نساء الشرق الأوسط تعشن ظروفاً قاسية بسبب الحروب والنزاعات

في ظل ما تعيشه النساء في الشرق الأوسط بسبب الحروب والنزاعات، عبرت عن تضامنها مع هؤلاء النساء "القويات والصامدات" اللواتي تقاومن بكل الوسائل المتاحة بالرغم أنهن تعشن "محنة إنسانية" غير مسبوقة.

رجاء خيرات

المغرب ـ تعيش النساء في المناطق التي تشهد حروب ونزاعات، ظروفاً قاسية جداً، وإن كانت لكل منطقة خصوصيتها، يبقى القاسم المشترك بينهن جميعاً هو الظروف المأساوية التي يعشنها برفقة أطفالهن، أمام صمت دولي، حيث اندلعت الأزمات التي انعكست على وضع النساء نهاية القرن الماضي إبان وصول الأنظمة الاستبدادية التي عرفتها الدول العربية وبداية الاحتلال الإسرائيلي، ثم ظهور النظام النيوليبيرالي وتغوله وهيمنة الرأسمالية، وهو ما انعكس بشكل كبير وعميق على وضع النساء بالمنطقة.

ذكرت الناشطة الحقوقية نعيمة أقداد، أن الأوضاع التي تعيشها النساء في منطقة الشرق الأوسط "مؤلمة" خاصة نساء غزة وسوريا واليمن والسودان، وغيرها من المناطق التي تشهد نزاعات وحروب، مضيفةً أن النساء هن الفئة الأكثر تضرراً حيث تفتقرن لأبسط مقومات الحياة، في ظل انعدام الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والعمل، كما تنعدم الحماية والأمن والغذاء والعيش في بيئة سليمة.

 

نساء غزة رمز النضال والمقاومة

وتساءلت الناشطة نعيمة أقداد "أي العبارات يمكن أن أصف بها ما تتعرض له نساء غزة؟ فاللغة لا تسعف لوصف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه القوات الإسرائيلية بإيعاز ومباركة من المنتظم الدولي"، مضيفةً أن النساء في غزة تتعرضن للقتل والإبادة الجماعية بالآلات "الأميركية والألمانية والفرنسية"، حيث تحترقن بالقذائف والصواريخ والطائرات دون أدنى حماية.

وعبرت عن تضامنها مع هؤلاء النساء القويات والصامدات اللواتي تقاومن بكل الوسائل المتاحة، لافتةً إلى أنهن تعشن "محنة إنسانية" غير مسبوقة داخل المخيمات لعدم توفر أدنى مقومات الحياة وبالتالي فإن "اللغة نفسها تعجز" عن وصف معاناتهن وظروفهن القاسية.

واعتبرت أن "هذا التنكيل والإبادة بحق نساء وأطفال غزة هو واحد من أكبر الجرائم الإنسانية التي عرفها التاريخ البشري"، مشيرةً إلى أنه على الرغم من كل المآسي التي تعيشها النساء إلا أنهن تقاومن من أجل البقاء، من خلال الخدمات التي تقدمنها لأسرهن، كطهي الطعام بأبسط الوسائل، وتقديم خدماتهن بشكل تضامني وهو ما يجعل منهن رمزاً للنضال والمقاومة.

وحول صيغ التضامن معهن، قالت "كناشطات حقوقيات مغربيات نتأسف لعدم وجود مساعدة أو آلية فعلية لمساندتهن، باستثناء إصدار بيانات تندد بما يقع وتتعرضن له من مآسي، أو حملات للتوقيعات ضد الجرائم التي ترتكب بحقهن، ونشر وفضح المآسي التي يعشنها برفقة أطفالهن".

 

نساء سوريا بين التهجير القسري والاستغلال

وعن أوضاع النساء السوريات، لفتت نعيمة أقداد إلى أن الأزمة بدأت مع وصول "تباشير" ربيع الشعوب سنة 2011، وهوما أثر بشكل كبير وعميق على وضعهن بشكل خاص حيث تعرضن لتداعيات عميقة على جميع المستويات.

وأشارت إلى أن السوريات تتعرضن لشتى أشكال العنف والتنكيل، بدءاً من التهجير القسري والاعتداء الجنسي والاستغلال بكل أشكاله بسبب الأزمة التي كانت قد تدخلت بها مجموعة من العوامل الخارجية (إيران من جهة، تركيا، روسيا…) التي ساهمت في تأجيج الأزمة.

وأوضحت أن النساء في سوريا كن الفئة الأكثر استغلالاً منذ 2011 وإلى غاية 2024 مع سقوط نظام بشار الأسد ومغادرته البلاد إلى روسيا، لافتةً إلى أن تداعيات هذه الأوضاع كانت ثقيلة على النساء والأطفال، خاصة مع نزوحهن خارج وطنهن هرباً من الحرب والجوع والانتهاكات، في حين أنه حتى النساء اللواتي نزحن داخل سوريا لم تسلمن من ظروف العيش القاسية داخل المخيمات.

وأكدت أن صور السوريات وهن تحملن أطفالهن وتعبرن البحر للوصول إلى الضفة الأخرى كتونس والجزائر والمغرب كانت "مؤلمة وقاسية"، خاصة بالنسبة لمن فقدن حياتهن برفقة أطفالهن غرقاً في البحر.

