آمال قرامي: القوانين التونسية لمكافحة العنف ضد المرأة تفتقر للتوعية

قالت الجامعية والباحثة آمال قرامي أن تونس عملت على تحسين القوانين والتشريعات لمكافحة العنف ضد المرأة ولكنها لم تعمل على تغيير العقليات عبر التوعية.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ قام الإعلام والمجتمع المدني في تونس بمجهودات كبيرة بهدف التوعية والتحذير من خطورة تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة إلا أن العنف مستمر وبأوجه مختلفة وبدأ يمارس بطرق أكثر وحشية.

في تونس هناك قانون خاص لمناهضة العنف ضد المرأة ويعد وضع النساء في قانون الاحوال الشخصية الأفضل في المنطقة لكن بالمقابل ما تزال نسب العنف تسجل أرقاماً كبيرة ما يطرح تساؤلات عديدة حول نجاح قانون عدد 58 لمناهضة العنف ضد المرأة.

 

"منظومة التعليم والتربية في تونس تنهار"

وترى الباحثة في مجال النوع الاجتماعي آمال قرامي أن المسالة مرتبطة بالبنية العقلية أي بالذهنيات التي لم يتم العمل عليها كثيراً بمعنى أن هناك اهتمام بالقوانين، والتشريعات، بالتعديل بالإصلاح "هناك اهتمام ببرامج الإصلاح في التعليم انطلقت منذ أكثر من عشرية من الزمن لكن لم تراجع في الجوهر في لب المشكلة".

وتساءلت "هل تغيرت أساليبنا في التنشئة الاجتماعية؟ وهل تم تسليط الضوء عليها وحُلّلت بعمق؟ لتؤكد أنه "في الحقيقة تم التراجع في المجتمع التونسي على مستويات متعددة لأن التسلح ضد الجهل يكون بتعليم جيد وهو الحصن الذي يحمي أي إنسان يفكر بعقل بينما منظومة التعليم والتربية في تونس تنهار".

وأضافت "نحن نمر بأزمة على كل المستويات على غرار غياب الفكر النقدي ليس كممارسة معرفية فقط بل في الجانب الإبداعي فكم عدد الناقدين في السينما كم عدد الناقدين في دراسات الميديا أي الكتابات التي تبين وجهات نظر مختلفة، تعددية فكرية، قبول الاختلاف والحوار حول مواضيع مختلفة".

وأكدت أن هناك غياب للفضاءات المفتوحة للمجتمع المدني التي تناقش العديد من القضايا منها تحولات المجتمع التونسي على مستوى منظومة القيم على مستوى السلوكيات، وآداب التعامل على مستوى قضايا مصيرية مثل الانقطاع المدرسي، وظاهرة التسول، والعنف من جميع الأطراف.

وأكدت أن كل ما سبق ذكره يسهل عملية الانسياق وراء الفكر الخرافي عوض الفكر النقدي ويرسّخ عدم الثقة في نجاعة المؤسسات التربوية، والثقافية، والإعلامية وغيرها، ويترك فراغاً وعند الفراغ يفقد الإنسان أسلحة المقاومة ألا وهي المعرفة المتينة ويفقد الثقافة القادرة على التصدي.

وأوضحت آمال قرامي أن المرأة التونسية شأنها شأن جميع أفراد المجتمع تفقد أدوات التفكير فيما يحدث من حولها، وما يحدث لها في ظل التعلق بوسائل التواصل الحديثة التي تسببت في تكلّس مستوى الحب والشغف بالمعرفة وعدم القدرة على قراءة أكثر من سطرين والضغط على الزر بالإعجاب دون قراءة المحتوى وهو ما يجعل نمط التفكير أيضاً يصبح سريعاً غير قادر على استيعاب ما يحدث من حوله فتدخل على الخط كل الظواهر القديمة والطقوس والشعوذة والإيمان بالخرافات والإيمان بالأساطير القديمة ويصبح من السهل الاعتقاد بأشياء دون إعمال العقل.

وقالت "نحن أمام أزمات متعددة وظواهر مركّبة لأن ضعف مستوى التعليم كتربية خاصة وغياب الأسرة المربية ولا أتحدث عن الأسرة الملبية للحاجيات الأساسية بل الأسرة التي تخلت عن دورها في التثقيف والتوعية، ولذلك أصبحنا نرى ظواهر غريبة داخل الأسرة، فالأم على الهاتف الجوال والأطفال كذلك هناك انقطاع في التواصل بين أفراد العائلة لتمرير القيم".

