القوافل الطبية في المغرب... حل مؤقت أم بداية تغيير؟
في ظل التحديات الصحية والاجتماعية التي تواجهها النساء في المغرب، تلعب القوافل الطبية النسائية دوراً أساسياً في توفير الرعاية الطبية والعلاج المجاني، خاصة في المناطق النائية والأحياء الشعبية.

حنان حارت
المغرب ـ تعمل القوافل الطبية على الحد من المشاكل الصحية التي تعانيها النساء في المغرب، ومواجهة العوائق البنيوية للمنظومة الصحية، فهل تستطيع هذه المبادرات ضمان حق النساء في العلاج بشكل مستدام، أم أنها مجرد حل مؤقت لا يعوض غياب نظام صحي متكامل؟
هذه المبادرات تتجاوز تقديم الفحوصات الطبية لتشمل أيضاً الدعم النفسي والتوعية الصحية لضحايا العنف الأسري والنساء المعرضات للتهميش، ولكن، إلى أي مدى تستطيع هذه القوافل أن تلبي الاحتياجات الصحية الحقيقية للنساء في وضعية هشّة؟
في حين تشير الدراسات إلى أن حوالي 30% من النساء في المناطق القروية لا تحصلن على الرعاية الصحية اللازمة بسبب ضعف البنية التحتية الصحية وصعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية، كما أظهرت دراسة صادرة عن وزارة الصحة المغربية أن 20% من النساء في الأحياء الشعبية تواجهن صعوبة في الوصول إلى خدمات الصحة، وذلك بسبب التكاليف المرتفعة أو بعد المسافة عن المراكز الصحية، وتزداد هذه الصعوبات بشكل خاص بالنسبة للنساء اللواتي يعانين من وضع اقتصادي هش أو اللواتي تتعرضن للعنف الأسري.
في بهو مركز إيواء لضحايا العنف بحي الوحدة في المحمدية، كانت الأجواء تعج بالحركة، وعشرات النساء ينتظرون دورهن، بعضهن يحملن أطفالهن، وأخريات يتهامسن بترقب، جميعهن جئن للاستفادة من الفحوصات الطبية المجانية التي توفرها القافلة الطبية، التي نظمتها فيدرالية رابطة حقوق النساء ليوم واحد.
وسط الزحام، لفتت الأنظار امرأة تحتضن طفلها الصغير، الذي لم يتجاوز عامه ونصف، تحاول تهدئته، كانت عيناها مرهقتين، وملامحها تحمل قلقاً أثقل من قدرتها على البوح به، صغيرها مصاب بداء السكري المزمن، لكن إمكانياتها المحدودة جعلت متابعة علاجه بانتظام أمراً صعباً، وأحياناً مستحيلاً.
عندما وصل دورها، تقدمت بخطوات مترددة، وكأنها تخشى أن تسمع خبراً سيئاً، دقائق قليلة من الفحص والمحادثة كانت كفيلة بتخفيف بعض من حملها، إذ قرر الفريق الطبي تبني حالة الطفل، لضمان استمرارية علاجه ومراقبته بشكل دائم، عند خروجها، تنفست بارتياح لأول مرة منذ أشهر، وقالت وعيناها تلمعان بالأمل "لم أكن أعرف ماذا سأفعل القافلة اليوم منحت طفلي فرصة جديدة كي يعيش بصحة أفضل".
إلى جانب هذه الحالة، استفادت نساء أخريات من الفحوصات والتحاليل الطبية المجانية، إذ لم تكن هذه مجرد قافلة صحية عابرة، بل كانت يد العون التي انتظروها طويلاً.
إحدى المستفيدات كانت بصدد أخذ الدواء بالمجان الذي وصفه لها الطبيب، تقول "لم أكن أعلم أن ارتفاع داء السكري قد يكون خطيراً، ولم يسبق لي أن قمت بفحص طبي منذ سنوات"، لافتة إلى أهمية هذه المبادرات في رفع الوعي الصحي للنساء، خاصة اللواتي لم يكن لديهن فرصة للوصول إلى الخدمات الطبية.
عين تسهر على صحة النساء المهمشات
وفي زاوية أخرى من المركز، كانت تتحرك حكيمة وقاس المساعدة الاجتماعية بفيدرالية رابطة حقوق النساء بين النساء الوافدات، تتحدث عن أهداف الرابطة، وتعكس ملامحها اهتماماً صادقاً وهي تتابع الحالات الصحية للنساء اللواتي وجدن في القافلة الطبية فرصة نادرة للحصول على رعاية طالما كانت بعيدة المنال.