وسجلت بالمقابل أن تداعيات الأزمة السورية كانت ذات تأثير كبير على النساء بسبب الفقر والتهميش وفقدان العمل والتعليم وتدني خدمات الصحة والسكن اللائق، فضلاً عن الآثار النفسية الناجمة عن هذه الأوضاع، نتيجة الصدمات المتكررة والخوف والهلع وانعدام الأمن والزواج القسري للفتيات والاستغلال الجنسي في مناطق النزوح واللجوء.

وعبرت عن أملها في أن يلملم شتات سوريا ويعود اللاجئون واللاجئات إلى بلدهم للمساهمة في إعماره وإعادة بنائه من جديد، خاصة وأن فئة كبيرة من مثقفي ومثقفات هاجروا خارج البلد وهم يملكون كل المؤهلات ما يكفي للانخراط في إعادة البناء من جديد.

 

اليمنيات محرومات من أبسط الحقوق 

وغير بعيد عن سوريا، عبرت الناشطة الحقوقية نعيمة أقداد عن قلقها إزاء الأوضاع التي تعيشها النساء اليمنيات، حيث أوضحت أن المجتمع اليمني بنيته قبلية كونه يعتمد نظاماً سياسياً خاصاً وهو النظام القبلي.

وبينت أن "النعرات الطائفية والحرب الدينية حتى بعد اتحاد اليمنين (الشمالي والجنوبي سنة 1990) كانت لهما تأثيرات عميقة على أوضاع اليمنيين، وخاصة النساء وهو ما زاده تأججاً الانقسام الديني، حيث أن 58 في المائة من الشعب هم من الحوثيين الموالين للنظام الشيعي الإيراني".

وأكدت أن المجتمع القبلي ينظر للمرأة نظرة دونية تحط من كرامتها الإنسانية، بالرغم من أن المرأة تلعب دوراً مهماً في تأسيس الأسرة والعائلة التي تكون القبيلة، إلا أن المجتمع الأبوي لازال يضعها في منزلة أدنى من الرجل.

وأوضحت أن ربيع الشعوب جاء بمطالب نسائية في اليمن قادتها نساء تلقين تعليماً إما داخل أو خارج البلاد وهن مثقفات ومناضلات استطعن أن تضعن مذكرة مطلبية تدعو للمشاركة السياسية للنساء، كما طالبن بالمساواة وتوفير كافة الحقوق الإنسانية للنساء خاصة وأنهن كن محرومات من كافة الحقوق سواء السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية مثل الناشطة الحقوقية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، وهي تعد قيادية بارزة في الثورة الشبابية اليمنية التي طالبت بإسقاط نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ولفتت إلى أن الحرب الأخيرة التي اشتعلت في اليمن بين الحوثيين والسعودية وأمريكا زادت من تأزم الأوضاع وهو ما انعكس بشكل كبير على النساء، اللواتي حرمن من أبسط شروط العيش الكريم والحقوق الأساسية، رغم أنهن تنخرطن في تقديم الخدمات الأساسية.

 

السودان بحاجة لنسائها

وانتقلت في حديثها إلى النساء السودانيات، حيث عبرت نعيمة أقداد عن أسفها لما تعانيه النساء هناك في أكبر وأغنى بلد في إفريقيا، ومع ذلك فنساؤه تعانين من الفقر والهشاشة بسبب التقسيم العرقي والديني (الشمال والجنوب) الذي تعرضت له البلاد بـ "مخطط صهيوني".

ولفتت إلى أن "السودان بلد غني بموارده الطبيعية حيث يخترقه النيل ويوجد به نفط، ومع ذلك يعيش سكانه الفقر والهشاشة، بسبب اختلاق مشاكل وهمية (دارفور) على يد أمريكا، التي ترى أن السودان بلد قوي في إفريقيا يجب اختراقه". 

وأوضحت أن تعاقب الحكم بين جعفر النميري وسوار الذهب وعمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة من حديد، حيث طبق ما يسمى بـ "الشريعة الإسلامية" المتزمتة وليس منفتحة قبل الإطاحة به، دفع البلاد إلى الفوضى والشتات، مما أثر سلباً على وضع النساء.

وأشارت إلى أن السودان في مرحلة كان ينعم بتعدد الأحزاب السياسية ومن بينها الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي، فضلاً عن وجود حركة نسائية تقدمية متطورة كحركة فاطمة إبراهيم التي أسست للحركة النسائية في السودان، قبل أن تجهض هذه الحركات.

ولفتت إلى أن الثورة السودانية دفعت نساؤها الثمن باهظاً بسبب اشتعال نيران الحروب العرقية والطائفية (المسلمون، المسيحيون، العلمانيون، اللادينيون…)، حيث كن تأملن إلى جانب الشباب الذين لعبوا دوراً مهماً في قيادة هذه الثورة التي أطاحت بحكم عمر البشير، في أن تتحقق مطالبهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وأكدت أن هذه الفوضى العارمة التي عمت البلاد وجعلت كل السودانيين يحملون السلاح تجرعت ويلاتها النساء بشكل خاص بحكم أنهن الفئة الأكثر تضرراً، مما دفع بعضهن إلى الهجرة في ظروف صعبة.

وخلصت نعيمة أقداد إلى أن السودان يتوفر على كفاءات نسائية مهمة، حيث يمكن للعديد من السودانيات المثقفات أن تلعبن دوراً مهماً في التوعية بقضاياهن وقضايا وطنهن.