بين النص والواقع... هل تحمي القوانين المغربية النساء حقاً؟
رغم تعدد القوانين وتنوع النصوص التشريعية التي يفترض أنها تحمي النساء، ما تزال حماية النساء المغربيات رهينة بنية مجتمعية وتشريعية تعيد إنتاج التمييز بصيغ جديدة.

حنان حارت
المغرب ـ رغم ما حققه المغرب من تقدم تشريعي في العقود الأخيرة، لا تزال نساء كثيرات يتساءلن بمرارة "هل تحميني القوانين حقاً عندما أكون ضحية؟"، سؤال يتردد في شهادات نساء واجهن العنف، التهميش، قيوداً قانونية في قضايا الطلاق، الولاية على الأبناء، والعمل وغيرها من جوانب الحياة اليومية.
في هذا التقرير نطرح السؤال الجوهري، هل يكفي وجود القانون أم أن فعاليته تقاس بمدى إنصافه للمرأة حين تحتاجه؟
تشريعات متقدمة... ولكن؟
منذ بداية الألفية، تبنى المغرب عدة نصوص قانونية اعتبرت حينها ثورة لصالح النساء، من أبرزها:
مدونة الأسرة (2004) التي كرست مبدأ المساواة في بعض بنود الزواج والطلاق، لكنها أبقت على بعض التمييز في مسائل مثل الولاية الشرعية.
قانون 103.13 (2018): لمحاربة العنف ضد النساء، والذي نص على تجريم بعض أشكال العنف النفسي والاقتصادي.
قانون العمل: الذي يقر بمبدأ المساواة ويحظر التمييز على أساس الجنس، لكنه لا يوفر حماية فعلية للنساء في العمل غير المهيكل.
ورغم أهمية هذه الخطوات، إلا أن الواقع يبين أن المرأة المغربية لا تزال تواجه عراقيل قانونية ومؤسساتية تمنعها من التمتع بالحماية الكاملة التي تنص عليها هذه التشريعات.
القانون الجنائي... حماية غير مكتملة
ورغم أن القانون الجنائي المغربي يتضمن مقتضيات تعاقب على العنف ضد النساء، التحرش، الاغتصاب، إلا أن العديد من البنود فيه لا تزال تثير جدل واسع في الأوساط الحقوقية.
من بين النقاط التي تثير الانتقاد، ضعف تعريف الاغتصاب واقتصاره على العلاقة الجنسية بالإكراه، ما يقصي أشكالاً أخرى من العنف الجنسي، بالإضافة إلى غياب تعريف دقيق وواضح للعنف الاقتصادي والنفسي، مما يصعب إثباتهما أمام المحاكم.
وتطالب منظمات نسوية بإصلاح جذري لهذا القانون ليتلائم مع التزامات المغرب الدولية، ويضمن عدالة حقيقية للنساء الضحايا.
حين يصبح القانون قيداً
فاطمة. ح، أم لطفلين، حصلت على الحضانة بعد طلاقها، لكنها فوجئت أن القرارات المتعلقة بأبنائها لا تزال مرتبطة بموافقة طليقها، وتقول "أردت تغيير المدرسة لابني حتى تكون قريبة من بيت أمي، لكن المدرسة قالت لابد من موافقة الأب".
قضية الولاية الشرعية تظل من أبرز النقاط الخلافية في مدونة الأسرة، فبينما تمنح الحضانة للأم، يحتفظ الأب بالولاية ما يعني أن الأم رغم رعايتها الفعلية للأبناء لا تستطيع اتخاذ قرارات مهمة في حياتهم اليومية.
أما سلوى. ر، مطلقة في الثلاثينيات، تروي كيف واجهت عنفاً نفسياً واقتصادياً في بيت الزوجية، لكنها لم تجد دعماً كافياً حين قررت المواجهة.
