الثامن من آذار... نساء توحدن النضال بشعار "Jin Jiyan Azadî"

تعتبر النساء أن اليوم العالمي للمرأة لعام 2023 سيكون مفصلياً في نضالهن من أجل حماية حقوقهن ومكتسباتهن التي دفعن ثمناً باهظاً للحصول عليها، واخترن تكثيف الجهود وتوحيد النضال تحت شعار "jin jiyan azadî".

مالفا محمد

مركز الأخبار ـ رحلة نضال النساء من أجل حقوقهن هذا العام كانت مختلفة، حيث قلبت فيها موازين القوى، وبدأن تنتفضن من جديد من أجل حقوقهن، مطالبات بمساواة تامة لا نقصان فيها بين الجنسين.

 

"Jin Jiyan Azadî"... انتفاضة المرأة مستمرة

ستستقبل النساء يومهن العالمي وهن قد بدأن مرحلة جديدة من النضال لتطالبن بكل ما هو من حقهن، من الحرية والتعبير عن الرأي والمواطنة والتحكم بأجسادهن وتقرير مصيره، كل ذلك وأكثر، فحتى اللواتي لم تكن تجرأن على التحدث الآن ترفعن أصواتهن عالياً في وجه الأنظمة الديكتاتورية، التي تحمي الجناة وتدافع عنهم.

منذ منتصف العام الماضي والعالم يشهد تحركاً مكثفاً من قبل النساء اللواتي أكدن خلال المؤتمرات والندوات النسوية التي عقدت في كل من تونس وبرلين والمغرب والأردن والجزائر ولبنان وفلسطين، على ضرورة النضال المشترك وتوحيد صوت النساء وصفوفهن وجمع قضاياهن على طاولة واحدة، وأصبحت المطالب تشدد على ضرورة فتح المجال أمام النساء للعمل في مختلف المجالات وتحقيق المساواة، وتؤكد الحقوقيات والنسويات والناشطات على أن العمل من أجل الحصول على حقوقهن يجب أن يكون متواصلاً بشكل مستمر لا مناسباتي للنهوض بواقع الكادحات والعاملات الأكثر تضرراً من الحروب والأزمات.

حتى في البلدان التي تشهد أزمات في حرية التعبير تتحدى النساء ذلك وتخرجن مطالبات بحقوقهن كما في إيران وشرق كردستان، حيث خرجت النساء والفتيات لمواجهة النظام القائم، فأطلقن انتفاضة لا تزال مستمرة تحت شعار "jin jiyan azadî" الذي يطالب بكل ما سلب من حياة الإنسان، ويرفض الديكتاتورية والرقابة والقمع والسجن والتعذيب والإعدام ويطالب بتحقيق العدالة والحرية والمساواة، ليصبح شعاراً تنتهجه جميع النساء حول العالم.

انتفاضة أشعلت شابة كردية شرارتها بعد فقدانها حياتها على يد شرطة الأخلاق، لينتشر لهيبها إلى كافة أنحاء البلاد، ومنها إلى دول العالم، لتجوب المظاهرات شوارع المدن الكبرى، وتحمل النساء شعارات ولافتات تنادي بالحرية والمساواة والتضامن كذلك.

وحال النساء في أفغانستان ليس ببعيد عن إيران، فالنساء في أفغانستان تسعين جاهدات لاستعادة حقوقهن التي تنتهك يوماً بعد آخر منذ سيطرة طالبان على البلاد في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر، ورداً على القيود الصارمة التي تفرضها طالبان تنظم الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة احتجاجات وتظاهرات.

فمن بين حقوقهن التي سلبت حق التعليم وفرض الحجاب، وإلزام الطالبات في الجامعات الحكومية في مدينة كابول على تغطية وجوههن بالكامل ومنعهن من الدخول إلى الجامعة إذا لم تلتزمن بذلك. كما فرض على جميع المذيعات العاملات في جميع القنوات التلفزيونية تغطية وجوههن أثناء تقديم البرامج، والفصل بين الجنسين في الحدائق والمطاعم والمدارس، وحظر عليهن صالات الرياضة والحمامات العامة، وكذلك إجراء فحص الأشعة فوق الصوتية للنساء في مستشفى هوزفي في هرات، كما أمرت بإغلاق جميع المدارس الثانوية للفتيات، ومنعت حركة طالبان المدربين في مدارس تعليم قيادة السيارات من إصدار تراخيص للنساء.

