع حياة لنساء كثيرات تنتظرن فرصة للعودة إلى المشهد، ليس فقط كمعيلات في الظل، بل كمشاركات حقيقيات في صنع مستقبل مختلف.