أم ليبية تقود أبناءها الصم نحو النجاح وسط مجتمع لا يسمعهم
قد يكون من السهل أن نسمع صوت من يتحدث، لكن التحدي الحقيقي يكمن في أن نُنصت إلى من لا صوت له. لا تزال فئة الصم تقف على هامش الاهتمام المجتمعي والمؤسسي، رغم ما تملكه من قدرات كامنة وطموحات محطّمة بين جدران التهميش.

ابتسام اغفير
بنغازي ـ من خلال رحلة بحث صحفي شاقة لإجراء لقاء مع امرأة تنتمي لفئة الصم أو ترعاها، تكشّفت ملامح أزمة أعمق مثل قلة وجود مترجمي لغة الإشارة، وانعدام التمثيل لهذه الفئة في المؤتمرات والمناسبات المعنية بذوي الإعاقة، مقارنة بالحضور البارز لفئتي الكفيف والإعاقة الحركية، لسبب بسيط، لأن لديهم صوتاً مسموعاً.
حميدة بوزريبة، وهي أم لفتاتين وشاب من فئة الصم وضعاف السمع، خاضت معهم رحلة كفاح مؤلمة وطويلة، بدأتها من نبذ المجتمع لها، فقط لأنها أنجبت أطفالاً "مختلفين"، وصولاً إلى تخرجهم وتكوين أسرهم، رغم كل العقبات.
وتقول حميدة بوزريبة "تُعتبر فئة الصم من الفئات التي تُهضم حقوقها، حيث لا يحظى أفرادها بالاهتمام الكافي. فعلى سبيل المثال، في المؤتمرات المخصصة للإعاقة، نجد تمثيلاً لفئات مثل المكفوفين وذوي الإعاقة الحركية، بينما تُغفل فئة الصم، كما أن لغة الإشارة لا يتقنها سوى عدد قليل من الناس، مما يجعل صوتهم غير مسموع لدى الجهات المسؤولة في الحكومة، مما يعيق حصولهم على حقوقهم. وتتعرض النساء من هذه الفئة لضغوط اجتماعية متعددة خلال مراحل الدراسة والعمل. لذا، نحن بحاجة ماسة إلى أشخاص قادرين على إيصال صوت من لا صوت لهم، ونتمنى أن يولي الإعلام اهتماماً خاصاً لهذه الفئة، وخاصة النساء".
وعن التحديات والعوائق التي واجهتها في تربية أبناء من ذوي فئة الصم في مجتمع صعب مثل المجتمع الليبي، تقول إن الصعوبة تكمن تحديداً في تربية بنات من ذوي الاحتياجات الخاصة فئة الصم، ومن أجل أن يندمجن في الأوساط الاجتماعية لابد أن يتفهم هذا الوسط وضعهن وإعاقتهن "كنت حريصة بشكل كبير ألا يتعرضن بناتي للتنمر من قبل المحيطين بهن".
الأوساط المحفزة والداعمة لها تأثير على هذه الفئة
وأضافت أنها كانت تدعم بناتها بقوة عندما يواجهن التنمر في أي مكان أو محيط بأنها تمنعهن من الاستمرار في التعامل مع هذا المحيط المحبط جداً والمسيء لهن "ربيتهن في بيئة صحيحة، ولو اضطرني الوضع في كثير من الأحيان أن أحدد لهن الوسط الذي يعشن فيه حتى لو كان هذا الوسط مقرب مني بما أنه لم استطيع تفهم خصوصية الوضع الذي يعشنه بناتي، فأفضل الابتعاد عنه ووضع حد للتعامل معه".
وأكدت على أن الأوساط المحفزة والداعمة تجعل الفتيات ينطلقن فيما بعد للمحيط الاجتماعي وتقبله بما فيه من معوقات وتحديات "بناتي استطعن تكوين أنفسهن وحصلن على شهادات عليا، وهذا اللي قمت به واستطعت أن أوصلهن لهذه المرحلة من النجاح، ولكن الحكومة بمختلف مؤسساتها لا تهتم بهذه الفئة فهي مقصرة في حقهم ويعانون التهميش بمختلف أشكاله".
