حركة سوفراجيت... 'أصوات من أجل النساء' (1)

مع بداية القرن العشرين ناضلت نساء بريطانيا عبر حركة سوفراجيت من أجل الحصول على حقهن في التصويت وعلى إثر ذلك تعرضن للاعتقال وشهدن أعمال عنف وسجن وإطعام قسري

حركة سوفراجيت ومشاركة النساء فيها 

مركز الأخبار ـ ، إلا أنهن استطعن الحصول على هذا الحق في عام 1928.  
عاشت المرأة البريطانية سنوات عديدة مهمشة وتعرضت للقهر والإقصاء، النساء كن مستبعدات من المجال العام وانحصرت أدوارهن في حدود الأسرة، بعيدات كل البعد عن حقوقهن السياسية، ولا يحق لهن التصويت أو الجلوس ضمن هيئة المحلفين في المحاكم، كما حُرمن من الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، وكان يجب عليهن التخلي عن جميع ممتلكاتهن أو أجورهن الزهيدة لأزواجهن بالرغم من ساعات العمل الطويلة والشاقة. 
بقي حال المرأة على هذا المنوال لسنوات عديدة إلى أن بدأت أولى خطوات المساواة في الحقوق مع قوانين ملكية المرأة المتزوجة لأعوام 1870 و1882 و1884 حيث منحت المرأة حق الاحتفاظ بممتلكاتها وأموالها بعد الزواج، إلا أن وضع النساء لم يتحسن كثيراً وكان يجب عليهن دفع ضرائب الأعمال التجارية التي سمح القانون الجديد بامتلاكها.
كل ما سبق ذكره زاد الوعي النسائي بضرورة حصول المرأة على حق التصويت والمشاركة في العملية البرلمانية كونها أفضل طريقة لتحقيق مكانة متساوية للمرأة مع الرجل في المجتمع والمنزل. 
في عام 1866 نظمت مجموعة من النساء عريضة تطالب بمنح المرأة الحقوق السياسية التي يتمتع بها الرجل، وجمعت أكثر من 1500 توقيع، حملت النساء التماسهن إلى عضوا البرلمان المؤيدين لحق الاقتراع العام وهما هنري فوسيت وجون سيتورات ميل، مما دفع الأخير جون ميل إلى صياغة تعديل قانون الإصلاح الثاني الذي من شأنه أن يمنح المرأة نفس الحقوق السياسية التي يتمتع بها الرجل، وقدمه إلى البرلمان في عام 1867، لكنه رفض.
وأثناء نقاش في البرلمان في عام 1892، أبدى رئيس وزراء بريطانيا هربرت هنري أسكويث موقفه الرافض لمنح حق التصويت والترشيح للنساء؛ بحجة أن المكان الطبيعي لهن ليس ميدان الصراع السياسي وإنما دائرة الحياة الاجتماعية والأسرية.
هذا الحدث حرك قضية قانون منح المرأة حق التصويت وجعلها من أولويات مطالب النساء، فتشكلت جمعيات عدة تطالب بمنح المرأة حق التصويت منها جمعية لندن، ولجنة حق المرأة في التصويت عام 1867، وفي عام 1897 تشكل الاتحاد الوطني لجمعيات حق المرأة في التصويت (NUWSS) بعد اتحاد 17 جمعية مع بعضهن، كان الاتحاد بقيادة الناشطة والكاتبة السياسية ميليسنت غاريت فوسيت، وضم في عضويته كلاً من الناشطة السياسية إيميلين بانكهورست وابنتها كريستابيل بانكهورست. اعتقدت ميليسنت فوسيت أن النجاح يمكن تحقيقه من خلال الجدل والتعليم، فاعتمدت في حملتها نهجاً سلمياً من خلال الضغط على البرلمان وجمع التواقيع على الالتماسات، كما عقدت اجتماعات عامة، وقادت المسيرات في جميع أنحاء البلاد لزيادة الوعي بقضيتهن، كما نشرت العديد من الكتيبات والنشرات في الصحف والمجلات لتبين أسباب ومبررات منح المرأة حق التصويت، لكن جميعها كانت تقابل بالرفض بحجة أن المرأة غير مؤهلة للمشاركة في السياسية.
 لم تكن إيميلين بانهكورست راضية عن نهج الاتحاد الوطني لجمعيات حق المرأة في التصويت السلمي، فعقدت اجتماعاً في منزلها مع عدد من النساء للتعريف بأهمية حق المرأة في التصويت.
 