وفي تونس لطالما فرضت النساء أنفسهن في الحياة السياسية وتواجدن بقوة في ساحات النضال، ورافقها مقاومة الجمعيات والتنظيمات النسوية التي وقفت بحزم في وجه المخططات الرجعية التي حاولت المس من مكاسبهن التي نسفها دستور 2022، ما خلف غضباً نسوياً عارماً رافقته احتجاجات ميدانية وإصدار بيانات رافضة لمبدأ إقصاء النساء الممنهج من الحياة السياسية، وبدأت من بوابة الانتخابات التشريعية التي عرقل القانون الانتخابي ترشحها فيها بسبب الشروط المجحفة التي وضعتها وتبدأ من نظام التزكيات في مجتمع أبوي لا يؤمن بوجود النساء في المناصب القيادية بل يعرقل وصولها لمراكز القرار وإن بلغتها يسعى لتقزيمها ومهاجمتها بكل الوسائل.

وترجم ضعف مشاركة النساء رفضهن القانون الانتخابي وإقصائهن فضلاً عن دعوات المقاطعة التي أطلقتها الجمعيات المدنية والنسوية التي لاقت القبول والتجاوب إضافة إلى تدني الوضع الاقتصادي في البلاد والذي دفع التونسيات لمقاطعة هذا المسار وتعبيرهن علناً عن الاستعداد لمقاطعة كل المسارات التي لا تخدم النساء، حيث صعدت 25 امرأة فقط إلى البرلمان التونسي الذي ينتظر تشكيله الشهر الجاري، بعد أن كان عدد النائبات 57 أي بنسبة 26 بالمائة.

وتعمل التونسيات على الدفع بالبرلمان إلى تنقيح مجلة الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع متطلبات المجتمع والنساء ويضمن المساواة التامة والفعلية بين الجنسين، مشددات على ضرورة استكمال مسار المطالبة بالمساواة التامة في كل الحقوق والحريات ورفض الهيمنة بكل أشكالها ومقاومتها والدفاع عن الحريات.

ويُحتفل بالأيام العالمية للمرأة كثمرة لنضال ملايين النساء في مختلف أنحاء العالم للحصول على حقوقهن، من بينها اليوم العالمي للمرأة، حيث تحتفل نساء العالم على اختلاف انتماءاتهن الدينية والأثنية والقومية، بيومهن بعد أن اعترف العالم بالإنجازات التي تحققت بفضل المرأة، حيث يعد مناسبة مميزة تتيح للعالم التوقف كل عام عند إنجازاتهن وما قدمنه خلال عام، وقد تطورت صور الاحتفال بهذا اليوم، فقد أخذت الاحتفالات طابعاً مهماً تمثلت فيه مطالب المساواة بين الجنسين، كما أن الفعاليات والاحتفالات تختلف من دولة لأخرى.

وفي كل عام يتم تحديد موضوع رئيسي للاحتفال وتسليط الضوء عليه في هذا اليوم المميز، فالبلدان العربية تطرح مواضيع الظلم الاجتماعي والعادات والتقاليد البالية التي تحط من شأن المرأة، وتطالب الناشطات النسويات والمهتمات بقضايا المرأة بتفعيل دور النساء بشكل أكبر في المجتمع ومواقع صنع القرار. وتختار النساء في هذا اليوم ثلاثة ألوان للاحتفاء به وهي الأرجواني الذي يدل على العدالة والكرامة، والأخضر الذي يرمز إلى الأمل، والأبيض الذي يمثل النقاء.

وفي هذا العام تم في العديد من دول الشرق الأوسط إطلاق مبادرات وحملات وعقد ندوات واجتماعات للمطالبة بحقوقهن والدعوة لنضال مشترك وتكثيف الجهود، بينما سيكون شكل الاحتفال مختلفاً عما سبقه من الأعوام في أجزاء كردستان الأربعة، حيث بدأت المؤسسات والتنظيمات والحركات النسوية منذ الأول من آذار/مارس بإحياء هذا اليوم من خلال مجموعة من النشاطات والفعاليات متخذات من شعار "jin jiyan azadî" أساساً لهن، بعيداً عن الاحتفالات حداداً على أرواح ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب كل من تركيا وسوريا في السادس من شباط/فبراير الفائت.

