عقود تاريخية حافلة بنضال النساء (1)

خلال الثورات الكبرى، خرجت النساء ومن مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية، من منازلهن وتحولن إلى مناضلات ثوريات وشاركن في الحروب

كفاح عالمي قادته نساء طليعيات من أجل حقوقهن

غدير العباس

مركز الأخبار ـ . الوعي لدى المرأة تجسد في الالتفاف الجمعي حول الثورة، وكذلك في تزايد عدد الجمعيات والنوادي النسائية. وظهرت الآلاف من النساء الطليعيات في النضال من أجل المساواة، كما أنهن برزن خلال الثورات وبعدها وتحولن إلى رموز عالمية، ومن خلال هذا الملف سنستطلع بعض اسماء النساء القيادات اللواتي تركن أثراً في التاريخ.
في الثامن من آذار/مارس عام 1857، وهو اليوم الذي تحول فيما بعد إلى يوم المرأة العالمي، أعلن أكثر من 40 عامل من عمال مصانع النسيج في مدينة نيويورك الأمريكية، معظمهم من النساء، الإضراب عن العمل مطالبين بتحسين ظروف العمل، إلا أن الاحتجاجات تعرضت للقمع من قبل الشرطة وتم إغلاق أبواب المصانع على العمال، واشتعلت النيران في المصانع مما أدى إلى مقتل 129 امرأة عاملة في تلك الحادثة. وشارك 10 آلاف شخص في تشييع جثامين النساء الضحايا.
وفي الفترة الواقعة بين 6 و27 آب/أغسطس عام 1910 عقدت نساء من أنصار الأممية الثانية اجتماعاً في مدينة كوبنهاغن (الكونفرانس الدولي للنساء الاشتراكيات). وخلال الاجتماع اقترحت كلارا زيتكن، وهي من طليعيات الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، اعتبار يوم الثامن من آذار/مارس يوم المرأة العالمي وفاءاً لذكرى النساء اللواتي فقدن حياتهن في ذلك اليوم من عام 1857 في حريق مصانع النسيج، وتم الموافقة على مقترحها بأغلبية الأصوات.
نضال النساء من أجل الدفاع عن حقهن في الاقتراع وفي المساواة والتمثيل السياسي، الذي بدأ منذ أكثر من قرن، لايزال مستمراً إلى يومنا هذا، نساء من كافة أنحاء العالم ومن مختلف القوميات اضطلعن بإدوار هامة لقيادة دفة النضال من أجل الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، فالمرأة كانت وستظل حاضرة على الدوام في مضمار النضال والكفاح من أجل حقوق بنات جنسها.
 
روزا لوكسمبورغ
ناشطة نسوية ومنظرة ماركسية وفيلسوفة واقتصادية واشتراكية ثورية، ولدت في 5آذار/مارس 1871، بمقاطعة زامواسك في بلولندا، انخرطت في الحركة الاشتراكية وانتسبت للحزب الماركسي البروليتاري وعمرها 16 عاماُ، ساهمت مع كلارا زيتكن في تحديد اليوم العالمي للمرأة. 
وكتبت عام 1912 في مقدمة كتيب حق المرأة في التصويت والصراع الطبقي "لا توجد منظمات للمرأة العاملة، وهناك القليل من الحركات النسوية العمالية" في ألمانيا.
ربطت روزا لوكسمبورغ تحرر المرأة بالتحرر الشامل من الرأسمالية وأصدرت صحيفة المساواة عام  1891، كما أنها عارضت مشاركة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وطالبت قيادة الحزب بأخذ رأي المعارضة النسائية للحرب، عملت محررة في عدة صحف تابعة للحزب وكتبت عدة كتب في الاقتصاد الرأسمالي، اغتيلت في 15 كانون الثاني/يناير من عام 1919 من قبل جماعة يمينية عسكرية متطرفة، وألقت جثتها في قناة لاندفير ببرلين، ومازالت قناة لاندفير تحمل ذكرى مقتل الثورية روزا لوكسمبورغ من خلال تمثال نصب في حديقة تيرجارتن الشهيرة بالعاصمة الألمانية. 
 