ولفتت حميدة بوزريبة إلى أن ابنتها الكبيرة تخرجت من كلية الطب تخصص أسنان وجراحة فم، وهي أصيبت بالصم بعد اكتسابها للغة في عمر مبكر، وأصبحت من فئة ضعاف السمع وترتدي سماعة "حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أخرج بها إلى بر الأمان وحصلت على بكالوريوس طب جراحة الفم والأسنان، وهو ليس بالأمر الهين في مجتمعنا، وهي الآن تعمل منذ ثمان سنوات دون أن تحصل على راتب فهي تعمل في مركز للمعاقين كطبيبة أسنان ويتم الاستعانة بها في ترجمة لغة الإشارة".
وأكدت "يجب أن يسعى صندوق التضامن، ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة شؤون المرأة، لحل مثل هذه الأمور لهذه الفئة، خاصة أن العمل في القطاع الخاص متعب ومرهق للطبيبة حديثة التخرج، ومردوده المادي غير مناسب للتعب والمجهود الذي تبذله، فهي تستبعد العمل فيه، لأنها وجدت نفسها في عملها الحالي الذي نتمنى أن تنظر له الحكومة وتعطيها حقها".
وأفادت حميدة بوزريبة أن ابنتها، التي تنتمي إلى فئة الصم، تزوجت وأنجبت أطفالاً من نفس الفئة، بالإضافة إلى أنهم يعانون من اضطراب التوحد وهنا زادت المعضلة، حيث لم يجدوا مركزاً يجمع بين هذين التخصصين "لم يكن هناك متخصص في التوحد يتقن لغة الإشارة، مما أدى إلى بقاء ابنتها، التي تبلغ من العمر عشر سنوات، في المنزل دون أن تتعلم شيئاً، ولم نتمكن من تأهيلها".
الحاجة إلى رعاية خاصة وجمعيات تدعم هذه الفئات
وأشارت إلى غياب جمعية قوية مثل جمعية الكفيف التي تدعم الصم والبكم وتوصل صوتهم، قائلة "بالنسبة للكفيف، لديهم صوت، ومن الطبيعي أن يصل هذا الصوت إلى الجهات المسؤولة للاهتمام بهم. أما الصم والبكم، حتى عند استخدامهم لغة الإشارة، فإن القليل فقط من الناس يفهمها، مما يؤدي إلى انتهاك حقوقهم. على الرغم من وجود جمعية للصم في السابق، إلا أنها أغلقت، ولم يتم إنشاء جمعية بديلة لهم، كما أن المعهد الذي كان يقدم خدماته بشكل متميز قد دُمّر خلال الحرب".
وأوضحت أن عدد الصم ليس بالقليل، حيث يوجد عدد كبير من الأطفال الذين يعانون من فقدان السمع، وتعتبر زراعة القوقعة حلاً طبياً ناجحاً، إلا أنها لم تنجح مع حفيدتها بسبب إصابتها بالتوحد ومع ذلك، تمكن الأطفال الذين خضعوا لزراعة القوقعة من الاندماج في المدارس العامة، لكنهم لا يزالون بحاجة إلى رعاية خاصة ومعلم يفهم احتياجاتهم ويعرف كيفية التعامل معهم.
ولفتت إلى أن دمج ذوي الإعاقة في المدارس العامة يتطلب مزيداً من الاهتمام، ويجب تهيئة بيئة تعليمية ملائمة لهم ويعتبر المعلم العنصر الأساسي في هذا السياق، حيث ينبغي أن يكون لديه فهم شامل لخصوصيات كل نوع من الإعاقات التي يتعامل معها، فبعض الأشخاص يعتقدون أن ذوي الاحتياجات الخاصة يقتصرون على فئة الإعاقة الحركية فقط.
وفي ختام حديثها وجهت حميدة بوزريبة نصيحة للأمهات حيث يعتبرن هن الأساس في التربية ولابد لهن أن يتقبلن الوضع حتى يستطعن التعامل معه لأن الإنكار يصعب عملية التربية، فالأم المتقبلة تستطيع أن تكون قوية وتقوم بالتربية الصحيحة لأبنائها، ولابد من التركيز على الثقة بالنفس وأن يكونوا على قناعة أن عليهم أن يتقبلوه ويتعايشوا معه.