استئصال الرحم عنوة... جرائم وانتهاكات بحق المعاقات ذهنياً

تلجأ العديد من الأسر في قطاع غزة إلى استئصال الرحم عنوة لدى الفتيات اللواتي تعانين من إعاقة ذهنية، وهي عادة يعتبرونها استباقاً احترازياً لحماية الفتاة من أي عواقب كالاعتداء الجنسي.

رفيف اسليم

غزة ـ لا تزال ظاهرة إزالة أرحام الفتيات ذوات الإعاقة منتشرة لا سيما في المناطق المهمشة والفقيرة، رغم التحذيرات الطبية من خطورة الظاهرة والإدانات الحقوقية الواسعة.

تعاني أمهات الفتيات الفاقدات للأهلية من صعوبة في التعامل معهن بعد سن البلوغ، بدءاً من النظافة الشخصية وحتى إخبارهن بكيفية الحفاظ على أجسادهن، لذلك يلجأ البعض إلى عملية استئصال الرحم، ظناً منهم أن إحدى الطرق التي تحمي هؤلاء الفتيات من العبث أو الحمل بطريقة غير شرعية.

تقول هناء محمود (اسم مستعار)، إنها أم لطفلة عنيدة مستدركة شابة كون الفتاة وصلت إلى سن البلوغ حديثاً، ولم تهيأ نفسها بعد ولا ابنتها لاستقبال خبر مماثل والتعامل مع الحالة التي أصبحت بحاجة لضوابط في النظافة الشخصية والخروج من المنزل، ومنعها من اللعب في الشارع الذي لم تكن تفارقه سوى في ساعات الليل.

وأوضحت أنها لم تولي أمر بلوغ ابنتها أي اهتمام وعزمت أن تتعامل بحذر، إلى أن سمعت أن ابنة أحد قريباتها خرجت من المنزل ولم تعد سوى بعد ساعات عدة، لكن الكارثة كانت حينما اكتشف الأهل خبر حمل الفتاة التي لا تستطيع البوح بما حدث بها أو التعرف على الجاني الذي اقترف فعلته وهو مطمئن كونه بعيد كل البعد عن المسائلة القانونية، لافتةً إلى أن ما زاد مخاوفها طلب أهل الحي إخراج العائلة من منزلهم عنوة.

ولفتت إلى أنه بعد سماعها للقصة دخل الشك لقلبها وأصبحت تبحث عن طبيب يجري العملية لابنتها بعيداً عن العيادات القانونية التي تخضع لرقابة وزارة الصحة أو من خلال تزوير تقرير طبي يفيد بأن هناك مشكلة تستوجب استئصاله، عاقدة العزم على أن تنهي الأمر في غضون أيام معدودة، من خلال إجراء العملية للفتاة دون أن تفصح لنا الأم عن أي تفاصيل أخرى حول الألية أو المكان أو اسمها بالخارج.

فيما لفتت سماح أحمد (اسم مستعار)، وهي أم لفتاة فاقدة للأهيلة أنه كان من الصعب إقناع الفتاة وضع الفوط الصحية أو نزعها مما سبب لها أمراض صحية عدة، فما أن تطلب منها الأم الاهتمام بنظافتها تبدأ بالصراخ ويصعب السيطرة عليها لذلك بدأت بإعطائها بعض الأدوية التي تمنع نزول الدورة الشهيرة غير آبهة بالمضاعفات استعداداً لإجراء عملية إزالة الرحم.

 

عملية كبرى قد تفقدهن حياتهن

أوضحت أخصائية نساء وتوليد هيا حجازي، أن الرحم هو جزء أساسي في جسد المرأة له وظائف محددة منها نزول الدورة الشهرية واحتواء الجنين استعداداً للإنجاب، مؤكدةً أنه لا يجوز استئصاله سوى عند وجود دواعي طبية كحدوث النزيف الذي لا يتوقف بالحبوب أو الإبر، أو عند وجود أورام سرطانية تضغط على باقي أجزاء الجسد.

وأشارت إلى أن استئصال الرحم يتم بعد دراسة الحالة من حيث عمرها وتاريخها المرضي والأسباب التي توجب إجراء العملية، لافتةً إلى أن إجراء العملية دون الاستناد على ما سبق هو أمر غير أخلاقي يعاقب مرتكبه بنص القانون بعد تشكيل لجنة، كونها تعتبر عملية كبرى قد تؤدي إلى نزيف حاد أو قطع بعض الأوردة أو الأعضاء كالأمعاء وجرح الحالب أو المثانة.

وبينت أن تلك العملية يجب أن تتم داخل المشافي الكبرى المجهزة بغرف عمليات وأخصائيات للسيطرة على الوضع في حال تدهوره والتقليل من حدة المضاعفات التي قد تودي بحياة المريضة، ناصحة الأمهات أن يكون هناك سبب طبي قانوني لإجراء العملية مع منح فتياتهن المزيد من الاهتمام وعدم اللجوء لطرق غير أخلاقية للتخلص من عبء رعاية الفتاة.

