بتضييق الخناق عليهن... السلطات تقلص فرص النساء للدفاع عن أنفسهن

اعتبرت الناشطة النسوية فضيلة محمد أن السلطات تمنع النساء من الدفاع عن حقوقهن بتضييق الخناق عليهن من خلال العديد من الخطوات، منتقدة الوضع الصعب الذي بلغته النساء في تونس ما أدى إلى تدهور الحقوق وتراجعها.

زهور المشرقي

تونس ـ يشكل القمع السياسي والاجتماعي للمرأة أحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات اليوم، حيث تفرض الأنظمة الفاشية قيوداً صارمة تحول دون تمتع النساء بحقوقهن الأساسية في التعبير، والتنقل، واتخاذ القرارات المصيرية في حياتهن.

الاستبداد الذي يُمارس ضد المرأة لا يقتصر فقط على القوانين والتشريعات التمييزية، بل يمتد ليشمل البنية الثقافية والاجتماعية التي تغذي هذه الأنماط القمعية، ورغم التحديات إلا أن النساء حول العالم يواصلن النضال من أجل التحرر والمساواة، مدعومات بحركات حقوقية تسعى إلى كسر القيود المفروضة عليهن وتمكينهن من الدفاع عن أنفسهن واستعادة حقوقهن المشروعة.

قالت الناشطة النسوية في منظمة مساواة، فضيلة محمد، أنه لم يأتِ قانون 58 هدية من أحد ولا هبة من جهة وإنما نالته المرأة التونسية بعد نضالات طويلة وتضحيات جسيمة وخاصة بعد ثورة 2011 وبالتالي فهذا القانون هو مكسب هام وخطوة جريئة في مجال التشريعات خاصة إنه فرض على الحكومة الاهتمام بالموضوع ودفعها للبحث في التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة وتكريس حقوق النساء واحترام الكرامة الإنسانية وذلك باتباع نهج يتصدى لمختلف أشكال العنف والتمييز، بمحاسبة المعنفين وبتعهد المعنفات مادياً واجتماعياً وصحياً ونفسياً.

وأوضحت "تعتبر تونس متقدمة عن باقي الدول العربية في هذا المجال التشريعي"، مشيرةً إلى أن واقع النساء في تونس اليوم يشهد "تناقضاً صارخاً" بين التشريع والتنفيذ وخير دليل على ذلك زيادة حدة العنف ضد المرأة وارتفاع نسبة المعنفات، بل وتطورت أساليب العنف "لم يعد عنفاً عادياً بل أصبح قتلاً بفنون الذبح والطعن والخنق والحجز والتجويع حتى الموت والحرق وقطع الأطراف والدهس والتهشيم وبكل الوسائل المتوفرة، ناهيك عن العنف السيبراني والتنمر والتحرش والعنف الاقتصادي كالأجور المخجلة وعمل النساء في ظروف قاسية مهينة ومضرة بصحتهن وسلامتهن".

ولفتت إلى أن الحكومة لم تتخذ عملياً التدابير اللازمة لتفادي هذه الأوضاع وفشلت في ذلك فشلاً ذريعاً، متسائلة "هل وفر الإرشاد القانوني ذلك في المدن والقرى والأرياف؟ هل رافق ضحايا العنف ونسق مع الجهات المختصة من أجل توفير المساعدة الاجتماعية والصحية والنفسية الضرورية؟ هل وفر مقرات لإيواء المتضررات من العنف وهيأهن لإعادة إدماجهن في المجتمع؟ هل وضعت سياسات وهل رسمت خططاً وبرامج تهدف للقضاء على العنف ضد البنات والنساء في الوسط الأسري والأوساط التربوية والاجتماعية؟ هل نشرت دور الثقافة الوعي والتربية على قبول الآخر واحترام الاختلاف وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في عقول الأطفال والشباب؟ نلاحظ أن دور الثقافة مغلقة أبوابها غالباً، ناهيك عن عدم توفرها في الأوساط الشعبية الفقيرة".

واعتبرت أن السلطة لم تدع مجالات للنساء للدفاع عن أنفسهن وضيقت عليهن الخناق في ولوجهن للشأن العام فازداد عدد السجينات من سياسيات ونقابيات وصحفيات وناشطات في المجتمع المدني "إن نساءنا يعشن تحت نظام عنصري معاد للحريات والحقوق رغم زيف الحقائق التي تروج لها الشعبوية ورغم تحميلها قتامة الأوضاع الحالية للمنظومات المخلوعة للتملص من مسؤوليتها في التدمير والخراب".

وأكدت فضيلة محمد على أن "الحل يكمن في النضال عامة ونضال نسائنا دون هوادة ضد هذه الهجمة الشرسة وأن تعملن إلى جانب المنظمات الحقوقية والنقابية والشبابية والأحزاب الوطنية والمجتمع المدني لنساهم في بلورة خيارات سياسية تخرج بنا من دهاليز الفقر والتخلف والمرض وتخلصنا من براثن التبعية المقيتة المدمرة، لا بد من العمل النضالي الدؤوب كي نتحرر من هذا الواقع الاقتصادي الطبقي وأن نؤسس نظاماً وطنياً جديداً يخدم عموم الشعب. إن الطريق إلى الخلاص ليس محاطاً بالورود ولابد من التحدي والسعي لتجاوز الصعوبات حتى ساعة الخلاص والتحرر من الاستغلال والنهب والتخلف والقضاء على العنف وكل أشكال التمييز الجنسي والاجتماعي".

