الهروب من الصراع إلى الهجرة... حين تصبح النجاة مغامرة مميتة

بقيت النساء أكثر الشرائح التي تعاني من جحيم الصراع وويلاته، وتتعرضن لشتى أشكال العنف النفسي والجسدي وفقدن أفراد من أسرهن، ما جعلهن تخترن الهجرة والنزوح بحثاً عن الأمن لهن ولأبنائهن.

ميرفت عبد القادر

السودان ـ منذ اندلاع الصراع في السودان منتصف نيسان/أبريل 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يعاني المواطنون بشكل مستمر ومتواصل من انعدام الأمن والاحتياجات الأساسية من دواء وغذاء، ونتيجة توسع دائرة الصراع تفاقمت الأزمة وأصبحت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية حول العالم.

شهد السودان أكبر أزمة نزوح في العالم، فوفق إحصائيات منظمة الهجرة الدولية، فإن أكثر من 12 مليون شخص نزحوا داخل البلاد.

ووفق بيان جديد صادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في حزيران/يونيو الجاري، ازداد عدد السودانيين المهاجرين إلى أوروبا بنسبة 134 في المائة في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 مقارنةً بنفس الفترة من العام السابق.

وأشار تقرير المفوضية إلى أن ثلث سكان السودان (واحد من أصل كل ثلاثة أشخاص) أصبحوا نازحين قسراً، وأن أكثر من 3.8 مليون شخص عبروا الحدود إلى الدول المجاورة.

ووفق إحصاءات مفوضية شؤون اللاجئين فإن أكثر من 53% من إجمالي حالات النزوح في البلاد هن نساء.

 

"طريق الصحراء هو الخيار الأنسب"

لم يكن أمام الشقيقتين صفاء ومروة محمد سوى سلوك طريق الهجرة غير النظامية، بعدما أنهكهما الصراع الذي اجتاح حياتهما وحياة أطفالهما، فبعد أن فقدتا زوجيهما في معتقلات قوات الدعم السريع بمنطقة الحاج يوسف في ضاحية بحري بالخرطوم، أصبح البقاء في الولاية تهديداً مستمراً على حياتهما، لذلك لجأتا إلى النزوح القسري من منطقة إلى أخرى داخل السودان أملاً في إيجاد ملاذ آمن، لكن توسع رقعة الصراع ليشمل ولايات عدة أجبرهما في نهاية المطاف على اتخاذ قرار صعب وهو عبور الصحراء عبر طرق التهريب إلى إحدى دول الجوار، هرباً من جحيم الصراع.

ألتقت وكالتنا بهما في قلب الصحراء وهن يتأهبن لمواصلة الطريق على ظهر عربة مكشوفة وأشعة الشمس الحارقة على رأسيهما مباشرة هن وأطفالهن حيث تبدو عليهم جميعاً ملامح الإرهاق والخوف من المجهول.

وتقول صفاء محمد لوكالتنا إنها وشقيقتها وأطفالهما أمضو يومهم الرابع في الصحراء متجهين إلى إحدى دول الجوار بحثاً عن الأمن والحياة الكريمة بعد أن توسع الصراع وأصبحت العديد من ولايات السودان غير آمنة علاوة على غلاء المعيشة وانعدام الدواء وتدهور التعليم.

أما عن خطورة الطريق، فأوضحت أن "البقاء في السودان أكثر خطورة في الوضع الحالي لذا كنا بين خيارين صعبين هما البقاء وسط أصوات البنادق أو الخروج من البلاد عبر هذا الطريق الخطر وتحمله حتى ننجو إن كُتِبت لنا النجاة".

 

النساء هن الضحية وتدفعن الثمن في الحروب

إسراء علي وهي طالبة بإحدى الجامعات السودانية، توقفت دراستها بسبب الصراع وفقدت والدها إثر قصف مدفعي دمر منزلهم بولاية الخرطوم العاصمة السودانية، اختارت الهروب من المجهول للمجهول لعلّه يكون الأفضل، خرجت هي ووالدتها المريضة للسفر عبر الصحراء لإحدى دول الجوار بحثاً عن الأمن والعلاج والدراسة.

وتقول إسراء علي لوكالتنا، إنه "لأول مرة نضطر للسفر خارج السودان عبر هذا الطريق واضطررنا للخروج عن طريق التهريب بعد أن أرهقنا النزوح من ولاية لأخرى داخل السودان".

وعن معاناة النساء في السفر عبر هذه الطرق، لفتت إلى أنها طرق ليست آمنة ومحفوفة بالمخاطر، فالمسافرون بها غير مطمئنون ويجعلون عدم وصولهم أو وفاتهم أحد الاحتمالات.

وأشارت إلى أن غالبية رحلات الهجرة الغير شرعية تتضمن عدداً كبيراً من النساء، إذ يعمد العديد من الرجال في الأسر السودانية إلى إرسال زوجاتهم وأطفالهم إلى دول أكثر أماناً، بينما يظلون هم في السودان.

وعن معاناة النساء في هذه الطرق، تقول إسراء علي أنهن تبقين بالعراء في الصحراء وسط مخاطر كبيرة قد تواجه حياتهن وأطفالهن ومصيرهم وسط الحيوانات المفترسة والحشرات السامة والقاتلة لعدة أيام، وسط تخوف أطفالهن الكبير من هذه المخاطرة.