ناشطات حقوقيات: زواج القاصرات يخلق جيل بحاجة لإعادة تأهيل

تعد ظاهرة تزويج القاصرات دون السن القانوني واحدة من الأزمات التي عملت على محاصرتها أغلب الجهات المعنية بحقوق النساء، ومع ذلك مازالت منتشرة ولم يتم التخلص منها في عدد ليس بالقليل من محافظات مصر.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أكدت ناشطات حقوقيات على أن الزواج دون السن القانوني هو انتهاك لحقوق الفتيات، حيث أنهن لا تدركن خطورة القرار الذي تتخذهن وما سيتبعه من مسؤوليات.

روضة جمال (اسم مستعار) التي لم تتجاوز بعد 35 عاماً، أم لثلاثة أطفال لديها شاب في المرحلة الجامعية والآخر في بداية المرحلة الثانوية، لم تشعر قط أنها قدمت شيئاً لسعادتها الذاتية منذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها حينما تقرر تزويجها من ابن عمها وتركها للتعليم، قائلةً "فرحت بأنني سأفعل ما فعلته صديقاتي وأتزوج على أمل التخلص من الدراسة والتعلم ومسؤولياته، بعد أن أخبرتني أسرتي أن مصيري للزواج ورعاية الأسرة، لأجد نفسي أقتل طفولتي وأتحمل مسؤولية إنجاب الطفل الأول فالثاني والثالث وأحيا لأجلهم وأبيهم والآن كبر الأطفال وأشعر أني سلبت حياتي منذ الصغر وأندم على ذلك الاختيار الذي لم أعيه حينها".

والتعامل مع أزمة تزويج القاصرات شائك للغاية لكونها واحدة من أهم القضايا ذات البعد الثقافي الراسخ في عقول الأهالي، يربطها البعض بحماية الفتيات وتوفير حياة أفضل لهن خاصة ما يتعلق بالوضع الاقتصادي الذي يبحث عنه الوالدين من أجل مستقبل أفضل لطفلتهم ولهم.

 

الإسكندرية لا تختلف كثيراً وتزويج القاصرات جزء من الوعي المجتمعي

قالت المحامية سناء رمزي أن "حالات تزويج القاصرات بمحافظة الاسكندرية كثيرة، وهو الأمر الذي تتحمل الفتيات تبعاته خلال مدة الزواج وغالباً لا ينجح ذلك الزواج بسبب صغر سن الفتاة وعدم وعيها وإدراكها للأمر"، لافتةً إلى أنها "بعد فترة من العمر تدرك حقيقة مشاعرها وتبعات القرار الذي اتخذته أسرتها مما يجعلها غير راضية بدرجة كبيرة عن حياتها وترغب في الخلاص منها".

وأرجعت السبب في انتشار ظاهر زواج القاصرات لزيادة نسبة طلاق الابوين الذي أثر سلباً على الفتيات وجعلهن عرضة للكثير من التصرفات الغير ملائمة لسنهم، وهو الأمر الذي يجعل الشخص المسؤول عن الفتاة يقرر تزويجها دون السن القانوني.

وكشفت أن بعض الأسر تقرر تزويج الفتيات في سن مبكر كنوع من الصفقات لكون الزوج غني كي لا يحملهم أعباء الزواج، حيث يعتبرونه المنقذ الذي سيضمنون سلامة ورفاهية طفلتهم معه.

 

غالباً ما تقع الفتيات ضحية للزواج دون السن القانوني  

لا يمكن إغفال تأثير تزويج القاصرات على مستقبلهن وجعلهن طرف في معادلة انتاج القهر بصورة أو أخرى، فالكثيرات منهن تثبتن لأنفسهن أن ما حدث لهن جعل واقعهن أفضل لإنجابهن الأطفال مبكراً وكأنه مهمة يجب أن تقوم به كل امرأة وهن صغار وغيرها من الأفكار التي قد تجعلهن يمارسون الشيء ذاته مع المحيطين بهن.

وتقول سناء رمزي أن "الفتيات دون السن القانوني لا تدركن خطورة القرار الذي تتخذهن وما سيتبعه من مسؤوليات، مجرد أنها سعيدة بارتدائها الفستان الأبيض والهدايا ومشتريات الزواج، وهو الأمر الذي يجعلها مبهورة وأسيرة للحظات الفرح والبهجة التي يقيمها المحيطين بها مما يجعلها متلهفة على ذلك لكونها غير واعية فعلياً بوجود انتهاك لحقوقها".

