النساء في غزة تتحملن أعباء مزدوجة وتأمين قوت اليوم الواحد بات هدفهن الأساسي
بات الواقع في غزة مخيف خاصة بعد مرور نحو 19 شهر على حرب لا يوجد لها مثيل في التاريخ فهي إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى مرعب لمن في خارج البلاد وداخلها.

أسماء فتحي
القاهرة ـ الكثير من الكلمات المرعبة عادة ما ترتطم بصخور اليأس بمجرد الحديث عن حرب بين مشاهد القتل وترويع الآمنين وصراخ الأطفال والأشلاء المتناثرة وغيرها من الأفكار التي تجهد القلب قبل العقل في محاولة سردها بجمل معبرة عن الواقع حيث تناضل وتقاوم غزة لنحو 19 شهر متصلة تحت وطأة حرب لا تعترف بحق الحياة.
عند تقريب تلك الصورة أكثر والحديث عن النساء نجد أننا أمام صورة أكثر تعقيد ومسؤوليات مركبة بين تأمين أدوات الحياة الأساسية والابتكار في بحث بدائل العيش البسيط في ظل حصار لم يدع أياً من البنى الأساسية التي تعين أهل غزة على البقاء والعيش.
وبعد تصاعد الأحداث وسط التخاذل الدولي الصارخ والحديث حول التهجير هنا وهناك، حاولت وكالتنا التعرف أكثر على واقع النساء داخل غزة في الوقت الراهن.
رجاء مسلم باحثة اقتصادية عالقة في القاهرة ولكن جميع أفراد أسرتها داخل غزة وتتحمل ألم الفراق والخوف كما أنها تُعرف عن كثب ماذا يحدث الآن لذويها مترقبة أن ينتهي ذلك الكابوس وتعود الحياة لقطاع غزة.
واقع مخيف وآمال عالقة
أكدت رجاء مسلم، أن الوضع صعب للغاية في غزة والأفق ضيق فهناك تضارب في المعلومات مع كل لحظة يتم الحديث عن وقف الحرب دون جدوى، مضيفة أن الأوضاع تتجه نحو الأسوأ فالمجاعة تضرب غزة منذ شهرين ولا أحد يستمع لصرخات سكانها التي لم يعد لديهم ما يكفي لقوت يومهم.
ولفتت إلى أن والدها ووالدتها وكامل عائلتها في غزة والحياة باتت سلسلة من نزوح إلى آخر ومن منطقة لأخرى وفي كل مكان يقال لهم أنهم في مأمن ثم يتم إخطارهم بالإخلاء ويقعون يومياً فرائس للتهديد المؤلم، قائلة إنها تحيا كل يوم على أمل أن تصبح الانفراجة قريبة وأن يعود السلام والاستقرار مرة أخرى.
واقع النساء في غزة
ولفتت رجاء مسلم، إلى أن المرأة أصبحت في ظل الحرب تقوم بدور أصعب من السابق فباتت تسعى للبحث عن الطعام والماء وتخرج صباحاً لمحاولة تأمين احتياجات أسرتها فهي تبحث عن إمدادات الطعام حتى تضمن تأمينه لأطفالها وذويها، مشيرةً إلى أن الأمر يظهر جلياً في الطوابير التي تقف أمام "التكيات" والتي بات عددها قليل وهو ما يزيد من العبء عليها.
وأضافت أنه لا يوجد غاز في غزة الآن والنساء يتحملن عبء البحث عن الحطب لاستخدامه في طهو الطعام والاستحمام، كما أن آلية غسل الملابس اختلفت فباتت تقوم بذلك بيدها، كما أن مواد التنظيف غير متوفرة فباتت تدبر بدائل لذلك.
من تجربتها الشخصية "مشاهد خوف"
وعن حالتها قالت رجاء مسلم "أنا أعيش في رعب متواصل لا أستطيع أن أحيا بشكل طبيعي فهناك شيء بداخلي مكسور فقد أصبحت عالقة أنتظر أن أحدث والداتي وأخبرها دائماً أن لقانا قريب"، مؤكدة أنها لا تبرح الأخبار فأذنها عالقة مع ما يذاع حول الوضع في جميع تحركاتها وانتقالاتها وبات نومها مجرد سقوط من قمة الخوف والهلع واستيقاظها إما صرخة أو قصف.
وتضيف باكية "أخبر والداتي عند محادثتها عن إيماني بأني يوماً ما سأكون بين ذراعيها وأغفو وأنا مطمئنة فهذا أملي".
الصمود سيد المشهد ولا رغبة في التهجير
وكشفت رجاء مسلم أن الصمود سيد الموقف في غزة، مؤكدة أنه لا بديل عن ذلك، فإن محاولات التهجير غير مقبولة "تلك الأرض لأهلها ولن يفرطوا بها، بل على العكس هناك تمسك بها أكثر من ذي قبل".
وأكدت أن هناك نضال وإن سكان غزة لن يتركوا أرضهم، معتبرة أن رفض الدول لاستقبال أهل غزة جيد لأن ذلك في صالح القضية فلن يقبل أحد توطين الفلسطينيين وكذلك المواطنين في الداخل يقولون الموت دون المغادرة والقليل فقط خرج خوفاً وتحد وطأة الموت بالإجبار، ووصفتهم بـ "السمك بلا ماء يمت" ومن خرج يومياً ينتظر العودة.
واعتبرت أن الوسائل المتبعة للتهجير سواء بالتهديد أو الترغيب لن تجدي نفعاً خاصة بعد إغلاق المعابر فهناك محاولة لإيصال الأهالي لسدة اليأس والإحباط حتى يفروا تاركين أرضهم ولكن هذا لن يحدث.
وفي ختام حديثها، أكدت الباحثة الاقتصادية رجاء مسلم أنه لا توجد أية رغبة في التهجير رغم أنهم 24 ساعة يومياً تحت وطأة القصف، وكل ليلة تمض بين الترقب والحذر فالقصف ليس ببعيد عن أحد ولا يوجد بصيص أمل أمام الأهالي، قائلة "لا يوجد شخص واحد ترك غزة راغباً ومن في الداخل يخبرونا أن الموت دون الأرض هو الفوز الأكبر".