وحول ذلك قالت حكيمة وقاس "القوافل الطبية لا توفر فقط العلاج، بل تمنح النساء شعوراً بالأمان والرعاية في ظل ظروف معيشية صعبة"، لافتة إلى أن تنظيم مثل هذه القوافل الطبية ضرورية جداً للنساء اللواتي تعشن في وضع هش، حيث لا يقتصر دورها على تقديم الفحوصات الطبية، بل يشمل أيضاً التوعية والتحسيس حول قضايا صحية مهمة".
وأوضحت أن "القافلة الطبية تضم أطباء متخصصين في الطب العام، وأمراض النساء، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الغدة الدرقية، ما يساعد النساء على فهم أوضاعهن الصحية واتخاذ خطوات للعناية بأنفسهن".
كما أكدت أن العديد من الحالات التي تصل إلى المركز ليست فقط ضحايا للعنف، بل أيضاً ضحايا للإهمال الصحي والحرمان من العلاج "الكثير من النساء اللواتي يأتين إلينا لم يقمن بفحص طبي منذ سنوات، بعضهن يكتشفن أمراضاً مزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط لأول مرة هنا، هذه القوافل لا تعالج فقط، بل تنقذ أرواحاً، لأنها تفتح أعين النساء على أهمية الرعاية الصحية".
ورغم سعادتها بتقديم هذه الخدمات، تعي حكيمة أن قافلة واحدة لا تكفي، فالكثير من النساء يحتجن إلى متابعة طبية مستمرة لا يوفرها النظام الصحي الحالي بسهولة.
وأشارت إلى حالة الطفل ذي السنة ونصف، المصابة بداء السكري، والتي أثرت فيها بشدة "والدته كانت في حالة قلق شديد، لأنها لا تستطيع توفير العلاج بانتظام، حين قرر الأطباء تبني ملفه لضمان متابعة علاجه شعرت بفرحة كبيرة، هذه القوافل تعني أكثر من مجرد زيارة طبيب، إنها تعني الأمل في حياة أفضل".
وبحسرة ممزوجة بالعزيمة قالت حكيمة وقاس "نحاول قدر الإمكان متابعة بعض الحالات الحرجة بالتعاون مع الأطباء المتطوعين، لكننا نحتاج إلى حلول مستدامة، إلى نظام صحي يراعي هشاشة أوضاع النساء، فالقوافل الطبية خطوة مهمة، لكنها ليست كافية، ونحن نحتاج إلى التزام طويل الأمد لضمان صحة النساء اللواتي تعشن على الهامش".
نحو حلول مستدامة لخدمات صحية شاملة
ومن جهتها، بينت نبيلة جلال رئيسة فرع فيدرالية رابطة حقوق النساء في المحمدية، أن هذه القوافل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الوعي الصحي وضمان حق النساء في الرعاية الطبية.
وأضافت "نحن نعمل باستمرار من أجل تحسين البنية التحتية الصحية، وتوسيع نطاق الخدمات الطبية لتشمل جميع النساء، خاصة في المناطق النائية".
وأكدت على أهمية تقديم الخدمات الصحية للنساء "في مراكز الاستماع والإرشاد القانوني التابعة لنا، والتي تقع في أحياء شعبية، نواجه يومياً مشكلات النساء في الخدمات الصحية، بعض النساء لا تملكن الوعي الكافي بأهمية صحتهن، فيما تواجه أخريات مشاكل صحية خطيرة، مثل ضعف البنية التحتية الصحية، قلة الأطباء، وطول مواعيد الاستشارات الطبية"، مشيرة إلى أن هذه المشاكل تؤثر بشكل أكبر على النساء في وضع اقتصادي هش، حيث يصبح الحصول على رعاية طبية جيدة تحدياً صعباً.
وشددت على أهمية العمل على صحة النساء، خاصة أنهن تشكلن 51% من الفئة السكانية في المغرب، مما يجعل تحسين خدمات الرعاية الصحية لهن أمراً أساسياً "لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون ضمان حق النساء في الصحة، فحرمانهن من الخدمات الصحية ينعكس سلباً على المجتمع".
رغم النتائج الإيجابية الكبيرة لهذه القوافل، إلا أن الناشطات في مجال حقوق النساء يؤكدن أن الحل الحقيقي يكمن في توفير خدمات صحية مستدامة وليست حملات مؤقتة، مؤكدة على أهمية التعاون بين المجتمع المدني والقطاع الصحي والحكومة، لضمان استمرارية هذه الخدمات "من المهم تجهيز المراكز الصحية في المناطق النائية وتوفير الأطباء المتخصصين بشكل دائم، إلى جانب تعزيز الوعي الصحي بين النساء، خاصة فيما يتعلق بالأمراض المزمنة والصحة الإنجابية".