"أفعال لا أقوال"
في تشرين الأول/أكتوبر عام 1903، أسست إيميلين بانكهورست الاتحاد النسائي الاجتماعي والسياسي (WSPU)، مع ابنتيها كريستابيل وسيلفيا، كان شعارهم "أفعال لا أقوال"؛ لأنها كانت مقتنعة أن الاحتجاجات السلمية لا يمكنها أن تحقق النتائج المرجوة، وقررت النساء الناشطات اللجوء لاستخدام العنف والتكتيكات القتالية لانتزاع حقوقهن، فتبنى الاتحاد النهج الأكثر تشدداً ونمت عضويته لتشمل فروعاً في جميع أنحاء بريطانيا، وانضمت إليه العديد من نساء الطبقة العاملة.
أصبحت هذه المجموعات معروفة باسم حق الاقتراع "Suffragette"، كان شعارها أصوات من أجل النساء "Vote for Women" ضمت في عضويتها كلاً من إيميلين بانكهورست، وبناتها كريستابيل وسيلفيا وأديلا، وميليسنت غاريت فوسيت، وإيميلي دافيسون، وآني كيني وغيرهن الكثير، واتخذت هؤلاء النساء علماً للحركة وهو عبارة عن شارة رسم عليها باللون الأبيض والأخضر والأرجواني للدلالة على النقاء والأمل والكرامة.
في عام 1905 عطلت كلاً من كريستابيل بانكهورست وآني كيني اجتماعاً سياسياً في مانشستر، نظمه كل من رئيس الوزراء في المملكة المتحدة ونستون تشرشل وعضو الحزب الليبرالي إدوارد غراي، متسائلين عن كل ما يتعلق بحقوق المرأة السياسية، في وقت كانت فيه الاجتماعات السياسية لا يحضرها سوى الرجال، ولكن ما أثار غضبهم أكثر هو رفع لافتة كتب عليها "التصويت من أجل النساء"، قبضت عليهن الشرطة بعد هذه الحادثة، وعندما مَثُلتا أمام المحكمة رفضتا دفع غرامة مالية، وفضلتا الذهاب إلى السجن من أجل الحصول على دعاية لقضيتهن. 
نظم الاتحاد في عام 1908 مظاهرة كبيرة في هتيون بارك بالقرب من مانشستر، للدفاع عن حق المرأة في التصويت، واستطاعت الناشطات من خلال هذه المظاهرة جذب أعداد كبيرة من النساء حولهن، هذه المظاهرة حققت نجاحاً بسيطاً في السماح لمجموعات صغيرة من النساء بالتحدث إلى أعضاء من مجلس النواب، لكن دون جدوى.
وبعد ازدياد أعداد الداعمين للحركة ورفض الحكومة لمطالبهن في معالجة مسألة حق النساء في التصويت، أتبع الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة تكتيكاً جديداً وهو إزعاج السياسيين أثناء الخطابات.
كان عام 1912 نقطة تحول بالنسبة للناشطات، حيث بدأن باستخدام تكتيكات أكثر تشدداً وأطلقن حملة تحطيم النوافذ وتقييد أنفسهن بالسلاسل الحديدية وتعطيل الاجتماعات العامة وإضرام النيران في صناديق البريد وتحطيم زجاج المحلات التجارية، وتقطيع أسلاك الهواتف، تطورت أعمالهن لاحقاً لحرق المكتبات العامة والكنائس والمباني وإتلاف التحف الفنية في المتاحف، كما أنهن أشعلن النيران في منزل الوزير ديفيد لويد جورج الذي كان معروفاً بمعاداته لحق النساء في التصويت.
 
