"الإعاقة انطلاقة" مبادرة لضمان الحقوق الأساسية لذوي الإعاقة في سوريا
تحمل مبادرة "الإعاقة انطلاقة" في جعبتها خططاً مستقبلية واسعة وطموحة، لضمان الحقوق الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا.

راما خلف
دمشق ـ في عالم مليء بالتحديات، تبرز قصص أفراد استطاعوا أن يحوّلوا الصعوبات إلى محطات انطلاق، فيثبتون أن الإصرار قادر على كسر القيود، وأن الأمل يمكن أن يصنع فارقاً حقيقياً في حياة الآخرين.
واحدة من هذه القصص المضيئة هي حكاية منى عمقي التي رغم الإعاقة الجسدية التي ولدت بها، تحولت إلى صوت بارز في مجال تمكين ذوي الإعاقة في سوريا.
ومنذ طفولتها، واجهت واقعاً صعباً يتطلب منها جهوداً مضاعفة لتحقيق طموحاتها، لكنها لم تستسلم للظروف، كانت والدتها الداعم الأول لها، شجعتها على الدراسة والعمل، وتزرع في قلبها الإيمان بقدراتها، إلا أن الرحيل المفاجئ لوالدتها في عام 2011 شكّل منعطفاً مؤلماً في حياتها، دفعها إلى مرحلة من الانعزال والاكتئاب، ابتعدت خلالها عن الجامعة والعمل، وفقدت خلالها حافز الاستمرار.
لكن مع مرور الزمن، استعادت منى عمقي توازنها مستلهمة وصية والدتها التي كانت ترددها دوماً "لازم تكملي"، ومن هنا ولدت فكرة مبادرتها "الإعاقة انطلاقة"، التي لم تكن مجرد مشروع مؤقت، بل تحولت إلى رسالة حياة تهدف إلى دعم وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم في سوق العمل.
ومنذ تأسيس المبادرة، واجهت منى عمقي وفريقها العديد من التحديات، من بينها صعوبة إقناع الشركات بقدرات ذوي الإعاقة المهنية، والافتقار إلى بيئات عمل مهيأة بشكل كافٍ، لكنها تصدّت لهذه العقبات بتنظيم ورشات تدريبية وتوعوية، والعمل على بناء شراكات تكون نظرتها النمطية مختلفة، ونجحت المبادرة في توفير فرص تدريب وتشغيل للكثير من الأفراد، مما ساهم في تحسين حياتهم الاجتماعية والمادية.
ولم تكتف بهذا الحد؛ ففي كل مناسبة كانت تبحث عن طرق جديدة لدعم المجتمع. خلال شهر رمضان أطلقت مع فريقها مبادرة "تكسي الإفطار"، حيث شجعت العائلات على التبرع بسكبة طعام يومية لإيصالها إلى الأسر المحتاجة، مجسدة بذلك روح التكافل والبساطة في العطاء.
كما أن تجاربها خارج سوريا، لا سيما في الإمارات، منحتها رؤى جديدة حول كيفية تطوير واقع ذوي الإعاقة في سوريا، وبعد عودتها، بدأت بنقل هذه الخبرات وتطبيقها على أرض الواقع من خلال المشاركة في مشاريع رسمية، منها تقرير الحوار الوطني لذوي الإعاقة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بهدف الدفع نحو سياسات أكثر شمولية وعدالة.
ورغم الإنجازات، لا تخفي منى عمقي لحظات التعب والإنهاك التي تمر بها، لكنها في كل مرة تستعيد دافعها الأساسي وهو أن هناك من يحتاج هذا الجهد، من ينتظر كلمة أمل أو فرصة حياة، فبالنسبة لها، الاستسلام لم يكن يوماً خياراً مطروحاً.
وتعيش اليوم حياة مستقلة منذ خمس سنوات، وتسعى ليس فقط لتغيير نظرة المجتمع تجاه ذوي الإعاقة، بل لفتح أبواب الاستقرار الاجتماعي والعائلي لهم، وهي قضية غالباً ما تغيب عن النقاش العام في المجتمعات العربية.
وتحمل مبادرة "الإعاقة انطلاقة" في جعبتها خططاً مستقبلية واسعة وطموحة، تشمل مجالات النقل، التعليم، التوظيف، وضمان الحقوق الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة.
وتوجه منى عمقي برسالة لكل من يواجه تحديات في حياته وهو أن يبدأ حتى من أبسط الأمور، ويواصل رغم التعب واليأس، فالعالم سيتذكر في نهاية المطاف أولئك الذين لم يتوقفوا عن المحاولة.