 

 

رعاية طبية ضعيفة

بدورها أفادت الأخصائية النفسية الدكتورة ختام أبو عودة، أن التعامل مع الفتيات الفاقدات للأهيلة يختلف من حالة لأخرى، فهناك حالات لا يمكن السيطرة عليها لامتلاكها ردود أفعال مؤذية، تلك يجب تخصيص غرفة بالمنزل خاصة بهن، بالمقابل توجد حالات يمكن السيطرة عليها ودمجها مع العائلة في ظل الحاجة إلى مراقبتها طوال الوقت من قبل الأم أو أحد الأخوة.

وأوضحت أن هناك سببان قد تجعل الفتاة فاقدة للأهلية، وهما ولادتها بإعاقة ذهنية وراثية وحدوث مشاكل خلال حمل الأم بها، أو فقدانها عقلها بسبب تراكم الضغوطات النفسية في الحالة الأخيرة فإن تلقت الفتاة العلاج المناسب بشكل تدرجي قد تشفى بشكل كامل، فيما لو أهملت الحالة قد لا يكون هناك أي أمل في تحسنها فيما بعد، لافتةً إلى أنه في كلا الحالات لا يجوز أن يتخذ قرار إزالة الرحم.

وأكدت ختام أبو عودة أن عائلة الفاقدة للأهلية يجب أن يقدم لها رعاية أولية كما المريضة في كيفية التعامل مع الفتاة وضبط سلوكها، كذلك التدريب على حالات قد تخرج خلالها عن سيطرة الأم والإخوة عبر مستشفى الطب النفسي في قطاع غزة، إضافة لتوفير الأدوية اللازمة التي تساعد على استقرار الحالة.

وبينت أن غزة كونها مدينة محاصرة فإن إمكانياتها في توفير الرعاية الصحية محدودة تبعاً لحالات الطوارئ والهجمات المتكررة التي يشهدها القطاع، لافتةً إلى أنها غالباً ما تحتاج فاقدة الأهلية عدد من التقارير التي تثبت كونها كذلك من قبل عدة لجان طبية مختصة لتحصل على التأهيل الذي يشمل بعض الأدوية.

وأشارت إلى أن تلك الأدوية التي تداوم الفتاة على تناولها قد تؤدي أعراضها الجانبية إلى تأخير نزول الدورة الشهرية، بالتالي تكتسب الأم بعض الوقت لحين تهيئة الفتاة من كونها طفلة لامرأة، لافتةً إلى أن هذا لا يمنع بالمطلق أن تتوقف الأم من متابعة تحركات الفتاة والإشراف على أي أحد يقترب منها لأي سبب كان.

وحذرت من إزالة رحم الفتيات أو إعطائهن حبوباً شهرية، سواء لعدم معرفتهن بالنظافة الشخصية عند حدوث الدورة الشهرية، لنزع الغطاء الذي قد يظهر حدوث أي اعتداء عليها فيما لو حدث حمل لييسرن الاعتداء عليه، مختتمة أن هنالك أساليب كثيرة لحماية الفتيات خلافاً لتلك الطريقة الغير أخلاقية.

 

 

القانون يتصدى لمن يحرم الفتاة من الإنجاب

بدورها أفادت المحامية رنا الحداد، أن هناك نوعين من فاقدي الأهلية الأول الذي لم يتم الـ 18 عاماً والآخر هو صاحب الإعاقة الذهنية الغير قادر على التمتع بالحقوق أو الإيفاء في الالتزامات، مشيرةً إلى أنه هناك ولي يعين من قبل محكمة القضاء الشرعي للشخص المصاب بمرض نفسي أو خلل عقلي بعد تقديمه كافة الوثائق والتقارير الطبية لاختيار الشخص الأفضل لإدارة شؤون حياته الخاصة.

وأكدت على أنه بحسب القوانين الدولية والمحلية فإن لكل شخص الحق في التمتع بأجزاء جسده سواء كان مميز أو غير مميز، مبينةً أن مصادرة حق الفتاة بأن تنجب من عدمه هو سلوك غير أخلاقي كون جميع العائلات معرضة لأن يصبح لديها فتاة فاقدة للأهلية، لذلك من حق الولي قانونياً أن يزوجها فقط ويختار لها الشريك المناسب تحقيقاً للمنفعة.

وأوضحت أنه في حال أجري عملية إزالة الرحم بشكل غير قانوني فإن الطبيب يجب أن يعاقب، خاصة عندما لا يكون هناك تقرير طبي مفصل أو الشك بتزويره، مضيفة أن هناك ندرة في تقديم شكاوى من ذلك النوع في ظل القوانين المطبقة حالياً التي تتوافق مع النصوص الدولية الحامية المرأة والمحافظة على حقوقها.