وأشارت إلى أنه "ليس لدينا برامج هادفة في التلفزيون بدل ثقافة التفاهة وثقافة الاستهلاك وليس لدينا برامج تناقش لماذا انتشر الفكر الخرافي وماهي مرتكزاته؟ لماذا ارتفعت نسب متابعة المشعوذين من قبل مهندسات ونساء حاصلات على درجات علمية كبيرة؟"، مبينةً أن ذلك يعود لأن "المرأة تعاني من الهشاشة النفسية وتبحث عن حلول وأسريّاً ليست لديها القدرة على إعالة نفسها وليست لديها الطاقة والصبر لأننا في عصر كل شيء يجب أن يتحقق بسرعة في غياب مفهوم التأني والصبر والمثابرة".

وبينت أن الأجيال القديمة كانت تجاهد من أجل كسب مكانة مجتمعية وتحقيق نجاح، وتفشل أكثر من مرة وتعيد الكرة، بينما في الوقت الراهن الإطار التربوي يتعرض للضغط لأنه إما أن يسند عدداً جيداً أو يتعرض للهجوم فتحولت الأعداد لسلعة وتزايد الغش والتطبيع مع ذلك.

 

المعالجة الشمولية

حول سبل المعالجة لكل هذه الاخلالات والظواهر السلبية قالت آمال قرامي "المعالجة يجب أن تكون شمولية لأنه ليس من السهل أن تعالج قطاعاً واحداً دون اعتبار القطاعات الأخرى فلا يمكن الحديث عن علاج قطاع التربية والتعليم دون معالجة قطاع الإعلام، وكذلك القطاع الثقافي والقطاع الرياضي لأنها منظومة متكاملة وظواهر يجب أن تعالج من زوايا مختلفة اجتماعية، اقتصادية، سياسية، قانونية ثقافية أمنية".

وأضافت "في تونس لا يتم التفكير في التوعية فالبرامج التوعوية غائبة أو بالكاد تكون موجودة قياساً ببرامج الآداب الاجتماعية التي تُبثّ على التلفزيون المصري والومضات التي تؤدب الناس وتعلمهم القيم المعيارية، والتضامن والتكاتف الاجتماعي، والرعاية، وآداب احترام المسنين بمعنى برامج تحرك فينا الإنسان ولا تحرك فينا العرض الاستعراضي، والاستهلاك، والتسليع كما هو في تونس وأحياناً تستفز وتدفع إلى ردود انفعالية وأحياناً البرنامج يكون عنصري أو يعطي محتوى فيه سخرية ودونية للمرأة ويكرس تطبيع العنف أو تسليع المرأة".

وقد أثرت هذه الذهنية الرأسمالية الاستهلاكية على المرأة فأصبحت مقدمة البرامج معتمدة اعتماداً كاملاً على شكلها المصطنع بعد إجرائها العديد من عمليات التجميل "تعتقد هؤلاء المذيعات أن هذا ما يصنع الشهرة بينما البرنامج الذي كانت تقدمه هالة الركبي سابقاً بغض النظر عن السياقات السياسية التي كانت فيها كان محتواها يرضي الجمهور وتحترم الذائقة الفنية الاجتماعية، وتعد فقرات تحترم الجميع ويمكن أن تشاهدها أطراف متعددة باختلاف الايديوليجيات والانتماءات الثقافية والفكرية والجغرافية، وساهمت في التعريف بالسياحة التونسية وبجغرافيا البلاد وبالتقاليد وأثارت نقاش محترم ومقبول".

وبينت آمال قرامي أنه يمكن توظيف معارف جديدة لتطوير المحتوى على غرار الاهتمام  بالتغيرات المناخية وكيفية المحافظة على الثروات الطبيعية وترشيد الاستهلاك، ولكن ما يحدث هو العكس وهو التراجع ولا توجد سياسة واضحة لمواجهة هذه الأزمات.

 

معايير جديدة

ما يؤلم هو أن المرأة في بعض المجالات خاصة الإعلام أصبحت تعمل على المظهر والصورة أكثر من عملها على الجوهر والمضمون وبخصوص صورة المرأة في الإعلام قالت الباحثة في مجال النوع الاجتماعي آمال قرامي "هناك معايير جديدة يتم اعتمادها وهو الاعتماد على الشكل والجسد وليس الفكر وهذه الممارسات تعد سخرية من المثقفات والمشرفين والتطاول عليهم دون أن يعرفوا الكم الهائل من الجهود التي بذلوها حتى وصلوا إلى تلك المواقع ولا نوعية الأسئلة التي يطرحونها لتكون هناك ديناميكية فكرية مع التنسيب. ويتم الاستهزاء بكل شيء وإخضاع كل شيء للتسخيف والتهكم للتقليل والاستنقاص من قيمة الآخرين وانسحابهم من الفضاءات التي تناقش وتحرك التفكير ولو قليلاً".