وعن أهمية التضامن النسوي بين الأفريقيات والشرق أوسطيات والآسياويات، قالت فضيلة محمد إن الحركة النسوية عربياً أو إقليمياً أو دولياً ليست بحركة تطالب بحقوق النساء داخل حدود معينة، بل هي حركة تسعى إلى بناء تضامن يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية والدينية والسياسية وبالتالي التضامن عبر الحدود يشير إلى ضرورة توحيد الحركات النسوية لمواجهة التحديات المشتركة، مؤكدة أنه يجب الاعتراف أولاً بأن هناك عوائق تعرقل بناء حركة نسوية عربية أو إقليمية أو عالمية قوية لاعتبار البعد الثقافي الديني الذي يمثل صعوبة بالسياقات الثقافية والعقائدية والموروث الديني ودرجات التمسك بها في السعودية والإمارات العربية لا تتشابه مع نظيرتها في تونس والمغرب، وهو ما يعيق وضع استراتيجيات وبرنامج يلبي الاحتياجات النسوية، فضلاً عن التحديات السياسية بما يعني أن الحكومات لا تزال تضيق الخناق على النشاط النسوي داخلياً والبعض منها خاصة في الخليج تواجه الحركات النسوية تهم مثل "تهديد النظام الاجتماعي" أو "معارضة الحكم والمس بالدولة" وهذا ما يعطل تأسيس حركة نسوية قوية تعمل بحرية عبر الحدود.

ولفتت إلى أن الحركات النسوية في الدول الإسلامية خصوصاً تجد مقاومة من جزء لا يستهان به من النساء ذواتهن تحت تأثير الموروث العقائدي والديني وتحت سطوة القنوات والصفحات ذات المحتوى الرجعي الديني المتخلف التي تمولها جهات ثرية ومتعصبة تهدف إلى ضرب الوعي واليقظة العلمية لدى النساء وتركهن يرزحن تحت المعتقدات البالية في جهل متواصل حتى لا يستفقن ويقضن مضاجع هؤلاء المتحكمين برقابهن بحكم أنهن يمثلن نصف المجتمع، وبحريتهن تتسع دائرة المقاومة ضد التفقير والاستغلال والظلم وهو ما لا يرضاه المستبدون بالحكم والظالمون، بالإضافة إلى أن الحركة النسوية المتضامنة عبر الحدود كغيرها من الحركات سواء النقابية أو الشبابية أو الحقوقية تحتاج إلى تمويل للقيام بأنشطتها وتحركاتها والحال أنها تفتقر إلى الموارد.

وأشارت إلى أن ثورة تونس عام 2011، ثم الثورة في مصر والانتفاضات في ليبيا وسوريا ولبنان أعطت زخماً للحركة الشعبية، كما كانت دافعاً للتحرك النسوي واستمرت النساء في النضال بعزيمة لتحقيق مطالبهن وكسب ما يمكن كسبه ونالت التونسيات مكسباً وهو القانون 58 بتاريخ 11 آب 2017 وهو ما زادهن سعياً للعمل التعاوني والتنسيق العابر للحدود وأنشأت حركات حول مواضيع مختلفة كـ "التحرش في الأماكن العامة وفضح المتحرشين"، وأنشأت حسابات على مواقع التواصل الافتراضي تفضح سلوكيات العنف ضد النساء وإدانتها، كما روجت صوراً لنساء تقدن حركات احتجاجية في أنحاء المنطقة العربية خاصة وأبرزت مشاهد لنساء قمن بأدوار بارزة في حشد التظاهرات الضخمة.

وأوضحت أنه "إذاً كان لانتشار مواقع التواصل الافتراضي دور في تيسير التواصل والتعاون العابرين للحدود ولعل النشاط السيبراني في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا يبرز أهمية هذه المنصات وقد ساهم الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات في رفع مستوى المشاركة وفي الحد من العقبات التي تعترض الحركات النسوية، ولكن رغم أن النساء تمكنّ من الخروج إلى الشوارع وشاركن في سلسلة من الاحتجاجات حتى في اليمن وفي البحرين حيث القمع سيد الموقف، إلا أن ذلك لم يفض إلى تغييرات منتظرة تهدف إلى تحقيق حرية المرأة وحقوقها والمساواة الفعلية بين الجنسين".

وفي ختام حديثها، تطرقت الناشطة النسوية فضيلة محمد إلى الزحف الممنهج للأنظمة اليمينية المتطرفة خاصة في المنطقة لم يعد نضال المرأة محصوراً في المطالبة بحقوق المرأة والمساواة فقط، بل تحول إلى نضال من أجل مشروع تحرري شامل من أجل بناء مجتمع حر ينعم بالعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية وهو المشروع الوحيد الكفيل بنيل الحقوق وتحقيق المساواة والعدالة ويتجلى الإصرار على النضال في صمود النساء في أفريقيا رغم ما يتعرضن له من عنف وتهجير وتجويع وقتل، كما يشهد ذلك في فلسطين وتحديداً في غزة حيث تبدع النساء في صمودهن رغم هول الحرب ووحشيتها.