إرث البنات واحتساب العمل المنزلي للزوجات... أبرز تعديلات مدونة الأسرة المغربية

قيدت الإصلاحات المقترحة في قانون مدونة الأسرة المغربي تعدد الزوجات، ورفعت سن الاستثناء لتزويج القاصرات مع تقييده بعدة شروط، وقدمت حلولاً بديلة فيما يتعلق بإرث البنات.

حنان حارت

المغرب ـ بعد مشاورات دامت لسنتين، خرجت مقترحات تعديلات مدونة الأسرة المغربية لحيز الوجود، في حين ينتظرها نقاش تحت قبة البرلمان، وذلك بعد المصادقة عليها من قبل مجلس الحكومة، حتى تتحول إلى قوانين ملزمة.

استقبلت (حليمة. ع) مقترحات تعديل مدونة الأسرة بفرحة كبيرة، قائلة "من أبرز النقاط التي أثلجت صدري هو اعتبار العمل المنزلي للزوجة مساهمة في الأموال المشتركة للأسرة"، معتبرة أن هذا الإجراء مكسباً مهماً للنساء المغربيات.

وأشارت إلى أنه "كربة بيت أقضي ساعات طوال في الأعمال المنزلية وأهتم بأبنائي وغيرها من المسؤوليات الملقاة على عاتقي، وللأسف مع كل الجهود التي أبذلها داخل البيت لا يتم احتساب ذلك، ولا أحصل على أي تقدير"، لافتةً إلى أن اعتبار العمل المنزلي للزوجة مساهمة في تنمية ثروة الزوج، سينصف العديد من النساء اللواتي أفنين عمرهن في رعاية الأسرة.

وليست فقط (حليمة. ع) من أشادت بمقترحات مدونة الأسرة، بل هناك العديد من المغربيات اللواتي نوهن بالمسؤولية القانونية والحضانة اللتان أصبحتا مشتركة بين الأب والأم، إضافة إلى عدم إسقاط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها للمرة الثانية، مع ضمان الحق في سكن المحضون، وتنظيم ضوابط جديدة لزيارته أو السفر به، بما يضمن المصلحة الفضلى للطفل، وتقليص أشكال الطلاق وتسهيل إجراءات الطلاق الاتفاقي وتقليص مدة البت في قضايا الطلاق.

كما نصت المقترحات أيضاً على أحقية الزوج أو الزوجة في الاحتفاظ ببيت الزوجية في حالة وفاة أحد الزوجين، وبالتالي عدم دخوله في التركة، وفيما يخص ميراث البنات، تم اعتماد مقترح المجلس العلمي الأعلى، الذي يتيح إمكانية هبة الأموال للوارثات قيد الحياة.

ومن أبرز المستجدات أيضاً وهو أحقية التوارث بين الزوجين في حالة اختلاف الدين عبر الوصية والهبة بدون شرط الحيازة، مع تنقيح المدونة من العبارات المشينة والمسيئة لكرامة النساء، وملاءمة باقي القوانين والإجراءات ذات العلاقة بالأسرة.

كما تضمنت الإصلاحات المقترحة أيضاً تقييداً لتعدد الزوجات، وذلك بإجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج، وفي حالة غياب هذا الاشتراط، فإن المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، سيصبح محصوراً في إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى يقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة.

وبخصوص زواج القصّر، تم تحديد سن الزواج في 18 عاماً، مع استثناء يسمح بالزواج في سن 17 عام إذا توفرت شروط صارمة لضمان الحماية، مع تعزيز الرقابة القضائية للتأكد من أن الاستثناء يبقى ضمن إطار الحالات الضرورية فقط. كما تم السماح بإمكانية عقد الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج دون حضور الشاهدين في حال تعذر ذلك، وتضمنت التعديلات كذلك إقرار تضمين المدونة الجديدة إنشاء هيئات للوساطة والصلح لمعالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء.

قالت ليلى إميلي رئيسة جمعية "أيادي حرة" لوكالتنا، إن نقاش ورش تعديل مدونة الأسرة المغربية شهد تطوراً ومساراً مهماً، حتى خرج إلى النور "لقد تم الاستماع إلى الجمعيات والأحزاب والنقابات والمؤسسات وكذلك إشراك المجلس العلمي، بهدف إيجاد حلول ومعالجة القضايا التي كانت تعاني فيها النساء من غياب الإنصاف"، معتبرة منح المرأة الحاضنة الحق في زواج جديد دون إسقاط الحضانة عنها حقاً طبيعياً وإنسانياً.

وحول مسألة استثناء بيت الزوجية من التركة، قالت "تمكين الزوجة والأبناء من الاستمرار في الإقامة ببيت الزوجية بعد وفاة الأب إجراء يهدف إلى حماية الأسرة من التشرد".

وعن إرث البنات، أشارت إلى أن العديد من الأسر التي لديها بنات فقط فكرة الممات تؤرقهم، لكون الإرث بالتعصيب يمنح الحق للعم أو أبناء العمومة في التركة، وبالتالي ضياع حق البنات "مسألة الهبة للوارثات هي في غاية الأهمية وهي حل للأسر التي ليس لديها ولد".

وحول مسألة الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة، أبرزت ليلى إميلي إنه مطلب لطالما ناضلت من أجله الحركات النسائية المغربية، خاصة وأن المغرب معروف بالكد والسعاية "إننا في مرحلة ننتظر فيها نصاً قانونياً واضحاً، وكيف سيتم تطبيق هذه المقترحات على أرض الواقع".

أما فيما يتعلق بقضية زواج القاصرات، ذكرت أن المنع النهائي كان هو المطلب الأساسي للحركات النسائية، معتبرة مسألة تحديد سن زواج القاصر عند 17 عام كاستثناء مشروط برغم كونه خطوة إيجابية، إلا أنه لا يلبي تطلعات الحركة النسائية لحماية حقوق الطفلات والفتيات التي تنادي بالمنع النهائي لتزويج القاصرات وتجريمه.

وقالت إنه لا يمكن الآن إصدار أحكام حول مدى نجاعة هذه التعديلات من عدمها، لأن ما تم الإعلان عنه يبقى مجرد مقترحات، في انتظار إعداد النصوص القانونية والواضحة، مبينة أن هناك مسار طويل ينتظر قانون مدونة الأسرة الجديد من أجل أجرأته على أرض الواقع؛ مؤكدة على مواصلة الترافع والتعبئة حول المطالب التي لم يتم الاستجابة لها، والتصدي لكل محاولات التشويش والتأجيج.

وفي ختام حديثها، شددت الناشطة الحقوقية ليلى إميلي على أنه "نحن اليوم أمام محطة أساسية، والأمر يحتم علينا حاليا النضج والتفكير بوعي".

ويذكر أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، كان قد عين في عام 2022 لجنة لمراجعة قانون الأسرة، والتي أعدت 139 مقترحاً بعد مشاورات واسعة شملت أكثر من ألف هيئة مدنية وسياسية وخبراء.

هذا وكان المغرب قد تبنى أول مدونة للأحوال الشخصية سنة 1958، أي بعد سنتين من الاستقلال، فيما شهد هذا القانون تعديلاً سنة 2004 ليصبح اسمه قانون مدونة الأسرة والذي اعتبرته الحركة النسائية حينها ثورة، لكن مع التطبيق كشف عن عدد من الاختلالات والثغرات، وهو ما دفع النسويات إلى الترافع من أجل الضغط بتعديله ليتماشى مع تطورات المجتمع المغربي ووضعية النساء.