كما أثار الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمشرع بلقصيري، في المغرب والقاضي بإدانة متهم بشهرين سجناً نافذاً بعد تورطه في اعتداء جسدي خطير ضد امرأة، موجة استياء واسعة في الأوساط الحقوقية والمدنية، خاصةً بعد الكشف عن تفاصيل القضية التي تعود لاعتداء تعرضت له امرأة تدعى خديجة، أفضى إلى إصابتها بجروح غائرة في وجهها استلزمت ما مجموعه 88 غرزة طبية.
هذه الشهادات تلخص معاناة نساء كثيرات يواجهن العنف في صمت، لأن القوانين رغم وجودها لا تطبق بشكل فعلي سواء بسبب نقص في التوعية أو ضعف التنسيق بين المؤسسات.
قوانين عديدة ولكن لا تحقق العدالة المطلوبة
بدورها أوضحت الناشطة الحقوقية مجدولي ليلى عضوة جمعية التضامن النسوي، أن التقدم التشريعي يبقى ناقصاً في ظل غياب ضمانات للتفعيل الفعلي "القوانين موجودة، لكن تحتاج إلى مراجعة جدية لبعض البنود، خاصة فيما يخص الولاية، وإثبات العنف النفسي، وتمكين النساء اقتصادياً".
وأضافت أن إشكالية الولاية الشرعية تشكل نقطة توتر دائمة بين النص والواقع، لأن الأم الحاضنة تعامل كمجرد "مربية" دون صلاحيات حقيقية، مما يؤثر على استقلاليتها وكرامتها كأم ومواطنة.
وترى أن القوانين المغربية رغم ما شهدته من تعديلات جزئية لا تزال بعيدة عن ضمان الحماية الفعلية والكاملة للنساء "القانون الجنائي، مدونة الأسرة، وقانون مناهضة العنف ضد النساء، جميعها لا تحقق العدالة المطلوبة، بل تتعارض في أحيان كثيرة مع الدستور المغربي ومع الاتفاقيات الدولية التي تلتزم بها المغرب".
وأضافت "من غير الممكن مناقشة جميع النصوص القانونية دفعة واحدة، لكن هناك جوانب بارزة تظهر بشكل واضح الخلل القائم، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية الأطفال وضمان مصلحتهم الفضلى، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية، فبعض الإجراءات القضائية تبقى شكلية ولا تضمن دائماً الاعتراف القانوني أو الاجتماعي الكامل بالروابط الأسرية، مما يترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة لدى الأطفال".
وأشارت إلى أن القانون لا يجب أن يختزل في الأبعاد المادية فقط، بل يجب أن يراعي الجوانب النفسية والإنسانية للطفل، كالشعور بالانتماء والهوية وحقه في أن يعرف من هو، وأن يحظى برعاية أسرية متكاملة، سواء في إطار الأسرة النواة أو في أشكال أسرية بديلة.
قانون مناهضة العنف يحمل ثغرات عديدة
وعن التحديات الأوسع، لفتت إلى أن العقلية الذكورية ما زالت تهيمن على التشريعات وتعطل تطورها، هذه العقلية لا ترتكز بالضرورة على نصوص دينية قطعية، بل على تأويلات فقهية تجاوزها الزمن، ولم تعد تستجيب لتحولات المجتمع.
وشددت على أن قانون مناهضة العنف ضد النساء لا يزال يعاني من ثغرات عديدة على مستوى الإثبات، الوقاية، التكفل، المواكبة النفسية للضحايا "هذا القصور يترك النساء في وضع هش، ويحد من فعالية القانون في تحقيق الردع والعدالة"، متسائلة "هل نريد قوانين تجمل صورتنا أمام النظام الدولي؟ أم تشريعات تنقذ نساءنا في لحظات الهشاشة؟".
وفي الختام دعت الناشطة الحقوقية مجدولي ليلى إلى اجتهادات فقهية وقانونية منفتحة، قائلة "نحن بحاجة إلى قانون أسري حديث يعترف بالتنوع داخل النسيج المجتمعي، ويضمن الحماية القانونية والاجتماعية لكل مكونات الأسرة دون تمييز".