ولفتت إلى أن من مساوئ زواج القاصرات التي تظهر تبعاته لاحقاً، بعد إنجاب الأطفال أو مرور عدة سنوات حين تجد الفتاة نفسها مكبلة بأغلال في علاقة لا تدرك سبيل الخلاص منها، وبالتالي الكثيرات منهن تطلبن الطلاق لنجد بعد ذلك فتاة مطلقة في السن الذي كان عليها أن تبدأ فيه التفكير بمستقبلها.

 

 

تجارب مؤثرة لقاصرات تزوجن دون السن القانوني

الكثير من القاصرات تقيدن بجرائم مسكوت عنها داخل جدران منزل الزوجية ولا تفصحن عما يحدث لهن خوفاً من الوصم المجتمعي، لتستمر معانتهن دون أن يشعر بهن أحد ولا حتى عائلاتهن التي تدعي أنهم حريصون عليهن.

روت سناء رمزي واحدة من القصص المؤلمة لفتاة تم تزويجها في عمر الـ 16 عاماً، وكانت تتعرض للاغتصاب الزوجي، وظلت على هذا الوضع تتألم لنحو 3 أعوام حتى بلغت السن القانوني وتمكنت من رفع دعوى طلاق للضرر.

وواحدة من القصص المؤثرة أيضاً والتي تكشف عن زواج الصفقة، قامت أسرة بتزويج طفلتهم من موظف حكومي يعيش أوضاع اقتصادية مستقرة، فبقيت الطفلة تعيش تلك المعاناة وتحاول الاستمرار في ذلك الزواج لمدة 15 عاماً إلى حين هددت بالانتحار لتجبر أسرتها على الموافقة على طلاقها وإنهاء معاناتها.

وبدورها تقول المحامية أماني شوقي الباجوري، أن "هناك رابط كبير بين ارتفاع نسبة الطلاق والسن الصغير للزوجات، بالإضافة إلى أن لمواقع التواصل الاجتماعي التأثير الكبير على تلك الظاهرة من خلال أشخاص يروجون لمقاطع تؤثر على الفتيات حيث يجب اتخاذ إجراءات قانونية عقابية رادعة تجاه هؤلاء خاصة أن هناك فتيات تنجذبن بالفعل لمثل هذه المواقع التي توثر على عدد ليس بالقليل من الأهالي والفتيات ليعتبروها ملهمة أو مرشدة لهم في قرار تزويج فتياتهم دون السن القانوني".

والحديث عن الأطفال داخل المنظومة التي تدخلها الفتاة طفلة لا يحتاج الكثير من المضامين بل الإجابة على سؤال كيف لطفلة أن تربي وتعلم وتؤسس جيل سوي؟، "فعدد كبير من الجرائم الحالية وخاصة المرتبط منها بالعنف الممارس على النساء ناتج عن أسرة هشة لا يعي الوالدين فيها سبل تربية وتقويم وتهذيب سلوك أطفالهم فأخرجت للمجتمع أشخاص غير أسوياء يرتكبون الجرائم دون تأثر أو خوف".

وأكدت أن الأم مدرسة كما قيل تعلم الأجيال وتؤسس تكوينهم المبكر متسائلة "كيف لتلك الطفلة أن تربي وتعلم وتخرج جيل للمجتمع"، معتبرةً أن النتيجة الطبيعية لهذا الزواج خلق جيل بحاجة لإعادة تأهيل.

وأضافت أن الزواج دون السن القانوني انتهاك لحقوق الفتيات لأن أسرهن يجبرنهن على حياة لا تتناسب مع أعمارهن فتلك الطفلة لا تعرف شيئاً عن احتياجات الأسرة الناشئة أو متطلبات الزواج ولا تستطع تحديد ما هو مقبول في تلك المنظومة وما يعرض حقوقها للانتهاك.

وكشفت المحامية أماني شوقي الباجوري، عن أهمية الإجراءات العقابية الرادعة للمروجين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأفكار تنتهك بسببها حقوق الأطفال بتزويجهم دون السن القانوني، مشيرةً إلى أن علاج العبء الاقتصادي الذي كبد الكثير من الأسر بالتزامات أكبر من قدرتهم على التحمل أمر ضروري لحماية القاصرات من التزويج لأن الكثير من الأسر ترغب في التخلص من مسؤوليتهم بتزويجهن في صفقات تحمل قدر كبير من السلوكيات الغير آدمية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة أو الحاجة للمال.