اعتقال واضراب عن الطعام وتغذية قسرية
نتيجة لهذه الأفعال تعرضت العديد من الناشطات للسجن، لكن حملتهن لم تتوقف عند هذا الحد، فأثناء وجودهن في السجن طالبن بأن يتم منحهن صفة السجناء السياسيين، وعندما رفضت الحكومة، أضربن عن الطعام، لكنهن تعرضن للإطعام القسري من قبل السلطات وتم اطعامهن بقوة عن طريق تمرير أنبوب الطعام من أنفوهن.
ساءت حالة الناشطات بعد المعاملة التي كن يتعرضن لها، هذا ما دفع السلطات إلى الإفراج عنهن خوفاً على حياتهن عبر تقديم قانون "القط والفأر" والذي يتم من خلاله إطلاق سراح المعتقلين المضربين عن الطعام مؤقتاً حتى يتعافون، لتعاد محاكمتهم مرة أخرى.
 
أول شهيدة لحق التصويت
في حادثة هي الأبرز خلال حركة سوفراجيت التي نظمتها الناشطات، واكسبت حركتهن قوة ودعاية إعلامية ولفتت العالم أجمع إلى قضية حق المرأة في التصويت هي فقدان الناشطة إيميلي دافيسون لحياتها، ففي عام 1913 عندما حضرت سباق للخيول في إبسوم، خرجت لتعلق علم حركة سوفراجيت على رقبة حصان الملك جورج الخامس، لكنها استشهدت بعد أن دهسها الحصان بأربعة أيام لتصبح "أول شهيدة دافعت عن حق المرأة في التصويت".
هذا الحادث والمعاملة القاسية التي تعرضت لها عضوات الحركة من قبل الشرطة أثارت غضب الرأي العام ودفعت قضيتهم للنقاش في جدول الأعمال.
 
تمتع النساء ببعض الحقوق
كانت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، نقطة تحول في تاريخ حق المرأة في التصويت، فمع بدء الحرب دعت إيميلين بانكهورست إلى الوقف الفوري لنشاطاتهم في الاتحاد (WSPU)، لدعم المجهود الحربي للحكومة البريطانية، لكن (NUWSS) التي كانت بقيادة ميليسنت فوسيت لم توقف انشطتها، وواصلت حملتها للتصويت إبان الحرب واستخدمت الوضع لصالحها من خلال الإشارة إلى المساهمة التي قدمتها النساء في المجهود الحربي في حملاتها.
فخلال فترة الحرب أتيحت فرصة للنساء لإثبات أنفسهن من خلال القيام بوظائف كانت حكراً على الرجال سابقاً كحراس السكك الحديدية وجامعي التذاكر والحفلات وعاملين في البريد وضباط الشرطة ورجال الإطفاء، كما أنهن عملن في مصانع الذخيرة.
وارتفعت نسبة توظيف النساء في تلك الفترة من 23,6% في عام 1914، إلى 46,7 % في عام 1918.
استطاعت حركة سوفراجيت تغيير النظرة للمرأة بعد المجهود الذي قدمته إبان الحرب، وأصبحت أكثر استحقاقاً للتصويت بعد أن خدمت بلادها، وبتاريخ 6شباط/فبراير 1918، أقر البرلمان قانون تمثيل الشعب الذي منح حق التصويت لجميع النساء فوق سن الثلاثين، ويشترط أن يمتلكن عقارات أو أن يكن متزوجات من شخص ذو أملاك.
وتمكنت فقط 40% من النساء التصويت في عام 1918، وبعد عشر سنوات وتحديداً في عام 1928 تم تخفيض الحد الأدنى لسن التصويت ليصبح 21 عاماً وتغير القانون الذي ضمن تمتع كافة النساء بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل.
وبدأت النساء بعد ذلك يحصلن على بعض الحقوق، ففي عام 1919 منحت النساء الحق في العمل كمحاميات وعضوات في هيئات المحلفين وقاضيات وكذلك العمل في مهنة المحاسبة والوظائف القيادية في الخدمة المدنية والعضوية في الجامعات والحق في الانضمام للجمعيات المهنية، كما صدر قانون الأجر المتساوي في عام 1970والذي منع التمييز ضد النساء فيما يتعلق بشروط وبنود العمل.
غداً... إيميلين بانكهورست قائدة الحركة 
 
غدير العباس