كلارا زيتكن... أم الحركة النسوية
لا يمكن الحديث عن روزا لوكسمبورغ دون ذكر كلارا زيتكن، فمسيرة الناشطتين مترابطة خاصة في قضية حقوق المرأة، لعبت الناشطتين دوراً مهماً في الحركة النسوية والاشتراكية في آن واحد.
كلارا زيتكن سياسية ألمانية يسارية ولدت في 5حزيران/يونيو 1857 في ألمانيا، شاركت عام 1875 ضمن أوائل المجموعات النسوية المناضلة من أجل حرية المرأة، وتوعية العاملات الألمانيات بحقوقهن ودعتهن للمطالبة بمساواة أجورهن وساعات العمل. واقترحت عام 1910 خلال "مؤتمر الأممية الاشتراكية" تخصيص 8 آذار/مارس كيوم عالمي للمرأة، ولقبت بأم الحركة النسوية كونها من أوائل النساء اللواتي دافعن عن حقوق النساء العاملات في المانيا.
لخصت كلارا زيتكن أهمية نضال المرأة لتحصيل حقوقها وخاصة في العمل وإرساء دعائم المساواة بين الجنسين بقولها "إن النشاط النسائي صعب، فهو يتطلب عملاً كثيراً وتفانياً كبيراً وتضحيات ضخمة، لكنها تضحيات ستثمر ولا مفر منها".
نضالها لم يتوقف عند ذلك، بل أسست صحيفة المساواة في عام 1891 للدفاع عن الحريات السياسية والمساواة بين الجنسين، عارضت الحرب العالمية الأولى ونظمت مؤتمر عالمي في برلين دعت فيه النساء إلى عدم دعم الحرب، لكنها اعتقلت بسبب موقفها الرافض للحرب وأسست مع مجموعة من الاشتراكيين "رابطة سبارتاكوس" عام 1916، نفيت كلارا زيتكن إلى الاتحاد السوفييتي بعد سيطرة حزب العمال الألماني بقيادة أدولف هتلر على البلاد عام 1933.
 
سوزان ب. أنتوني
أوائل الناشطات الأمريكيات في مجال حقوق المرأة، ولدت في 15 شباط/فبراير 1820، في منطقة ويست غروف بمدينة آدامز. طالبت بحقوق النساء الأمريكيات السوداوات والبيضاوات على حد سواء ولعبت دوراً هاماً في الحركة النسوية الأمريكية فهي من أوائل النساء اللواتي طالبن بإلغاء العبودية والمساواة بين الرجل والمرأة، وهي أول امرأة وضعت صورتها على عملة بلادها.
استطاعت سوزان أنتوني بالصبر والحكمة أن تحصل على حق المرأة في التصويت وحقها في التعليم المختلط، وحق الملكية، وطلب الطلاق.
حملت سوزان أنتوني وصديقتها كادي ستانتون على عاتقهن تحرير المرأة من قضية الاعتدال لأن القوانين في ذلك الوقت كانت تمنح الرجل السيطرة الكاملة على الأسرة وشؤونها، وشكلتا جمعية الدولة للاعتدال النسائي في عام 1852، وفي عام 1866 نظمتا جمعية الحقوق الأمريكية المتساوية "AERA"، لتحصل على حق الملكية للمرأة المتزوجة وأن تكون وصية مشتركة على أطفالها في عام 1860.
كما أسست مع كادي ستانتون أيضاً الرابطة الوطنية الموالية للمرأة وهي أول منظمة سياسية نسائية، طالبت بتعليم السود والإناث خلال اجتماع رابطة المعلمين في ولاية نيويورك عام 1853.
في عام 1856 أصبحت وكيلة ولاية نيويورك للجمعية الأمريكية لمكافحة الرق، ونظمت العديد من الاجتماعات لمكافحة العبودية في جميع أنحاء الولاية، مؤكدة سعيها لرؤية مجتمع متكامل، كما أنها قامت بحملة لجمع تواقيع لإلغاء العبودية حيث جمعت ما يقارب 400000 توقيع لإلغاء الرق، وساعدت الحملة بشكل كبير على مرور التعديل الثالث عشر الذي يتضمن "إلغاء الرق والعبودية غير الطوعية، إلا عقاباً على جريمة"، عملت فيما بعد كمندوبة لمؤتمر الاتحاد العمال الوطني "NLU" في عام 1868، كما أنها ترأست الرابطة الوطنية لحق المرأة في الاقتراع في عام 1892.
 
