عددهن في تزايد... ما الذي يدفع الفتيات التونسيات إلى الانتحار؟
أقدمت ثلاث فتيات تونسيات مؤخراً على الانتحار بمدينة سيدي بوزيد وذلك بعد تسجيل عمليات مماثلة بشكل متواتر، فما هي الأسباب؟

نزيهة بوسعيدي
تونس ـ يمكن أن تعود زيادة حالات الانتحار في صفوف الفتيات في تونس إلى مجموعة من الأسباب المعقدة والمتداخلة، منها الضغوط الاجتماعية والأزمات الاقتصادية، الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الافتراضي، العنف الأسري وغيرها العديد من الأسباب.
أسباب متداخلة
سجل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي خلال الثلاثي الأول من العام الجاري 8 حالات انتحار في صفوف الإناث وسط سياق عام انتشر فيه العنف الممارس ضد المرأة والذي وصل حد القتل.
وجاء في التقرير الأخير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية، أنه تم تسجيل 3500 حالة انتحار في العشر سنوات الماضية دون احتساب الحالات غير المعلنة وأن نسبة الإناث بلغت 29،6 بالمائة.
ويدفع تعدد حالات الانتحار في صفوف الفتيات وطالبات المدارس إلى التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، وتقول رغدة فحولة وهي طالبة ماجستير في علم الاجتماع، إن انتحار الفتيات ليس له سبب واحد بل هناك أسباب متعددة اجتماعية واقتصادية ونفسية لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية والوضع الاجتماعي للفتيات.
واعتبرت أن انتحار الفتيات تحول إلى ظاهرة تحتاج دراسة علمية للتعرف على الأسباب الرئيسية للانتحار وانتشاره مع مزيد التعمق في ظاهرة القتل التي تطال النساء، موضحة أن قتل النفس أو القتل عن طريق شخص ظاهرة مقلقة ومفزعة في تونس تتطلب المعالجة أولاً والقيام ببحوث حتى نعرف الأسباب الحقيقية والعلمية وراء ذلك ونتمكن من معالجتها، مضيفةً "المعالجة تتطلب علماء نفس واجتماع وكذلك أطرافاً من السلطة وخارجها".
وأشارت الباحثة في علم الاجتماع نجاة العرعاري، إلى أن الشعور بالحرمان العاطفي الناتج عن ارتفاع معدلات الطلاق وغياب التماسك الأسري، بالإضافة إلى انتشار ثقافة سلبية قائمة على اليأس والإحباط وفقدان الأمل، يساهم في زيادة حالات انتحار الفتيات، بدلاً من تعزيز قيم التضامن والإيجابية.
وأضافت "نلاحظ أيضاً انتشار المخدرات والإدمان على تعاطيها، خاصة بين الطلاب من الإناث والذكور، في ظل نظام تعليمي ضاغط ومحبِط نتيجة كثرة الدروس".
الابتزاز واليأس
وقالت الناشطة في المجتمع المدني شيماء صنهاجي "رصدنا العديد من حالات الانتحار في صفوف الشابات وأن العدد في تزايد لكن للأسف لا يتم الإعلان عن ذلك"، لافتةً إلى أن الشابات يقدمن على الانتحار بسبب الخوف من المشاكل العائلية وهذا ينضوي أيضاً ضمن قتل النساء.
وأشارت إلى أن السبب الأساسي وراء انتحار الفتيات، سواء من بين التلاميذ أو الشابات في العشرينات من أعمارهن، يعود إلى المشاكل العائلية أو الصعوبات في علاقاتهن الاجتماعية وبالتالي، فإن الخوف من المجتمع أو الكراهية للوضع الذي يعشنه يدفع بعض الشابات إلى اتخاذ قرار إنهاء حياتهن.
وشددت على ضرورة إعطاء الأولوية للاهتمام بالشابات، والبحث عن طرق لتعزيز الدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى توفير أخصائيين نفسيين للاستماع إليهن ومعالجة مشاعر الإحباط التي يشعرن بها، مضيفةً أن دور الجمعيات يعدّ مهماً أيضاً في المساهمة بتقليل هذه الظاهرة، ودعمهن للخروج من حالة الخوف واليأس.
وفي ختام حديثها وجهت الناشطة شيماء صنهاجي رسالة إلى مثيلاتها من الشابات بأن أي مشكلة في الحياة لها حل وأنه يجب أن تحاول الشابة التطوير من ذاتها من خلال الانضمام إلى جمعيات أو التواصل مع أشخاص إيجابيين.
من جانبها قالت لينا بن سنوسي ناشطة في جمعية أصوات نساء، إن "حالات الانتحار في صفوف الشابات في تزايد خلال الفترة الأخيرة وعندما نبحث عن الأسباب نجد أنهن تعرضن إلى الابتزاز سواء بالصور أو برسائل تهديد"، موضحةً أنهن عندما تجدن أنفسهن دون إحاطة نفسية أو اجتماعية خاصة في خضم صراع الأجيال يخشين التحدث إلى الوالدين ويخفن من ردة فعلهما فيتم اللجوء إلى الانتحار.
وحول الحد من الظاهرة ومعالجة الأسباب، أوضحت "أعتقد أن إيجاد الحلول يبدأ من المنظومة التعليمية ووضع مختص نفسي في كل مؤسسة تربوية يتولى القيام بالإحاطة النفسية والقانونية والتوجيه نحو كيفية التعامل مع الشخص الذي يقوم بالابتزاز".
وأكدت أن التقليص من الظاهرة يجب أن يبدأ بالتعليم لأن التعليم له دور هام جداً ثم الجمعيات التي يمكنها القيام بالإحاطة بالحالات عن طريق مراكز الإنصات الموجودة صلبها، وكذلك القيام بالتوعية والاستقطاب للعمل المدني.
بشكل عام، يتفق الباحثون على أن تدهور الوضع الاجتماعي في تونس، إلى جانب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتوتر الأوضاع السياسية وانسداد الأفق، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الخريجين، قد أسهم في خلق أجواء من الإحباط وفقدان الأمل في المستقبل، وقد دفع ذلك العديد من الأفراد إلى اتخاذ قرارات مأساوية مثل الانتحار.