تراجع نشاط الأحزاب حد من مشاركة المرأة التونسية في الحياة السياسية
أكدت الناشطة التونسية هند عمري أن المرأة التونسية لا تزال تواجه تحديات الوصول إلى المناصب السياسية رغم تقدمها في بداية الفترة ورغم أنها كانت عنصراً فاعلاً في الحياة السياسية.
إخلاص الحمروني
تونس ـ تراجع نشاط الأحزاب السياسية في تونس بعد 25 تموز/يوليو 2021 نتيجة الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد، والتي تضمنت حل البرلمان والحد من دور الأحزاب في صنع القرار، وقد أثر هذا التغيير السياسي بشكل كبير على قدرة الأحزاب على التفاعل مع القضايا الوطنية والمشاركة في الحياة السياسية.
بحكم أن الأحزاب كانت تمثل منصة أساسية لدعم مشاركة المرأة سياسياً وتعزيز دورها في صنع القرار، فقد حد غياب النشاط الحزبي من فرص تمكين المرأة، وانخفض التمثيل النسائي في المناصب القيادية الحزبية وساهم في تراجع الفرص المتاحة لتأهيل المرأة سياسياً وتعزيز وعيها بحقوقها.
وترى الناشطة التونسية هند عمري، وهي نقابية وعضو شبكة القيادات النسائية في تونس، أن الوضع السياسي الحالي أثر سلباً على نسبة تمثيل النساء في الهيئات المنتخبة "إن الواقع السياسي في تونس شهد تراجعاً واضحاً، وهو ما كان له تأثير على مشاركة المرأة في السياسة".
وبينت أن السبب الرئيسي لهذا التراجع يعود إلى "انكماش نشاط الأحزاب السياسية في البلاد"، مشيرة إلى أن الأحزاب لم تتمكن من الوفاء بوعودها الانتخابية للمواطنين، إضافة إلى اندلاع الصراعات الداخلية بينها.
وأوضحت أن "بعض الأحزاب أصبحت ملتوية في عملها، وهدفها الوحيد هو الوصول إلى السلطة، دون مراعاة مصالح الشعب، وهو ما خلق فجوة كبيرة بين الأحزاب والشعب"، وقد أدى هذا الفشل في تحقيق مطالب الشعب إلى تراجع مشاركة المرأة في السياسة، إذ أصبحت نسبة تمثيل النساء في الحياة السياسية أقل من السنوات التي تلت الثورة.
وأشارت إلى أن تمثيل النساء في البرلمان كان في البداية أفضل مقارنة بالسنوات الأخيرة "في انتخابات مجلس نواب الشعب لعام 2014، كان يوجد حوالي 29 امرأة من بين 217 نائباً، وهو ما يعادل نسبة 31 بالمائة".
ولفتت هند عمري إلى أن هذه النسبة كانت مرتفعة مقارنة بالأعوام التي تلتها، ففي انتخابات 2018، كانت نسبة النساء في المجالس البلدية نحو 47 بالمائة، وهو مؤشر إيجابي على قدرة المرأة على المشاركة في الحياة السياسية.
ومع ذلك، لاحظت أن الأرقام تكشف تراجعاً كبيراً في نسبة مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية لعام 2022، ففي انتخابات 2022، تراجعت وفق قولها "تراجعت نسبة مشاركة النساء بشكل ملحوظ، في سيدي بوزيد على سبيل المثال، من أصل 31 مترشحاً للانتخابات التشريعية، كانت هناك 11 امرأة فقط، منها امرأة واحدة فقط ضمن قائمة حزبية".
وفي ولاية القيروان وجدت من بين 54 مترشحاً للانتخابات التشريعية فقط 5 نساء، ما يعني أن النسب كانت متدنية للغاية، وقد أشارت إلى أن هذا التراجع انعكس على تمثيل النساء في البرلمان حيث انخفضت نسبتهن في مجلس نواب الشعب إلى حوالي 16 بالمائة فقط.
وفي قراءتها لهذا الوضع، أكدت أن هذه الأرقام تشير إلى أن المرأة التونسية لا تزال تواجه صعوبات في الوصول إلى المناصب السياسية رغم تقدمها في بداية الفترة التي تلت الثورة ويدل هذا التراجع الكبير في السنوات الأخيرة على الحاجة إلى دعم أكبر للنساء من مختلف الأطراف.
وقالت "أعتقد أن الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه المرأة يجب أن يأتي من كل الجهات، لأنه لا يمكن للمرأة أن تتحقق كامل مطالبها في السياسة دون أن يكون هناك تكاتف من السلطة والمجتمع المدني والإعلام".
وتطرقت هند عمري إلى الدور الذي يجب أن تلعبه السلطة في دعم مشاركة المرأة، مؤكدة ضرورة تبني سياسات تنموية تركز على النوع الاجتماعي "يمكن للسلطة أن تركز على تعزيز قدرات النساء القيادية والإدارية، بحيث يتم إعدادهن بشكل أفضل لمشاركة فعالة في الحياة السياسية"، موضحة أن ذلك يجب أن يشمل تعزيز قبول المجتمع لمشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، وتغيير النظرة التقليدية التي تقيد دور المرأة.
أما عن المجتمع المدني، فقالت هند عمري إن الجمعيات والمنظمات يجب أن تتبنى برامج تدريبية وورش عمل تهدف إلى تحفيز النساء على المشاركة في السياسة لأن ذلك يساعد النساء على فهم آليات العمل السياسي وكيفية التأثير في القرارات.
وأشارت إلى أن الإعلام له دور مهم في تمكين النساء ودعم مشاركتهن السياسية "يجب على الإعلام أن يعكس صوراً إيجابية للنساء في المجال السياسي، وأن يعزز من ظهور النساء القياديات الناجحات في مختلف المجالات"، داعية إلى ضرورة تسليط الضوء على تجارب النساء الناجحات.
ولفتت إلى أن المجتمع التونسي بحاجة إلى رؤية نساء قويات وقياديات لكي يتمكن من تغيير التصورات السلبية عن دور المرأة في السياسة"، مضيفةً "الإعلام يجب أن يساهم في تعزيز الوعي بأهمية مشاركة المرأة في الحياة العامة، سواء في السياسة أو في الاقتصاد".
وأوضحت إن الدورات التدريبية وورش العمل يجب أن تستهدف النساء في جميع المجالات لأنه من خلال هذه الورش، يمكن للنساء أن تتعرفن على حقوقهن السياسية وكيفية استخدام الأدوات الديمقراطية للتأثير في القرار السياسي "أنه لا يجب حصر هذه المبادرات في المدن الكبرى فقط، بل يجب أن تصل إلى المناطق الداخلية لتشمل أكبر عدد ممكن من النساء".
وفي ختام حديثها أكدت الناشطة التونسية هند عمري على أن الطريق أمام المرأة لتحقيق المزيد من المكاسب في المجال السياسي ما زال طويلاً، ورغم التحديات التي تواجهها، فإنها تؤمن أن المستقبل يمكن أن يحمل في طياته فرصاً أكبر للنساء، خاصة إذا تضافرت جهود جميع الأطراف لدعم مشاركتهنّ في الحياة العامة "المرأة التونسية لديها من الإمكانيات والطموحات ما يؤهلها للمشاركة الفعالة في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية، لكن يجب أن تتوفر لها الظروف المناسبة لتحقيق ذلك".