سيمون دي بوفوار
سيمون دي بوفوار واحدة من النساء اللواتي أطلقن الموجة الثانية في تأسيس الحركة النسوية. سيمون الكاتبة والفيلسوفة عرفت بمقولتها الشهيرة حول الجنسوية الاجتماعية "الشخص لا يولد كامرأة بل يُصبح كذلك".
عملت سيمون دي بوفوار من خلال مؤلفاتها الفكرية على القضايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وأصبحت واحدة من رواد الحركة النسوية وفتحت الطريق أمام الحركة النسوية بمواصلة النضال على قضايا التمييز. وطرح موضوع التمييز من وجهة نظر المرأة وبشكل لم يتم التطرق إليه من قبل، وأنجزت دراسات معمقة تتعلق بالتمييز الجنسي في مختلف المجالات الأدبية والفنية والعلمية والسياسية والتربية، وجميع ميادين الحياة الأخرى، وهي صاحبة أول مؤلف شامل حول عصور من استعباد واضطهاد المرأة في العالم وهو كتاب "الجنس الآخر"، إضافة إلى رصيد أدبي يتمحور معظمه حول قضايا المرأة.
ناهضت سياسات الاستعمار التي مارستها بلادها خلال فترة حرب الاستقلال الجزائرية. سيمون دي بوفوار كتبت حول ممارسات فرنسا في الجزائر "لا تختلف هذه الممارسات عن الممارسات النازية ضد الأعراق الأخرى" وبهذا عبرت عن مناهضتها ومعارضتها لما تفعله بلادها.
 
أوليمب دي غوج 
أوليمب دي غوج إحدى النشاطات الثوريات إبان الثورة الفرنسية. عرفت بكتاباتها عن الحركة النسوية. في عام 1791 كانت تطالب بالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة في فرنسا، أعدت "إعلان حقوق المرأة والمواطنة" رداً على "إعلان حقوق المواطنة والإنسان" الذي أصدره المجلس الوطني الفرنسي ويشكل أساس حقوق الإنسان، انتقدته أوليمب دي غوج وقالت إن الكلمات التي وردت في النص تخص الرجال فقط، ولا تدعو إلى المساواة بين الجنسين، لهذا السبب كانت أوليمب دي غوج أول امرأة تبدأ بالنضال من أجل حقوق المرأة وتدخل صفحات التاريخ كامرأة لن يُنسى اسهامها أبداً. لكن مع الأسف حُكم عليها بالإعدام في عام 1793 لأنها ذكرت في بيان حقوق المرأة أن الثورة الفرنسية يجب أن تصبح نسوية.
فعندما سيقت أوليمب دي غوج نحو المقصلة أثناء الثورة الفرنسية كانت تردد "ارتعشوا أيها الطغاة العصريين، سوف يسمع صوتي من أعماق قبري، لأن شجاعتي جعلتكم أكثر وحشية". في تلك الفترة أصبحت أوليمب رمزاً للحركة النسوية، وذكرت عبارتها هذه في "إعلان حقوق المرأة المواطنة".
ناضلت أوليمب دي غوج طوال حياتها من أجل إلغاء عقوبة الإعدام وإنشاء هيئات محلفين عامة في المحاكم وتحرير العبيد من الحكم الفرنسي والاعتراف باليتامى وحضانة الأطفال والمساواة في الدخل ومحاربة الفقر.