 

"خبز وورود"... العودة إلى نقطة البداية

بالعودة إلى النقطة التي بدأ فيها السعي من أجل تحديد يوم عالمي مخصص للمرأة، فسيتضح أمامنا مدى ما قدمته النساء من نضال على مر سنوات وعقود, وما لاقينه من مأساة، حتى جاء يوم الثامن من آذار/مارس، وتوج نضالهن ونشاطاتهن في مختلف أنحاء العالم، اللواتي يجمعهن الإيمان بحقوق المرأة.

في الثامن من آذار/مارس عام 1857، أعلن الآلاف من عمال مصانع النسيج في مدينة نيويورك الأمريكية، معظمهم من النساء، الإضراب عن العمل مطالبين بتحسين ظروف العمل، إلا أن تلك الاحتجاجات قوبلت بالقمع من قبل الشرطة وتم إغلاق أبواب المصانع على العمال وإشعال النيران فيها، مما أدى إلى مقتل 129 عاملة في تلك الحادثة.

وكان لخروج مئات العاملات عام 1907 في مظاهرة سلمية بمدينة نيويورك، حملت المشاركات فيها قطعاً من الخبز وباقات من الورود رافعات شعارات "خبز وورود"، مطالبات بتحسين ظروف العمل، وحق المرأة في الانتخاب ومنع عمالة الأطفال الذين كان يتم استغلالهم بشكل كبير لرخص اليد العاملة؛ دور كبير في دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جدول الأعمال اليومية.

تعد تلك المظاهرة بداية الحركة النسوية داخل الولايات المتحدة في القرن العشرين، وتميزت بانضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف، ليبدأ الاحتفال بـ "يوم المرأة الأمريكية" في الثامن من آذار/مارس 1909 والذي استمر لخمس سنوات فقط.

باجتماع أكثر من مائة امرأة من 17 دولة أوروبية، بينهن مناضلات نسويات معروفات على الصعيد العالمي، عقد "مؤتمر الأممية الاشتراكية" للمرأة العاملة في عام 1910، في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، والذي يعد من النشاطات المهمة في تاريخ الحركة النسوية، اقترحت خلاله كلارا زيتكن وهي من طليعيات الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، اعتبار يوم الثامن من آذار/مارس يوم المرأة العالمي وفاءاً لذكرى هؤلاء النساء اللواتي فقدن حياتهن، وتم الموافقة على مقترحها بأغلبية الأصوات.

ولقي الاقتراح ترحيباً كبيراً من قبل المجتمعات، وتمت الموافقة على إقرار يوم عالمي للمرأة في كل من النمسا، والدنمارك، وألمانيا، وسويسرا، في التاسع من آذار/مارس عام 1911، وشهدت الاحتفالات التي يشهدها العالم لأول مرة مشاركة من الجنسين.

لم تكتفي النساء بهذا اليوم فمع استمرار الفجوة بين حقوق النساء والرجال وأبرزها في ذلك الوقت حقوق العمل، استمر النشاط النسوي، فبعد اندلاع حريق في أحد مصانع الملابس في مدينة نيويورك بتاريخ 25 آذار/مارس عام 1911، والذي أودى بحياة أكثر من 140 عاملة، عمت المظاهرات المدينة وكان لها أثراً كبيراً في تغيير التشريعات الخاصة بحقوق العمال وليس العاملات فقط. 

عمت المدن الأوروبية ثاني مظاهرة نسوية ضمت الملايين من النساء ضد الحرب العالمية الأولى، بين عامي (1913ـ 1914)، وأصبح اليوم الدولي للمرأة آلية للتظاهر ضد حملات الحرب العالمية الأولى، مطالبةً بإنهاء الحرب وتحقيق السلام.

ومع استمرار الحرب العالمية الأولى نظمت النساء في مختلف أنحاء أوروبا في آخر يوم أحد من شهر شباط/فبراير (وكان اليوم الذي تحتفل به النساء في روسيا) عام 1914 مسيرات مناهضة للحرب مبينةً تكاتف النساء وتضامنهن معاً، حيث تظاهرت النساء الروسيات أيضاً ضد الحرب تحت شعار "من أجل الخبز والسلام".

نتيجة لجميع الجهود النسوية السابقة وغيرها قررت منظمة الأمم المتحدة سنة 1975، تخصيص يوم عالمي للمرأة، وعممته على جميع دول العالم للاحتفاء بإنجازات المرأة، وتم اختيار تاريخ الثامن من آذار/مارس من كل عام، وبعد عامين تبنت الأمم المتحدة تلك المناسبة.