هل المساواة لا تزال حلماً مؤجلاً لنساء المغرب؟

من الشارع إلى البرلمان، ومن الجمعيات إلى المحافل الدولية، راكمت الحركة النسائية المغربية رصيداً من المطالب والإنجازات، لكن حلم المساواة ظل معلقاً، يوشك أن يمسك به، لكنه يفلت دائماً في اللحظة الأخيرة.

حنان حارت

المغرب ـ رغم عقود من النضال، لا تزال المساواة بين النساء والرجال في المغرب هدفاً بعيد المنال، فرغم المكتسبات القانونية التي تحققت، يكشف الواقع اليومي عن فجوات صارخة في الحقوق والفرص، ما يجعل كثيرات يتساءلن هل ما تحقق كان كافياً؟ وهل الحكومة تملك فعلاً إرادة سياسية لإنصاف النساء؟

 

من حلم الأمس إلى خيبة اليوم

في حي "سيدي البرنوصي" بالدار البيضاء، تقطن فاطمة. ج وهي امرأة في العقد الخامس من عمرها، شاركت في تسعينيات القرن الماضي في مسيرة نسائية رفعت شعارات المساواة في الإرث والطلاق والحضانة، تتحدث اليوم بنبرة يملأها الحنين والأسى "كنا نحلم بحياة مختلفة... لكن ما نريده لا يزال بعيداً"، مضيفة "كنا نعتقد أن بناتنا لن تحتجن للنضال نفسه، لكنهن تواجهن الآن نسخة أخرى من التمييز".

قصة فاطمة. ج، وإن كانت فردية، تعكس شعوراً عاماً يخترق صفوف النساء المغربيات في هذه اللحظة المفصلية.

 

من الظل إلى الصدارة

منذ ستينيات القرن الماضي، بدأت النساء المغربيات تخرجن من الظلال، تقتحمن الفضاءات السياسية والنقابية، وتطالبن بحقوق لا تمنح بل تنتزع، لكن القفزة النوعية بدأت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حين برزت حركة نسائية مدنية منظمة ترفع مطالب واضحة: المساواة، العدالة الجندرية، التمكين الاقتصادي والاجتماعي.

وفي عام 2004، جاء تعديل مدونة الأسرة تتويجاً لنضال طويل في خطوة وصفت حينها بالتاريخية، لكنها لم تكن كافية. اليوم، وبعد مرور أكثر من عقدين، تعود الأسئلة الكبرى لتطرح من جديد: هل ما تحقق كافٍ؟ وهل صناع القرار يملكون الإرادة الفعلية لتغيير واقع النساء؟

 

الصورة تتصدع

ترى الناشطة السياسية والجمعوية هند مميز أن الصورة النمطية عن المرأة بدأت تتآكل بسبب تراكمات نضالية حقيقية "لقد استطعنا بصبر ومثابرة أن نحدث شروخاً عميقة في صورة المرأة التقليدية التي تحصرها في البيت، وتعتبر الشأن العام حكراً على الرجال".

وأضافت "حققنا خطوات مهمة في التمكين الاقتصادي، والانخراط السياسي، والتحصيل العلمي، لكن الطريق لا يزال طويلاً لأن بعض البنيات الذهنية والثقافية ما زالت تشكل عائقاً، خاصة في قضايا مثل المساواة في الإرث التي تظل رهينة تأويلات اجتماعية أكثر من كونها دينية".

وأوضحت أن اللحظة الحالية تفرض مواصلة النضال لتتحول المساواة من شعار إلى ممارسة ملموسة، تبدأ في الأسرة وتصل إلى البرلمان.

 

 

المساواة ليست مطلبا نسوياً، بل شرط لمجتمع سوي

بينما تذهب الناشطة السياسية والحقوقية كلثوم مستقيم أبعد من ذلك وتضع المساواة في سياق مجتمعي أوسع "المساواة ليست قضية نساء فقط، بل رهان إنساني شامل، لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم في غياب عدالة اجتماعية حقيقية والمساواة إحدى أعمدتها الأساسية".

وفي هذا الصدد تعبر عن قلقها من التراجع في تفاعل المؤسسات مع قضايا النساء "كنا نسير في مسار واعد، لكننا اليوم أمام تباطؤ واضح في السياسات العمومية، وغياب رؤية شاملة تواكب التحولات، وتستجيب لاحتياجات النساء".

وشددت على أن التغيير لا ينبغي أن يختزل في التشريعات، بل يجب أن يشمل التعليم، والإعلام، والتصورات الثقافية، وأن يترجم في سياسات ملموسة تحارب التمييز بدل أن تكرسه "نريد قوانين عادلة متجذرة في الواقع قريبة من الناس"، مشيرة إلى أن المساواة ليست امتيازاً، بل حق وهي المدخل الحقيقي لبناء مغرب ديمقراطي يحترم جميع أبنائه وبناته.

 

 

لحظة اختبار

أما الناشطة النقابية والحقوقية أسماء الأمراني تعتبر اللحظة الراهنة اختباراً حقيقياً لمدى التزام المؤسسات بقضايا النساء "هناك شعور متنام داخل الحركة النسائية بأننا نعيش حالة تراجع، هذه لحظة تشريعية فارقة تتطلب الشجاعة، لا التوافقات السياسية الباردة".

وأكدت أن النساء لا يطلبن امتيازات، بل كرامة وعدالة "أي تراجع أو التفاف على جوهر الإصلاح سيكون ضياع نضال طويل، المساواة ليست ترفاً، بل أساس لأي عدالة اجتماعية".

وتختم قائلة "لا يمكن الاستمرار في إقصاء نصف المجتمع، المطلوب هو الإصغاء لأصوات النساء بجدية وصدق، ووضع الحقوق في صلب المعادلة لا على هامشها".

 

المساواة الرهان المؤجل

وفي ظل الترقب الكبير لمراجعة مدونة الأسرة، تخشى كثير من النساء أن تتحول اللحظة إلى "فرصة ضائعة"، إذا لم يتم التصدي بوضوح للتيارات المحافظة، وإذا لم توضع المساواة في قلب المشروع المجتمعي، لا في هوامشه، فالمساواة ليست مجرد نصوص قانونية، بل معركة ثقافية تمتد من البيت إلى المدرسة، ومن الإعلام إلى القضاء.

إنها معركة من أجل كسر الصمت، وتغيير الذهنيات، وتجديد الخطاب، وفتح أبواب العدالة والفرص أمام النساء.